أصبح الأمر أكبر منا جميعاً، تحولت السخرية إلى وحش يفترس ما تبقى من خلايا إنسانية بداخل بعضنا.
الناس على مواقع التواصل الاجتماعى، والملقبون بالنشطاء، الذين يحلو لبعضهم تسمية أنفسهم بالمناضلين زوراً وبهتاناً، يسخرون من كل شىء وأى شىء، يستخرجون من بطن كل كارثة «نكتة» و«إفيه»، يغتالون كل خصم سياسى أو مخالف فى الرأى معنوياً، ينصبون مشانق السخرية لكل من قال كلمة لا تأتى على هواهم.
كتّاب كبار ومثقفون كبار وسياسيون لهم تاريخ طويل من الاحترام فجأة يتحولون إلى هدف للسخرية، هدف للإفيه والاغتيال المعنوى لمجرد أن لهم رأياً مخالفاً لآراء السادة النشطاء، فجأة يتم محو تاريخهم بأستيكة، وفجأة يتم تنصيبهم كفشلة ومنافقين، ويتم اختصار تاريخهم كله فى هذا الرأى أو التصرف الأخير، وكأن هناك عملية ما منظمة لاغتيال رموز هذا المجتمع وتعريته من كل صاحب تاريخ أو جهد، أو هناك مخطط شيطانى لتمكين فكرة مريضة تقول إن من بذل جهداً وأبدع وأخلص لسنوات طويلة مثل الدكتور مجدى يعقوب أو الدكتور غنيم قد يتحول فجأة إلى منافق وفاشل وبلا تاريخ لأنه قال رأياً داعماً للسلطة، بينما فرد بلا هوية لم تنبت أسنانه بعد قد يتحول إلى بطل ورمز لمجرد أنه كتب «بوست» أو «تغريدة» ساخنة من ١٤٠ حرفاً على مواقع التواصل الاجتماعى فيها شتائم أو سخرية من السلطة والمسئولين.
من يفعل ذلك؟! من يشوه قيمة العمل والإخلاص والإبداع والابتكار ويمجد فى أسلوب الشتائم والسخرية؟! من يريد هدم تلك الرموز ومحو تاريخها، من يريد تشويه المشروع الأدبى للدكتور محمد المخزنجى مثلاً بسبب رأيه السياسى لصالح مجموعات لا تكتب أدباً بل تكتب قلة الأدب، من يريد أن يمحو تاريخ أسماء مميزة ومبدعة مثل الدكتورة منى مينا أو د.جودة عبدالخالق أو د.حسام عيسى لمجرد أنهم لا يأتون على هوى فوضوية بعض النشطاء؟!
لا تستسلموا لتلك الحالة الرخيصة التى يريدون للوطن أن يغرق فى وحلها، هم يريدون لنا أن نحول كل قيمة إلى هدف يجوز السخرية منه وهده وتشويهه بالاستهزاء، هم مثلاً يسخرون من مشاعر المواطن البسيط تجاه وطنه، النشطاء لطالما شجعوا على الحرية ولطالما وصفوا رقصات المصريين فى الميادين بعد الثورة بأنها عبقرية وأنها تعبير عن الفرحة، ونفس النشطاء هم الآن الذين يصفون رقصات المواطنين البسطاء المؤيدين للسلطة بأنها رقصات خليعة ودليل على الجنون.
نفس النشطاء هم الذين كانوا يعتبرون كل حركة لأم شهيد فعلاً لا إرادىاً لا بد من تسجيله وتوثيقه ولطالما عرضوا فيديوهات لحالات مختلفة من أمهات الشهداء لمن حولت غرفته إلى متحف ومن لا تترك ملابسه تفارق حضنها وغيرهن الكثير.. ولكن نفس النشطاء هم الذين سخروا ببجاحة وعدم إنسانية من والدة أحد شهداء الأمن المركزى لمجرد أن الأم المكلومة احتضنت بيادة ولدها الشهيد ورفعتها فوق رأسها، بدلاً من أن تجد هذه الأم الحزينة الدعم والمساندة لم تجد من النشطاء سوى السخرية والشتيمة رغم أن حذاء ولدها الشهيد بألف ممن يعدون أنفسهم نشطاء وخبراء على مواقع التواصل الاجتماعى.