مشروع «عفونة» مهدد بالتوقف بسبب «التمويل».. والمحافظة: لا نستطيع إنجازه بمفردنا
أحد العمال يتحدث إلى «الوطن»
وراء حجر الأساس، المدوّن عليه عبارة «فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، يتم افتتاح مشروع إعادة إعمار قرية عفونة، وذلك بحضور محافظ البحيرة، الدكتور محمد سلطان، وتحت إشراف قائد المنطقة الشمالية العسكرية، اللواء محمد زلوط»، تستمر أعمال البناء، وبالرغم من درجة الحرارة المرتفعة، يتحرك العمال فى دأب، ويشرف عليهم أربعة مهندسين معماريين، جميعهم من الشباب حديثى التخرج، بينما يتابع المشروع بكافة تفاصيله صاحب شركة الأخوة للمقاولات الموكول له القيام بأعمال المشروع.
نائبة المحافظ: المحافظة لن تتمكن من توفير 35 مليون جنيه تكلفة المشروع.. ونطالب رجال الأعمال بالتبرع له
30 منزلاً فى مراحل مختلفة من البناء، بعضها تم الانتهاء منه تماماً والبعض الآخر لا يزال العمل فيه مستمراً، حيث تُعتبر تلك البيوت جزءاً من المرحلة الأولى فى إعادة إعمار القرية التى تم اختيار موقعها بالقرب من طريق العلمين بوادى النطرون، باعتبارها منطقة مرتفعة، تجنباً لما شهدته المنطقة من سيول دمرت المنازل الواقعة فى منطقة منخفضة عن الأرض.
محمود عبدالله، رجل فى الخمسين من عمره، يرتدى جلباباً واسعاً، يعقد طرفه ليسهل له الحركة بين العمال، ويضع عمامة فوق رأسه تحميه من أشعة الشمس أثناء الإشراف على العمال القائمين بأعمال النجارة، يقول إنه جاء من منطقة النوبارية فى محافظة البحيرة، ويقيم هو وابنه فى موقع البناء منذ عدة أيام، مضيفاً: «المشروع ده خير على أهالى القرية اللى هيسكنوا فى البيوت وعلى العمال لأنهم كلهم كانوا بيشتغلوا باليومية».
ويضيف «محمود» أن العمال جاءوا من مناطق متفرقة، وجميعهم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 سنة و30 سنة، وعانوا من ظروف اقتصادية صعبة، حيث عملوا كعمال تراحيل، وبالتالى فإن المشروع الذى من المفترض أن يستمر عدة أشهر، سيوفر لهم دخلاً ثابتاً لفترة، لذلك أقبلوا على العمل به: «إحنا كنا بنشتغل فى ظروف أصعب من دى وكنا بنروح نشتغل فى المزارع كمان».
«تيسير»: المحافظة لم تدفع سوى 7 ملايين جنيه والمحافظ ادعى سداد 14 مليوناً لاستكمال المشروع
بسبب ضيق الحال كان يقوم بأى عمل يتوفر له، حيث كان يعمل باليومية هو وابناه فى المزارع الموجودة فى وادى النطرون، لكن بعد ما شهده مركز وادى النطرون من سيول زادت الخسائر على كافة المستويات، وتضرر العمال البسطاء أكثر من أصحاب المزارع أنفسهم، حيث لم يجدوا أى فرصة عمل، يقول «محمود»: «الناس دى جت أصلاً من بلادها تدوّر على رزق، اللى عنده عيال وعايز يصرف عليهم، واللى عايز يجهز علشان يتجوز».
يقاطعه شاب فى العشرين من عمره، يرتدى بنطالاً ممزقاً، وقميصاً قطنياً، محمد جاد، من محافظة الفيوم، ليقول إن تلك المشروعات التى يتم افتتاحها فى الوقت الراهن تحقق حلم المسكن للبسطاء، كما توفر فرص عمل للشباب. مضيفاً: «بشتغل هنا فى وادى النطرون من 8 سنين، شفت الأهالى إزاى اتضرروا من السيول، وناس القرية بالذات غلابة، اللى قاعد بقاله شهور عند حد من قرايبه، واللى سافر، والناس بسيطة ماكانتش هتقدر تبنى بيوت تانى لوحدها».
بينما يمضى المهندس ممدوح إسماعيل بين المنازل التى تم تشييدها، «ممدوح»، 26 سنة، من محافظة قنا، جاء للعمل فى مشروع قرية عفونة، يقول: «هناك منازل تم الانتهاء منها، ومنازل لا يزال العمل بها مستمراً، لكن فى خلال أيام قليلة سيتم الانتهاء من 30 منزلاً بالكامل». مضيفاً: «العمل مستمر طوال ساعات النهار، وحتى فى ساعات الظهيرة، عندما تشتد درجة الحرارة، يستمر العمل دون توقف، وتنقسم الأعمال بين أعمال بناء ونجارة وحدادة، وكل مجموعة من العمال لهم مشرف، وهو المسئول عن تسليم العمل للمهندس، حتى يقوم بمراجعته، والتأكد من سلامة كافة خطوات البناء».
