لا أعرف لماذا أتذكر دائماً «خالتى بمبة» حين أسمع أو أقرأ تصريحات «الإخوان» حول الإعلام فى مصر.. ولمن لا يعرف فإن «بمبة» كانت «أيقونة كوميدية» فى برنامج «ربات البيوت» فى الإذاعة المصرية، وكانت تجسدها الفنانة الراحلة «ملك الجمل».. تتحدث بسرعة مذهلة، وتلوك الجميع بالشائعات والأقوال المرسلة والخرافات المضحكة.. وفى النهاية لا تخرج منها بشىء، سوى أنك ضحكت من قلبك..!
كنت أعشقها حين تتحدث.. لذا أحببت «الإخوان» بمرشدهم، وقياداتهم، وحزبهم، ورئيسهم عندما يتلبسون شخصية «بمبة» ويهاجمون «الإعلام المصرى الحر والمستقل» باتهامات مضحكة وأقوال مرسلة دون سند أو دليل، وهى طريقة تدل على سذاجة المتحدث وعدم قدرته العقلية على اختراع معلومات، يصدقها البعض ويرفضها آخرون، بدلاً من العروض الكوميدية أمام الرأى العام..!
أحدث عرض كوميدى تابعه الجميع، كان على مسرح «مجلس الشورى» الأربعاء الماضى، إذ وقف فتحى شهاب الدين، رئيس لجنة الثقافة والإعلام بالمجلس (إخوانى)، قائلاً بصوت جهورى: إن أداء الإعلام يوجه نحو هدم البلد، وليس البناء، ونشر الفتن، واتهم أصحاب القنوات الفضائية الخاصة بأنهم يغسلون الأموال وينفذون أجندات خاصة ويعملون على هدم مؤسسات الدولة، وأضاف بثقة يُحسد عليها: «رجال الأعمال أنفقوا ما يزيد على 6٫5 مليار جنيه خلال الأشهر الماضية على القنوات الخاصة»، وطالب «شهاب»، الذى يرأس لجنة الإعلام فى «الشورى»، بينما علاقته بالإعلام تشبه علاقتى بعلم الهندسة الوراثية - طالب بالرقابة على الإعلام بقوله: «الإعلام الخاص الآن ليس عليه رقيب أو حسيب، يشتم وقتما يريد، ومن ثم هناك خطأ فى هذه المنظومة»..!
شخصياً.. ألتمس العذر لـ«شهاب»؛ لأن المرء على دين رئيسه، فكيف نلومه والدكتور محمد مرسى، رئيس الجمهورية المنتخب، يستخدم نفس الطريقة فى الهجوم على الإعلام.. ففى خطاب جماهيرى قال: «الإعلام يطمس الإنجازات.. ومن استخدموا الأموال الفاسدة ومن اشتروا القنوات الفضائية يعتقدون أن العين لا ترى»، وعلى النهج ذاته تسير كل قيادات الإخوان؛ «الإعلام مغرض.. فاسد.. تمويله من غسيل الأموال.. ويتآمر على مصر».
طريقة «خالتى بمبة» كانت ترسم الابتسامة على وجوه المصريين عبر أثير الإذاعة.. ولكنها -قطعاً- لا تصلح لحكم مصر.. إذ لا يليق برئيس دولة أو قيادى بالحزب الحاكم أو مهندس، مثل «شهاب»، أن يتحدث ويشكو ويكيل الاتهامات ويطلق الشائعات، بينما يملك السلطة والصلاحيات -وفقاً للدستور والقانون- بأن يحيل هذه المخالفات والجرائم الخطيرة إلى القضاء، ولا يليق أيضاًً أن يتكلم رئيس الدولة مثلما يتكلم المواطن العادى حين يرسل الكلام ثم يضع يده على خده، أو «يمصمص الشفاه»، كما كانت تفعل «خالتى بمبة»، وإلا فلماذا منحناه أصواتنا وسلمناه السلطة ووضعنا القانون والقضاء تحت يده كى يطهّر البلد من الفاسدين، ويحميه من المخربين الذين يدبرون له المؤامرات «على الهواء مباشرة»..؟!
يا من تحكم مصر بـ«سلطاتك وجماعتك وحكومتك ورجالك».. إذا كنت صادقاً فيما قلت قبل انتخابك رئيساً، فلا بد أن تكشف لنا المؤامرة بشفافية، أى بالمعلومات الواضحة والأرقام والوقائع والأسماء.. ثم تعلن بشجاعة عن تقديم كل المتورطين فى «مافيا الإعلام» للمحاكمة العادلة.. وإن لم تكن صادقاً فى وعودك الانتخابية أو أنك تقذف الناس بالباطل ودون دليل فلتعتذر وتطلب المغفرة من ربك والسماح من الأبرياء.. أما إن كنت تملك معلومات، وملفات حقيقية، ولم تقدمها للعدالة، فأنت متواطئ ومتستر وتشارك فى تخريب مصر!
ولا أخفيك سراً أننى أفكر فى تقديم بلاغ للنائب العام ضد كل من تحدث عن الإعلام على طريقة «خالتى بمبة» فأنا أعمل فى الإعلام الخاص منذ 10 سنوات تقريباً ومن حقى على رئيس الجمهورية وحكومته وحزبه وجماعته وبرلمانه أن يكشفوا لى عن «الأموال الفاسدة» التى تموّل هذا الإعلام والمؤامرات الخفية لتدمير بلدى وهلاك أهلى، فإذا صدق كلام الرئيس عن التمويل، وكلام المهندس شهاب عن الـ6٫5 مليار جنيه، سأخرج على الرأى العام لأعلن إدانتى لهذا الإعلام وانسحابى منه، حتى لو اشتريت «توك توك» ودخلت زمرة أحباب الرئيس!
أما إذا واصلتم اتهام «الإعلام» بطريقة «خالتى بمبة».. فسأظل أواجهكم بعبارة واحدة «الراجل فيكم يعملها».. و«يعملها» هنا تعنى تقديم المتورطين للقضاء.. وإلا فليعتذر أو ينقّطنا بسكاته..!