سيصبح من حق المتهرب من التجنيد الترشح فى الانتخابات البرلمانية إذا رد له الاعتبار، هكذا تريد اللجنة التشريعية بمجلس الشورى التى تناقش حالياً قانون الانتخابات الجديد (تعديلات قانون مجلس الشعب وقانون مباشرة الحقوق السياسية). هكذا تريد أحزاب الإسلام السياسى المسيطرة على المجلس وتعصف بأحكام قضائية راسخة اعتبرت دوماً التهرب من التجنيد وعدم أداء الخدمة العسكرية، التى يقول عنها دستور 2012 المشوه إنها شرف، سببين للانتقاص من الحقوق السياسية للمواطن ومنعه من الترشح لعضوية البرلمان. هكذا تفصل جماعة الإخوان وحلفاؤها قانون الانتخابات الجديد وفقاً لأهوائهم ومصالحهم ويدخلون للمشهد الانتخابى فى مصر مرتكبى جريمة التهرب من التجنيد، ويتحدثون بزيف وبشكلية عن رد اعتبارهم المرتبط منذ سنوات بدفع غرامة مالية. هكذا يتجاهل حكام مصر الجدد أن هناك نوعية من الجرائم التى ينبغى أن يرتب ارتكابها الانتقاص من الحقوق السياسية للمواطن، ومن بينها التهرب من التجنيد وعدم أداء الخدمة العسكرية، وأداؤها ركن أساسى فى الدفاع عن الأمن القومى المصرى.
نحن هنا أمام سقطة جديدة فى قانون الانتخابات، الذى تناولت سقطات أخرى به فى المقالتين السابقتين. والسؤال الآن هو لمصلحة من يفصل الإخوان وحلفاؤهم القانون لتمكين المتهربين من التجنيد من الترشح؟ هل لأن العدد الأكبر من هؤلاء من المنتمين لهم وللجماعات الجهادية السابقة (الجماعة الإسلامية) والسلفية التى أسست لأحزاب سياسية وتشارك فى الانتخابات؟ هل لأن لبعض المتهربين من التجنيد نفوذاً كبيراً فى دوائر اقتصادية وتجارية ومالية قريبة من الإخوان؟ أم لماذا؟ عليهم أن يخبروا الرأى العام بالحقيقة، وألا يتحججوا بالمنطق الديمقراطى وبعدم حرمان المواطن من حقوقه السياسية. فالتهرب من التجنيد جريمة ومن بين تداعياتها الانتقاص والحرمان من بعض الحقوق السياسية.
أديت الخدمة العسكرية كجندى فى نهاية الثمانينات (سلاح المهندسين) ولم أعين فى جامعة القاهرة كمعيد بقسم العلوم السياسية إلا بعد حصولى على شهادة أداء وإنهاء الخدمة العسكرية. وحين ترشحت لانتخابات مجلس الشعب 2011 تقدمت بالشهادة هذه ومعها شهادة التنازل عن الجنسية الألمانية، ومن ثم قبلت اللجنة أوراقى. ومع ذلك، توجهت مجموعة من المحامين المحسوبين على التيارات الإسلامية إلى مجلس الدولة للطعن على ترشحى (ثم عضويتى) بادعاء عدم أدائى الخدمة العسكرية واحتفاظى بالجنسية الألمانية، وهو ما رفضته المحكمة الإدارية لوجود ما يثبت عكسه فى الحالتين. أتعجب الآن من تبنى المتحدثين باسم الإسلام السياسى السماح للمتهربين من التجنيد بالترشح فى الانتخابات، بعد أن كانت حين التعريض بالمنافسين جريمة كبرى.
التهرب من التجنيد هو بالفعل جريمة كبرى ولا ينبغى التعامل معها بمنهج «التفصيل للمصلحة» المتبع من قبل الإخوان وحلفائهم. أثناء النقاش العام حول الدستور طالبت بفتح الباب لأداء الخدمة العسكرية أو المدنية أمام المواطنين الذكور وفقاً لاحتياجات المجتمع ومقتضيات الأمن القومى. وبالقطع لم تدرج مادة كهذه فى الدستور المشوه، إلا أننى ما زلت أرى بها الحل الحقيقى للأجيال القادمة ولتوظيف طاقة الشباب بجدية مجتمعية. أما السماح للمتهربين من التجنيد بالترشح فهو صنو نهج التحايل والتفصيل للمصلحة المتبع من الإخوان وحلفائهم، على نحو يلحق أضراراً بالغة بمصر وبحياتها السياسية وبمؤسساتها.