يقول ممدوح: «العمال معظمهم من محافظة البحيرة، لكن بعضهم من سوهاج ومن الصعيد، لذلك يضطر بعضهم للإقامة فى الموقع إقامة كاملة، والبعض الآخر يأتون فى السابعة صباحاً لبدء العمل الذى يستمر أحياناً حتى الخامسة مساء». وعن الظروف المعيشية للعمال يضيف «ممدوح»: «هناك عربات تتحرك صباحاً لإحضار كل ما يحتاجه العمال من أطعمة ومياه صالحة للشرب، ومعظم العمال يفضلون المبيت فى موقع العمل، بينما بعضهم الذين ينتمون إلى مراكز فى محافظة البحيرة يرحلون فى عربات بعد الانتهاء من العمل، ومعظم العمال يفضلون توفير أجرة المواصلات ومواصلة العمل فى الموقع، أما بالنسبة لأجورهم فإن المقاول يدفعها لهم بشكل أسبوعى، وفقاً للأجر المعتاد ليومية العامل التى تقدر بحوالى من 100 إلى 120 جنيهاً».
يقوم المهندس تيسير جلال، بمتابعة حركة العمال فى المشروع، وهو رئيس شركة الأخوة للمقاولات، المنوط بها تنفيذ مشروع قرية عفونة، يقول: «من المفترض أن يكون موعد التسليم للمرحلة الأولى فى يوم 25 مايو 2016، وذلك لتسليم 50 بيتاً إلى الأهالى، ومن المفترض أن ذلك المشروع وطنى يساهم فى إغاثة أسر تضرروا من السيول، وفقدوا كل ممتلكاتهم وبيوتهم، بل إن بعضهم فقدوا ذويهم».
ويضيف تيسير: «كلنا ننتظر يوم تسليم المرحلة الأولى، وعلى دراية بأن تسليم 50 أسرة لمساكن جديدة نظيفة، ومكونة من 3 غرف وصالة ومطبخ وحمام سيبعث رسالة أمل، المصريون فى أشد الحاجة إليها، ولكن المشروع مهدد بالتوقف، حيث لم تمول المحافظة المشروع سوى بـ7 ملايين جنيه فقط، بينما صرح محافظ البحيرة بأنه دفع 14 مليوناً للانتهاء من المرحلة الأولى، وحتى الآن لم نتمكن سوى من بناء 30 بيتاً فقط».
وعن آلية عمل المشروع يقول تيسير: «من أهم ما يتميز به إعادة إعمار القرية أن القوات المسلحة، وخاصة قائد المنطقة الشمالية العسكرية، يقومون بكافة جوانب التأمين وذلك يوفر حماية كاملة للمشروع، ويقدم قوة ردع لأى أحد يرغب فى التجاوز، فالمشروع يتم تأمينه بالكامل، والإشراف عليه بجدية، بل بالعكس، نحن نعانى أحياناً من توقف عربات العمال للتفتيش فى كمين العلمين، وأضطر لإجراء اتصالات للسماح بدخول العمالة».
ويختتم تيسير حديثه قائلاً: «رؤية المشروع إنسانية فى المقام الأول، وليست مجرد تصميمات هندسية، حيث كان من المفترض أن تتوفر مرفقات مثل مدرسة ومسجد، لتكوين مجتمع عمرانى، ولأن أهالى القرية كانوا من البسطاء، وكان هناك أمل فى نقلهم لذلك المجتمع العمرانى الجديد الذى يُعد أفضل مما سكنوا فيه فى السابق، وأعمال البناء هنا تتم بصورة سريعة وممنهجة، بمجرد توفر التمويل اللازم سينتهى المشروع فى الوقت المحدد له، وكان من المفترض أن يتسلم الأهالى بيوتهم الجديدة كاملة التشطيب، لكن توقف التمويل يهدد استمرار المشروع».
من جانبها تقول المهندسة نادية عبده، نائبة محافظ البحيرة: «بالطبع المحافظة لن تتمكن من توفير 35 مليون جنيه بمفردها، وهى التكلفة الخاصة لإعادة إعمار قرية عفونة، لذلك نحن نحث رجال الأعمال الخيرين على ضرورة التدخل، حتى لا يتوقف المشروع، وحتى الآن هناك مفاوضات مع المحافظة لدفع 12 مليون جنيه، وذلك بضخ 5 ملايين أخرى بالإضافة إلى الـ7 ملايين التى تم دفعها بالفعل.
العمل فى «عفونة» يسير دون توقف