الطريق إلى رفع «الراية البيضاء»: فشل الأنظمة فى تكوين «مشروع وطنى» جديد
عناصر من «داعش» خلال أحد التدريبات
رغم الإقرار العربى بالإجماع أن اتفاقية «سايكس بيكو» مؤامرة حيكت سراً لتقسيم الدول العربية وتدميرها فقط من أجل خدمة المصالح البريطانية والفرنسية وقتها، والغربية فيما بعد، فإن الدول العربية الآن بكل الطوائف السياسية تتمسك بالحدود التى رسمتها بشكل كبير تلك الاتفاقية وتدافع عنها باستماتة، ما اعتبره محللون وخبراء سياسيون عرب خوفاً من التقسيم الجديد ومزيد من التشرذم للدول العربية، وفى الأساس يعود ذلك الخوف لعدم امتلاك الدول العربية مشروعاً بديلاً يخلصهم من «سايكس بيكو»، وفى الوقت ذاته يمنعهم من الغرق فى مستنقع مخطط «الشرق الأوسط الجديد».
وقال المحلل السياسى الفلسطينى الدكتور طلال عوكل، فى اتصال لـ«الوطن»، إن العرب والمسلمين خدعوا باتفاقية «سايكس بيكو» فى مواءمات وموازنات الحرب العالمية الأولى ومن المعروف محادثات «الشريف حسين- مكماهون»، وكان من المفترض أن يكون التقسيم أكثر مما وضعته الاتفاقية، والمشكلة أن العرب حتى اليوم لم يتمكنوا من بناء دولهم وفق أسس وحدوية. وأضاف «عوكل»: «إلى جانب ذلك فإن الاحتلال عمل على إفشال المحاولات الوحدوية وتكريس النزعات القُطرية بما ليس له علاقة باستقلالية الدول، حتى أصبحنا اليوم معرضين لـ(سايكس- بيكو) جديدة فى العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان وغيرها من الدول».
«عوكل»: الأنظمة العربية معظمها قامت فى الماضى وفق أسس قبلية مما وضعها تحت سيطرة التدخلات الخارجية.. و«آل زولفه»: غياب المشروع الوطنى البديل أتاح الفرصة لـ«داعش»
وقال المحلل السياسى الفلسطينى «إن الأنظمة العربية معظمها قامت وفق أسس قبلية وليست وفق أسس قومية وطنية، ما وضعهم تحت سيطرة القوى والتدخلات الخارجية، ولست متأكداً من أن هذه الأنظمة قادرة على طرح ما يمكنها من تجاوز قطريتها». وقال «عوكل»: «مع الأسف ما تبقى من الأنظمة العربية لا يستطيع وقف مخطط التقسيم الذى يسير بقوة، لكنه فى الحقيقة توقف نسبياً عند مصر بعد ثورة 30 يونيو، لأن مصر كان مخططاً لها أن تقسم كذلك». وتابع: «مخطط التقسيم فشل فى دول وتوقف عندها لكنه نجح فى دول أخرى، وأعتقد أن التقسيم سيتوقف عند تحقيق نجاح نسبى، ونحن اليوم فى مرحلة مفتوحة على كل التغيرات والاتجاهات، وهنا تأتى أهمية الدور المصرى».
من جهته، قال المحلل السياسى السعودى الدكتور محمد بن عبدالله آل زولفه، فى اتصال لـ«الوطن»: «إن الدول العربية تتمسك بـ(سايكس- بيكو) لأن العرب لم يخلقوا بديلاً.. الاتفاقية رسمت حدوداً وكيانات جغرافية وظل العرب على حالهم، العراق عراق وسوريا سوريا ونفس الشىء فى لبنان، حتى باتت الدول العربية مرشحة لتتحول إلى دول جديدة». وأضاف «آل زولفه»: «فشل المسئولون العرب لأنهم دخلوا فى متاهات عديدة، فمنهم من تبنى مشروع الوحدة العربية وهذا لم ينجح وظل فى إطار المستوى القُطرى للدول حتى تجربة مصر وسوريا لم تدُم أكثر من سنتين تقريباً، وحتى دول كبرى ثورية مثل العراق وسوريا كان العداء بينهما أكبر حتى من عداء الدولتين تجاه إسرائيل».
