أصحاب المعاشات.. الحلم والألم يبدآن بعد الستين
أصحاب المعاشات
طموح تخطى ناطحات السحاب ظل يحلق فى سماء أمانيهم، جعلهم ينتظرون ذلك اليوم الذى سيمضون فيه تعاقداً أبدياً مع الراحة، رافعين شعار «لا عمل بعد اليوم»، المعاش الدائم حلم طال انتظاره لديهم، جعلهم يتغاضون عن صعاب كثيرة واجهوها، وسنوات قرروا أن يضعوها فى طى النسيان ورغبة عارمة فى بدء مرحلة جديدة ودعوا فيها «العمل الشاق» ورحبوا بـ«التقاعد عن العمل»، إلى أن تحول كل هذا إلى سراب كاذب ليس له وجود حين اصطدموا بقيمة المعاش الضئيلة التى من المفترض أن يخوضوا من خلالها مرحلة جديدة فى حياتهم، رحلة كفاح طويلة رُسمت معالمها على وجوههم، بدت فى شقاء تخلل نبرات صوتهم ومشقة اقتحمت أبدانهم سالبة منها ما تبقى من نشاط وصحة، ليصيروا مجبرين على عمل لا يعرفون عنه شيئاً فى الوقت الذى يحتاجون فيه إلى العناية والراحة، ضاقت بهم الأحوال وجاءت الراحة لتفسخ تعاقدها معهم فقرروا الخروج إلى ساحة العمل مرة أخرى عازمين على مواجهة هذا الواقع البائس الذى لم يرأف بهم برهة، فهبطوا درجات الحياة مرة أخرى كورق الشجر فى الخريف قد ترفعها الرياح قليلاً ولكنها حتى فى ارتفاعها تنطق بالهبوط المكتوب عليها رويداً رويداً إلى أن يتوسد خدها الثرى وتدوسها الأقدام، بذلوا جهداً كبيراً ليتصيدوا لقمة عيشهم ورغم أن أحوالهم أقل من كثيرين، فإن قلوبهم لا تعرف الحسد ولا الضغينة، تنبئ أعينهم بأن فى قلوبهم ميلاً دفيناً إلى الفكاهة والدعابة رغم ما يخفونه فى قرارة أنفسهم من ضيق، قرر بعضهم خوض مهن شاقة توفر لهم قوت يومهم وتنقذهم من أزمات مادية عديدة غرقوا بها عقب بلوغهم سن المعاش، وآخرون اختاروا مهناً تنتظر قدوم الرزق لسوء حالتهم الصحية.
قضوا حياتهم بين مبلغ «ضئيل» وكفاح «جديد» وعمل «يجهلونه»