توقفت «أمل»، شاءت أن تخترق عالم السبيل من خلال السباحة فى عالم «مختار». ذلك الصامت الناظر إليها بوله لا تخطئ فهمه أنثى.
- أمل (إلى أصدقائها): اسمعوا يا جماعة، اذهبوا أنتم فى سيارة كريم. وسآتى وراءكم.
- أين أنت ذاهبة يا أمل؟!.
- أمل: سأخبركم عندما أعود!.
(تتحرك «أمل» إليه وهو واقف).
- أمل (وهى تقف أمام «مختار»): قل لى يا سيدى.. لماذا لا ترفع عينيك عنى؟!.. لا ألتفت إلا وأجدك تنظر إلى!..
- مختار: .. .. .. .. .. .. .. ..
- أمل: لماذا تقف هكذا فى حالة تحنّط؟!.
- مختار: أنا!.
- أمل: نعم أنت!.. ماذا بك؟!.
- مختار: آسف جداً يا آنسة إن كنت ضايقتك بنظراتى.
- أمل: لا يا سيدى لم تضايقنى، لكننى أريد أن أعرف سر هذا الاهتمام البصرى الغريب بى؟!. إنك تنحتنى بعينيك!.
«أمل» زهرة ناضرة. قطعت فى الحياة عشرين عاماً جعلتها أنثى كاملة المعانى والمعالم. كل ما فيها ينطق بأنوثتها. تغتال أى رجل يُساق إلى طريقها. وهى الابنة المدللة للمستشار زكى القشيرى الذى سافر للعمل فى دولة الإمارات لمدة خمسة عشر عاماً، ثم عاد إلى مصر وتفرّغ للأعمال الحرة التى ضاعفت من ثروته كثيراً. كانت «أمل» ابنته الوحيدة على ذكرين. روحها العذبة والمرحة قادرة على إقناع أبيها وإخوتها وزملائها فى الجامعة الأمريكية بأى شىء. فلسفتها أن يعيش الإنسان الحياة لحظة بلحظة. مبدأها إلقاء الماضى وراء الظهر، والنظر إلى اللحظة المعيشة، وتقرير كيفية الاستمتاع بها دون أن تأبه بالنتائج، فنحن لا نضمن هل سنعيش اللحظة التالية أم لا؟!. دائماً ما تبحث عن جديد، لأنها ملولة!.. ملولة جداً. عندما دعاها بعض أصدقائها من الجامعة الأمريكية للذهاب إلى «المسمط»، صرخت من الفرحة، لأنها سترى مكاناً جديداً، وطعاماً جديداً، وكائنات بشرية لم يسبق لها رؤيتها فى البيئة المحيطة بها. وبمرور الوقت تعودت أن تهيم مع أصدقائها إلى السبيل كى تأكل سقط الحيوانات فى المسمط.
- أمل: ما زلت فى حالة التحنط كفرعون!.. (ثم ضاحكة): ولكن أين التابوت؟ بل أين أنت يا هذا؟. تكلم حتى أراك!.
- مختار (باضطراب): أنا مضطر للاستئذان، لأن هناك أعمالاً لا بد أن أؤديها. فهل تأذنين لى بالانصراف؟
- أمل: سأنتظرك فى هذه السيارة حتى تُنهى أعمالك. بصراحة أريد أن أتحدث معك. عندى فضول شديد للتجول فى عالمك. سأتركك وأنتظرك.
هل ما حدث وقع فعلاً؟. هل تريد أن تتحدث معى؟. هل تريد أن تتجول فى عالمى كما تقول؟ هل لى أن أصدق؟. هل وهل وهل؟. لقد تحولت إلى سؤال كبير، إلى علامة استفهام ضخمة. كائن يبحث عن إجابة، عن تفسير. ولكن لماذا لا أتوقف عن طوفان الأسئلة التى يضيق بها دماغى؟. السؤال تردد والتفكير شلل. وحياتى لا تحتمل تردداً أكثر وشللاً أكبر.
«خطوة يا حسين. هناك ينتظرونك. لم تبق إلا بضع خطوات وترتوى. عُد يا حسين!.. عد!.. قلوبهم معك وسيوفهم عليك!»، ولكن لا عليك.