وقال المحلل السياسى السعودى «إن العرب فشلوا فى صياغة مشروع وطنى بديل، ما أتاح الفرصة كذلك لتنظيم مثل (داعش) الإرهابى لأن يخرج ويعبر عن رفضه حدود (سايكس بيكو) ويدعو إلى دمج سوريا والعراق فى دولة واحدة، أو بناء دولة موحدة كبرى، ولكن لن يكون مقبولاً وجود دولة موحدة تحت سيطرة تنظيم متطرف مثل داعش، وكذلك فإنه غير مقبول التجزئة التى يجريها داعش». وقال «آل زولفه»: «الخطورة أن هناك من يدعو إلى تقسيم المقسم، مثلاً تقسيم سوريا إلى 4 دويلات، والمتطرفون يلعبون دوراً فى هذا التقسيم، ولو كانت هناك نية صادقة من قبل روسيا والولايات المتحدة فيما يتعلق بمفاوضات جنيف، فإن عليهم أن يتفقا على وحدة الأراضى السورية». وأضاف: «أعتقد أن التحالفات المصرية السعودية فى الفترة الأخيرة وتعزيز الروابط الاقتصادية بين البلدين، وهذا التحالف يمكن أن يكون نواة لمستقبل عربى جديد».
«فورين بوليسى»: مخططات التقسيم الأوروبية فشلت فى تركيا.. ونجحت فى الشرق الأوسط لأنه لم يمتلك قوة عسكرية كافية لمقاومتها
إذا كان العرب يواجهون مصير التقسيم ومن قبل «سايكس بيكو»، فإن هناك بعداً آخر لعدم قدرة الدول العربية على مواجهة تلك المشروعات، وتمسكها بالاتفاقية سببه عدم قدرتهم على مقاومة تلك المخططات عسكرياً. فى أعقاب الحرب العالمية الأولى وفى إطار مواصلة تقسيم الدولة العثمانية والشرق الأوسط كانت هناك معاهدة «سيفر»، التى لا تقل أهمية عن «سايكس بيكو». ففى تقرير بتاريخ 10 أغسطس 2015 لمجلة «فورين بوليسى» الأمريكية، قالت المجلة إنه «بحلول عام 1920 احتلت قوات التحالف عاصمة الدولة العثمانية واجتمعوا فى فرنسا لتقسيم أراضى الدولة العثمانية التى تكون فى أغلبها الدولة التركية الحالية، ووضعوا معاهدة (سيفر) التى دوّلت إسطنبول ومضيق البوسفور، وتم إعطاء أجزاء من أراضى الأناضول إلى اليونان والأكراد والأرمن والفرنسيين والبريطانيين والإيطاليين».
وأضافت المجلة أنه «بعد عام تقريباً بدأ يقتنع الحلفاء أنهم كانوا طموحين أكثر، عندما بدأ ضباط عثمانيون أبرزهم مصطفى كمال أتاتورك مقاومة المحتل وإعادة تنظيم بقايا الجيش العثمانى إلى أن طردوا المحتلين وأسقطت معاهدة سيفر وكونت دولة تركيا الحالية وفق معاهدة لوزان فى 1923». وقالت «فورين بوليسى» إن «فشل سيفر فى إعادة رسم خريطة الأناضول أثبت أن القوى الأوروبية فى بعض الأحيان لا تستطيع تحقيق مخططاتها، لكن مخططهم فى الشرق الأوسط نجح؛ لأنه كانت لديهم القوة العسكرية اللازمة لهزيمة من يقاوم مشروعهم».