الأستاذ فهمى هويدى كاتب كبير بلا شك، وهو من أساتذة فن المقال الصحفى بكل تأكيد، لكن حماسه لإثبات الأفكار التى يؤمن بها، ومحاولته للبرهنة عليها تجعله يقع أحياناً فى هوة التضليل حتى إن لم يقصد ذلك، وتجعله يرتكب خطايا صحفية ووطنية أحياناً تحت دافع إثبات الفكرة التى تلح على ذهنه، ولأن «الغرض مرض» كما يقول المثل الشائع فإن غرض الأستاذ فهمى هويدى فى إثبات فكرته أحياناً ما يوقعه فى مرض يعترى بناء مقاله رغم أنه كاتب كبير كما أشرت سلفاً.
لقد آثر الأستاذ فهمى هويدى أن يسير فى الطريق الذى سار فيه من قبله د. سعد الدين إبراهيم فى نفس الأسبوع وأن يكتب مقالاً فى جريدة الشروق يوم الثلاثاء الماضى تحت عنوان «من أساطير الوقت فى مصر» يؤيد فيه ما ذهب إليه د. سعد الدين إبراهيم من تسفيه فكرة المؤامرة على الدولة المصرية.. واعتبارها نوعاً من أنواع الأساطير التى يتم الترويج لها حالياً، وإلى هنا فلا ضرر ولا ضرار.. ومن حق الأستاذ هويدى أن يتبنى ما يريد من الأفكار حتى لو كان ما يقول إعادة إنتاج لمقالة سعد الدين إبراهيم التى أشار اليها ومن ثم بنى عليها مقاله.
لكن ما ليس من حق الأستاذ فهمى هويدى هو أن يسفّه من المعركة المقدسة التى يخوضها الجيش المصرى ضد قوى الإرهاب والشر فى سيناء.
وما ليس من حقه أيضاً أن يستهين بدماء مئات وربما آلاف من شهداء الجيش والشرطة فى سيناء، وهى دماء نزفت وما زالت تنزف حتى هذه اللحظة دفاعاً عن السيادة الوطنية وعن التراب الوطنى وعن الحدود المصرية وليس دفاعاً عن أى شىء آخر.
لقد مضى الأستاذ فهمى هويدى يحاول التدليل على فكرته قائلاً: «أسطورة الحرب ضد الأشرار من أغرب ما يروَّج له فى هذا السياق، ولا تكمن غرابتها فى أنها طاردة بصورة تلقائية للاستثمارات المرغوبة، لأنه ما من عاقل يستثمر أمواله فى جبهة قتال، ولكن أغرب ما فيها أنها حرب افتراضية بولغ فيها لتسويغ الطوارئ وتقييد الحريات، وأصلها لا يتجاوز اشتباكات ومشاغبات لا تتجاوز حدود سيناء فى الأغلب.. فى حين أن حوادث المرور أكبر منها كثيراً فى بقية أنحاء مصر».. انتهى كلام فهمى هويدى ولم ينته الكلام عنه. لقد ارتكب الأستاذ فهمى خطيئة وطنية كبيرة حين وصف حرباً حقيقية ضد الإرهاب بأنها مشاغبات.. فإذا كانت عملية مثل كرم القواديس التى راح ضحيتها أكثر من ثمانين شهيداً من رجال القوات المسلحة المصرية وجرت وفق خطة حربية محكمة مجرد مشاغبة.. فكيف تكون الحرب إذن؟ وإذا كان تنظيم عصابة أنصار بيت المقدس لاستعراضات عسكرية مسلحة فى شوارع الشيخ زويد وسعيها لإعلانها ولإعلان سيناء كلها ولاية داعشية على غرار ما حدث فى الموصل والرقة وسرت مجرد مشاغبة.. فكيف تكون الحرب إذن؟
وإذا كان استهداف المواطنين من المدنيين وتنفيذ حكم الإعدام فيهم ذبحاً فى أكبر ميادين العريش مجرد مشاغبة، فكيف يكون الإرهاب إذن؟
وإذا كان استهداف مطار الجورة العسكرى بصواريخ حربية هو مجرد مشاغبة.. فكيف تكون الحرب إذن؟
وإذا كان استهداف نادى وفندق القوات المسلحة ومقر الكتيبة ١٠١ فى سيناء واستشهاد ٣٢ عسكرياً ومدنياً فى عملية واحدة مجرد مشاغبة أو مداعبة كما يرى الأستاذ هويدى.. فكيف تكون الحرب إذن؟
وإذا كان استهداف الطائرة الروسية وقتل ما يزيد على ٢٥٠ شخصاً وضرب عشرات الآلاف من المصريين فى أرزاقهم والتسبب فى خسارة مصر ١٥ مليار دولار سنوياً مجرد مشاغبة.. فكيف تكون الحرب إذن؟
وإذا كان الجيش المصرى الباسل قد قدّم فى عام واحد أكثر من ألف شهيد روت دماؤهم الطاهرة أرض سيناء فهل صعدت أرواح هؤلاء الشهداء للسماء بفعل «المشاغبات» التى يتحدث عنها الأستاذ هويدى أم بفعل حرب مخططة ومدبرة لإعلان دولة داعشية على جزء من التراب الوطنى؟ ولا أدرى هل يعتبر الأستاذ هويدى محاولة سلخ جزء من أرض الوطن والانفصال به جزءاً من حرب أم أنه يعتبرها مجرد «مشاغبة» كما يقول فى مقاله؟
وإذا كان ما يجرى مجرد مشاغبة، كما يقول الأستاذ هويدى، فأولى بالمحاربين أن يتوقفوا عن الحرب، وأولى بالشهداء أن يتوقفوا عن الاستشهاد لأن الأبطال يموتون فى المعارك، ولا أحد سيقدم روحه كجزء من لعبة شغب.
إننى لا أرى الأستاذ فهمى إلا يتستر على الإرهابيين ويُجرى لهم عملية تجميل، وينقلهم من خانة القتلة والأعداء إلى خانة «المشاغبين».
وأقول له من موقع التلميذ الذى يعرف للناس أقدارهم.. عيب يا أستاذ فهمى.. ما تفعله لا يجوز.. ودم الشهداء خط أحمر.