كما استعمل المفهوم فى نقد الديمقراطية والتغلب على الطبيعة الغامضة غير المحددة لنظريات التعددية، مثلما حاول باكرك فى كتابه «نظرية النزعة الصفوية الديمقراطية» الصادر عام 1967. فالتعدديون، وفى مطلعهم داهل، يميلون إلى أن السلطة وممارستها تتسم بالانتشار وليس التركز، وأن الزعماء السياسيين يكيفون قراراتهم وسياساتهم وفق آراء أتباعهم وردود أفعالهم، وليس استجابة لآراء ومواقف ومصالح قلة، كما يرى أتباع نظرية النخبة.
وقد حاول العديد من المفكرين الاجتماعيين، فى مقدمتهم جوزيف شمبيتر، تسوية الخلافات بين هذين المسارين النظريين، منطلقا من أن فكرة الديمقراطية تعنى فى مضمونها «بناء سياسيا لنخب متنافسة» تتناقض فى الأفكار والاتجاهات كما هو الحال بالنسبة للأحزاب السياسية الممثلة لمصالح المجتمع المختلفة، التى تتنافس لجذب الأنصار إليها والحصول على أصواتهم فى الانتخابات، وبالتالى حيازة الحكم، الأمر الذى يعنى أن آليات الديمقراطية تنتج النخبة المسيطرة ولا تتناقض معها أو تعيقها. وهناك من استخدم المفهوم ذاته فى نقد «الثقافة الجماهيرية» من منطلق أنها تؤثر سلبا على الثقافة الراسخة التى تنتجها الصفوة، والتى أصبحت مهددة بفعل انتشار وسائل الاتصال الجماهيرى المعاصرة، أو أن هذه الوسائل تبدو عاجزة عن خدمة ثقافة الصفوة. ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن الثقافة الجماهيرية تفتقد العمق والأصالة ولا تلبى أو تكفى لسد احتياج المجتمع إلى المنتج الثقافى. لكن الفرنسيين ريمون بودون وفرانسوا بوريكو يعتقدان أن الجمهور هو الذى يمنح ثقافة النخبة قيمتها وأهميتها؛ فالفاعلون الاجتماعيون بمستواهم العريض والمتسع هم من يحددون أعضاء النخبة الثقافية من خلال الإقبال على ما تنتجه فى مختلف الفنون والمعارف. وحتى لو كان هناك من بين أعضاء النخبة من يبدع أعمالا مميزة لا مجال لنكرانها والاعتراف بها ودفعها إلى الواجهة فإن دور الجمهور مهم فى إعطاء الصيت للمبدع، وإلا لم يلتفت إليه أحد. وحاول البعض أن يضيف إلى نظرية أو مدخل النخبة مسارات أو مفاهيم وأبعاداً أخرى حتى يكون أكثر متانة فى تفسير علاقات القوة فى المجتمع عامة والنظام السياسى على وجه الخصوص؛ فقد قام مارتن هسلر بدمج مفهومى «النخبة» و«الكوربراتية» فى محاضرة ألقاها بجامعة ميريلاند الأمريكية عام 1992 ليصل إلى مفهوم جديد هو «كارتل النخبة» الذى يتعامل مع الأشخاص الذين يشكلون النخبة بوصفهم رؤوس أعمدة كثيرة، كل واحد فيهم ينشغل بمن هم أدناه فى هذا العمود ويرعى مصالحهم ويشكل قنطرة بينهم وبين رؤساء بقية الأعمدة الموازية أو المجاورة، التى تربطها جميعا علاقات تساند أو تعاون أو إكراه وليس تنافسا رغم ما بينها من تمايز وظيفى وتراتبى، ويمارَس كل هذا تحت عباءة الدولة، التى تمنح أو تعطى أو تقرر حق رؤساء هذه الأعمدة فى تمثيل الفئات التى تندرج تحتهم.
وهناك محاولة مختلفة قامت بها سامية سعيد إمام فى كتابها «الأصول الاجتماعية لنخبة الانفتاح الاقتصادى فى المجتمع المصرى 1974 - 1980»؛ حيث استفادت من مقولات نظرية النخبة ومفاهيم «الاقتصاد السياسى» وفق النظرية الماركسية فى آن، بما جعلها تعيد صياغة مفهوم النخبة بطريقة مغايرة، فعرفتها بأنها «عناصر الرأسمالية التقليدية والبرجوازية والبيروقراطية والطفيلية التى شكلت فى مجموعها تكوينا اجتماعيا غير متجانس، يستحوذ على قدر كبير من السلطة والنفوذ والثروة بشكل يجعلها ذات تأثير غير عادى فى جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما يتيح لها تحقيق أهدافها، والتأثير على عملية التنمية». وينطبق هذا التعريف على «الحالة» التى درستها الباحثة، زمانياً ومكانياً، لكنه ليس بالضرورة ينسحب على نخب فى سياقات مختلفة، لكنها، من دون شك، قدمت إضافة ملموسة إلى مفهوم النخبة بشكل عام.
(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)