كبلوه، وألقوا به إلى أعماق بحر هائج المؤامرات. تمكن من فك قيوده الحديدية بـ«بمعجزة»، وخرج ليتنفس الصعداء بـ«آخر ما أوتى من قوة» بعد أن أوشكت رئة حياته على الانفجار، غير أن عملية الإنقاذ لم تكتمل بعد، وما زال فى حاجة إلى «إرادة ورؤية». إرادة تمكّنه من استكمال السباحة نحو النجاة، ورؤية تقوده إلى «بر الأمان» وليس إلى «شاطئ الهلاك».
ذلك هو حال العالم العربى مع «ثورات الربيع». للمرة الأولى - ربما - يدرك العرب المعنى الفعلى والعقلى - بعيداً عن الأغانى والأشعار - لـ«وحدة المصير»، وأنه إذا نجا أحدهم سينجو الجميع، وإذا تقاعس أحدهم عن مد يد المساعدة للآخر لإنقاذه من الغرق المحقق، سيكون الغرق مصيراً للجميع.
جاءت «٣٠ يونيو»، وأوقفت انفراط حبات المسبحة التى سقطت معها ثلاث دول - ربما إلى غير رجعة - قبل سقوط المزيد، وأدركت بقية الدول، التى ما زالت واقفة على قدميها بـ«شىء من استقرار»، أن إيقاف انفراط حبات العقد مسألة «مؤقتة»، وأنه إذا لم يمد العرب - كل العرب - يد المساعدة «مع» مصر وليس «إلى» مصر فإن النتيجة الحتمية ستكون: انفراط كل حبات المسبحة.
تلك هى «الحقيقة الشمسية» الأولى التى يجب أن نضعها على طاولة التفكير فى توابع زيارة العاهل السعودى الأخيرة إلى مصر، التى تحولت - بقدرة قادر - من «زيارة تاريخية وغير مسبوقة على كافة المستويات» إلى «زلزال الجدل العظيم.. والعقيم أيضاً». تلك الزيارة التى خلفت وراءها - والمعنى لو تدركون خطير - أول مظاهرة سياسية فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى.
دعك من الكلام عن جزيرتى «تيران» و«صنافير»، فأمواج الوثائق.. والوثائق المضادة، والحجج.. والحجج المضادة، والوطنية.. والوطنية المضادة، غطت على كل «عقل» وهزمت أى «منطق». تعال - بقليل من رشد - نرصد ٣ ملاحظات، أو «تيران» تهدد مصر فى تلك المرحلة شديدة الخطورة.
أولاً: بعيداً عن «التوقيت الخاطئ» لإثارة قضية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، وأن المسألة بدت - بخلاف الحقيقة - كأنها عملية بيع وشراء، تشعر بأن هناك «حالة تربص» بالدولة المصرية، وإن بدا الأمر - فى ظاهره - على أنه تربص بالرئيس فقط. مع كل كلمة ينطقها، وكل اتفاقية يوقعها، وكل قرار يتخذه.. تجد «السكاكين» مسنونة، ونصلها الحاد جاهز على الدوام لينغرس - نقداً وسخرية وتخويناً - فى قلب أى إنجاز أو حتى محاولة للإنجاز. صحيح أن لنظام الحكم - بالطبيعة - أخطاء، لكن هناك حالة دائمة من الترصد.. تغرس سيوفها فى ظهر الرجل، وكأنه يحكم «أمريكا بكل إمكاناتها.. ومعه الشعب اليابانى.. على الأرض القطرية»، وليس بلداً أضنته سنوات الفساد والفوضى والثورة «على كل شىء».
ثانياً: من الواضح جداً أن كل محاولات «الاسترضاء» التى تقوم بها الدولة تجاه قطاعات شبابها الغاضب لم تكلَّل بالنجاح، الأمر الذى يؤكد أن الدولة فى حاجة ماسة - الآن وليس بعد قليل - إلى استراتيجية احتواء تعتمد على مخاطبة عقولهم الثائرة بـ«لغة التغيير الحقيقية على الأرض»، والإيمان - فعلاً - بأنهم اليد القوية التى ستنقذ البلاد.. أو تهدم المعبد على من فيه. وفى المقابل، على الشباب أن يقدموا «بعضاً من عقل» على نزق التغيير.. وإن كان مشروعاً، فالتوقيت والآلية والميراث الثقيل يجب أن يتم وضعها جميعاً فى الاعتبار.
ثالثاً: على مدار العامين الأخيرين، لطالما حذر الجميع من كارثية السيناريو السورى، وأن هناك عموداً - واحداً وأخيراً - للخيمة ما زال قائماً، فإذا ما تعرض لأى محاولة هدم، أصبحت الدولة إلى زوال. كانت تلك الفكرة تلقى صدى وتأثيراً داخل النفوس، فتجد - مع ذكر تلك الفكرة - حالة خوف ممزوجة برغبة حقيقية فى الحفاظ على «ما تبقى» من كيان الدولة، غير أن تلك الحالة -ويا للكارثة - لم تعد موجودة فى حدودها الآمنة.
أيها السادة، برجاء الانتباه: الدولة الآن تتعرض لأعلى وأعتى موجات الخطر، والمواطن فى حالة عدم اكتراث.