الروايات المصرية الحديثة تجعلك تترحم على التراكم الذى مررنا به إلى أن وصلنا إلى «نوبل»، فبعد أن كنا «أبطال كمال أجسام» عدنا لنحبو من جديد! أما الأفلام المأخوذة عن تلك الروايات، فليس لديها رفاهية أن تكون أفلاماً جيدة أضعف من الرواية الأصلية، كما جرت العادة، وذلك لأن الرواية ضعيفة بالأساس، وهذا هو حال فيلم «هيبتا».
«هيبتا»، هو الرقم سبعة باللغة اليونانية القديمة («أفتا» فى الحديثة)، والاسم يشير إلى مراحل سبع للحب يطرحها المؤلف (البداية، الجنون، الحلم، الوعد، الحقيقة، المقاومة، الهيبتا). ويبدو أنه قد أراد أن يُقدم نموذجاً على غرار قواعد العشق الأربعين للتركية «العميقة» إليف شافاق.. ونلاحظ أن لاحقة اسم العمل هى (المحاضرة «الأخيرة») مما قد يوحى بنوع من التعالى ودلالة على أن العمل سيقدم الخلاصة، وسيأتى بما لم يأت به الأوائل.
البناء الدرامى للفيلم ينشأ من أربع قصص تمر بالمراحل السبع ويربط بينها راوٍ، بما مجموعه 28 «فصلاً»، تُقدم جنباً إلى جنب فى تسلسل تناوبى وفق نظام زمنى ملتبس لعمل درامى عجيب يكاد يخلو من الصراع ومبررات كثير من الأفعال، مع بطء إيقاعى عام، فضلاً عن مبالغات جعلته يتوه أحياناً فى غياهب الميلودرما بمعناها الدارج (مثل علاقة الثنائى يوسف ورؤى)، ولذلك جاهد الحوار لخلق تشويق ما، إلا أنه جاء باهتاً حافلاً بجمل من عينة «إنتِ بجد؟»، «أنا بحبك من غير سبب»، «إنتِ أغلى حاجة فى حياتى»، «ما صدقت إنى لاقيتك»، «هحمد ربنا عليكى لحد ما أموت». بالفيلم لمحة غموض تجعل المتلقى صغير السن يظن أنه هو من لا يفهم (على طريقة قصة «الملك عريان» حيث لا يرى ثيابه غير الأذكياء). تماماً كما لا نفهم نحن لماذا كانت الكاميرا تتحرك أحياناً بشكل هستيرى كأنها موضوعة على وضع «الاهتزاز»، هل هو تجريب أم تجريد أم تدريب أم تعذيب للمشاهد؟
وبشكل أقرب ما يكون لفكرة «التمثيل الاستغلالى» الذى تحدث عنه الروسى «ستانيسلافسكى»، رائد الواقعية النفسية، تم وضع الرائع «ماجد الكدوانى» فى دور الراوى لمجرد أنه اشتهر العام الماضى بمشهد حكى فى مسلسل «تحت السيطرة». وهو يجسد فى الفيلم شخصية العالم ببواطن الأمور، وهى شخصية لم تقدم أى جديد، وشرحت طوال الوقت ما هو معلوم بالضرورة.
حُشد الفيلم بعدد ضخم من ضيوف الشرف -بعضهم من المسلسل السابق ذكره أيضاً- ممن لم يفعلوا أى شىء يبرر الاستعانة بهم، وكان نتاج ذلك، بشكل عام، أن حاول هؤلاء الضيوف إثبات الحضور عبر أداء عدد من الأكلاشيهات الساذجة، (عدا أحمد بدير)، وبالمناسبة لماذا يمثل هانى عادل من الأساس؟
دواعى «الشغلانة» كانت تحتم إحداث مفاجأة ما فى آخر الفيلم، تمثلت فى «لحظة تنوير» تفيد بأن القصص الأربع هى لشخصية الراوى نفسه فى مراحل حياته المختلفة، وهذه عملية «استغفال» لم يهتم فيها أحد بتفسير كيف عاش أبطال القصص طوال الفيلم فى العصر ذاته، وتقابلوا معاً، ومع أقاربهم!
أفلام مثل «هيبتا» تثبت وجود جمهور موازٍ لجمهور أفلام «المهرجانات والراقصة والبلطجى»، جمهور أقل عدداً، لكنه أكثر وفاء، فهو لا يشاهد الأفلام فى مواسم الأعياد فحسب، بل يمكن حشده أى وقت، ويتكون تياره العام من طلبة الجامعات.
«هيبتا» مُكمل للصورة المضطربة وناتج عنها ومتأثر بها؛ فإذا كان هذا هو حال السياسة، وتلك هى صورة الخطاب الدينى، وهذه هى هيئة الاقتصاد، فطبيعى أن تكون السينما المصرية «اللى بجد» هى مجرد «هيبتا».