إذا كان الإخوان يشعرون بالارتباك عند النظر إلى ما يمكن أن يحدث يوم 25 يناير، فإن المعارضة الرسمية التى يمكن اختزالها الآن فى جبهة الإنقاذ الوطنى لا تقل ارتباكاً، إن لم تزد، عن الإخوان. وجوهر معاناة الجبهة يرتبط بأنها تعمل بنظرية «تقديم رِجْل وتأخير رِجْل». فهى عاجزة عن حسم موقفها من الدستور ومن الانتخابات النيابية، بل ومن المطالب الواجب رفعها يوم الحشد العظيم.
موقف الجبهة من الدستور الإخوانى غامض، فمرة يتحدث أقطابها عن أن مشاركتهم فى التظاهر يوم (جمعة 25 يناير) تتم فى إطار السعى لإسقاط الدستور، وفى أخرى تجد الدكتور «البرادعى» يتحدث عما يمكن وصفه بـ«ترميم» الدستور، من خلال تنقيته من بعض المواد التى يجب تغييرها. ويحتار المحلل أمام هذا الموقف حين يسأل: هل الجبهة والدكتور البرادعى فى حالة رفض للحوار مع مؤسسة الرئاسة أم لا؟. وعلى مستوى انتخابات مجلس النواب لا يستطيع أحد أن يحدد: هل ستخوض الجبهة الانتخابات بقائمة واحدة أو اثنتين أو ثلاث، تبعاً للانشقاقات؟!
مشكلة جبهة الإنقاذ أنها تتعامل مع الموقف بأسلوب أمريكانى شديد البرجماتية، وتحديداً تبعاً لحركة الشارع، فإذا وجدت الشباب ثائراً ثارت، وإذا سكت الشارع جنحت إلى التفاهم مع السلطة، وبالتالى فمواقفها غير محددة، وبدلاً من أن تقود الشارع، فضلت الانقياد له. وقد لا أبالغ إذا قلت إن هذا الأسلوب فى التعامل أفقد رموز جبهة الإنقاذ الكثير من ثقة الشارع فيها. ومن يتابع الخطاب الثورى الشبابى سوف يجده ينطق باليأس من قدرة الجبهة على المجابهة!، ولو تجذر هذا الإحساس داخل الشباب أكثر من ذلك، ناهيك عن تجذُّره داخل المواطن المصرى العادى، فقد يواجه الجميع شلالاً من الغضب لن يُبقى ولن يذر.
الشباب العادى وجمهرة المواطنين المصريين ليسوا بالسذاجة التى تتصورها أى من فصائل النخب المعارضة. والدليل على ذلك أنهم فقدوا الثقة فيها حين أدركوا أنها نخب فاقدة الثقة فى نفسها، فالشخص العادى لا يستطيع أن يمنح ثقته لآخر لا يملك الثقة فى نفسه، وذلك لب المشكلة. فمنذ 11 فبراير 2011 كانت السلطة فى مصر على الأرض، كما ذكرت ذات يوم. الحكم وقتها كان فى متناول الجميع، وكانت فرص الجميع متساوية فى التقاطها. ولعلك تذكر أن فكرة تشكيل مجلس رئاسى -بزعامة الدكتور محمد البرادعى- كانت مطروحة خلال أحداث نوفمبر 2011 (أحداث «محمد محمود» الأولى)، لكن النخبة تباطأت فى الاستجابة لهذا المطلب الثورى، فكان أن مدّت الجماعة يدها فاغترفت من طبق السُلطة اغترافاً حتى لم يبق منه شىء، وعلى من يريد أن «يلابط» الإخوان اليوم أن يدرك أن عليه اختطاف «الطبق» كله!