لأنهم وهم الكتلة الأكبر من الشعب المصرى بلا منازع حتى كتابة هذه السطور، فالكتابة عنهم ليست فى حاجة لاستفهام بقدر احتياجها لقدر من الشجاعة والمصارحة، لهم وليس للرئيس، خاصة وقد خاضوا الأسبوع الماضى امتحاناً عسيراً كان سبباً فى تحريك شجونهم وإطلاق عقولهم وألسنتهم، فقد كانت قضية جزيرتى تيران وصنافير كالقارعة التى ألهبت وجوه الجميع، فكشفت سريعاً عمن يقف على الجانب الآخر من الطريق انتظاراً لخطأ عابر، فإذا به يجده هذه المرة كنزاً ثميناً، فقد تبين للكتلة الأكبر أنه خلال تدافع الأحداث الماضية هناك تسلل وتسرب عددى تم تحت جنح الصمت والغضب المكتوم، وانتقل إلى الجانب الآخر الذى فى حقيقته ليس آخر واحداً بل هم أكثر من آخر.
أبعاد المأزق الذى تعيشه الكتلة الأكبر أنهم عاينوا خروجات مماثلة من قبل تمت مبكراً وأمام أعينهم، لكن الثقة العددية الكاسحة لم تعر للأمر حينها التفاتاً أو وزناً، ولم يكن أحد هناك يتحدث مفسراً، وهنا برزت أصعب أشكال المأزق الحالى، فلا يوجد أحد يتواصل مع تلك الكتلة الأكبر بخطاب عام يمكن تبنيه أو التفاعل معه والبناء عليه، المقدمون أنفسهم بأنهم حاملو هذا اللواء من السياسيين والإعلاميين فاقدو المنطق والسمعة المهنية بالكلية، لدى مؤيدى الرئيس قبل غيرهم، والاستثناءات المحدودة ضائعة وسط ضجيج هؤلاء الصارخين من دون وعى، فلاذ المؤيدون بالرئيس نفسه، ولأن الرئيس فى الأغلب صامت ومختصر ويدير آلة هادرة من التعقيدات الإقليمية والدولية، فمن غير المتصور أن يتفرغ ليصيغ الخطاب السياسى العام ويراقب مساراته، فسقط هذا العام فى فخ الألغاز المتتابعة التى لم تجد لها تفسيراً لدى الكتلة الأكبر، وهؤلاء تشكلوا بالأساس على نار هادئة من التجربة المثيرة والمعقدة التى بدأت منذ يناير 2011م، لذلك هم لم يؤيدوا بعشوائية أو برغبات الخلاص، إنما كانت القناعة والوصول إلى بر اختيار هذا الرئيس شاقاً ومدفوع الثمن، ليجدوا أنفسهم فى النهاية يقفون فى فراغ هائل وصامت. عندما اشتكى الرئيس ذات مرة من الإعلام وقارنه بإعلام عبدالناصر الذى كان يسانده، حقيقة المأزق أن المشكلة ليست فى الإعلام بذاته، بقدر ما هى امتلاك عبدالناصر لكوادر وشخصيات صاغوا وتبنوا مشروعاً محكماً جرى إنضاجه على أيدى محترفين، فصارت الكتلة تتكاثر وتجتذب المؤيدين فى الداخل والخارج، وكان الرأى العام فى الدائرة الأوسع من السهل عليه التقاط الإشارة والإجابات بسهولة تمكنه من صياغة الفهم، أمام أزمة تيران وصنافير كانت الأزمة مزدوجة وكان الغياب بأكثر تعقيداً على الفهم لدى المؤيدين، لدرجة أن تورط البعض منهم فى الدفاع الحار عن ملكية السعودية، ظناً أن تلك هى إشارة التأييد، وهو ارتباك فادح غير مسبوق لم يمارس من قبل، ولم يكن المؤيدون يحتاجون سوى بعض الثبات والصمت لضمان عدم الانزلاق، حتى انتقاد سوء التقدير والإنفاذ وهو فى بعضه صحيح ظل محل اتهام منهم بالتخوين!
تبقى شريحة داخل تلك الكتلة ربما يكون مأزقها أكثر تعقيداً مما سبق، وهم العالمون بأن خطوة الجزر تأتى داخل منظومة متكاملة لصياغة أمن وعلاقات الإقليم بكامله، وليست خطوة وحيدة معلقة فى الفراغ، وأن الأموال السعودية المقبلة فى زيارة الملك الأخيرة ليست بهبات، بقدر تلامسها مع تعقيدات ومراهنات مستقبل التحدى العربى فى الإقليم، أزمة تلك الشريحة المركبة أنهم لم يجدوا أحداً يتحدث عن هذه الصياغات، والحديث المطلوب هنا يعطى الوزن النسبى للشعب بكامله فى معادلة الحكم والقرار، ويلفت الانتباه المطلوب لما هو مقبل بالاسم والتاريخ، بديلاً عن الصمت والإدارة خلف الأبواب المغلقة الصامتة، التى عكست أنه لا توجد رغبة أو نية فى التواصل، وهو ما يدفع الجسور إلى أن تتحطم مجاناً من قبل أن تُشيد، وفى النهاية لأنى شخصياً من المؤيدين ومعى أسرتى وأمى وأصدقائى وزملاء العمل وجيران الحى، لذلك أعاين المأزق وجهاً لوجه وأعلم من تفاصيله أكثر كثيراً مما ذُكر بمناسبة الجزيرتين.