الزواج الثانى للستات: «العالم ما انتهاش فى يوم ما ودعونا»
الزواج الثاني للستات
سيدات يرفضن لقب مطلقة أو أرملة ويخضن تجربة الزواج للمرة الثانية
يعشن قيد حالة من الحظر دائماً، يخشين الإقدام على تجربة جديدة تجلب عليهن المتاعب كسابقتها، لا يشفع لهن جرح عميق تسبب فيه أقرب الناس لقلوبهن، ولا يحميهن ارتيابهن من كل شىء حولهن، نظرات غادرة يتعرضن لها من مجتمع يضع «المطلقة» و«الأرملة» دائماً موضع الشك، فمنهن من تخوض التجربة متمنية حظاً أوفر، وبعضهن تؤثر المكوث فى بيتها رافعة شعار «إن اللى جاى مش أحسن من اللى راح».
رغم كونه «أبغض الحلال» فإن فئة من الأشخاص حرّموه واعتبروه جرماً من قبل المرأة التى تختاره وتقع عليها جراءه عقوبات عدة، أولها نظرات «الاستحقار والاشمئزاز والطمع» التى وقعت فريستها ولاء يوسف، بعد اتخاذها قرار الانفصال عن زوجها، الذى جمعتها معه علاقة حب دامت لثلاث سنوات احتضنتها أسوار الجامعة، ولكنها وجدته «من النوع التقليدى، وأنا طموحاتى أكبر من أنى أتحول لمجرد آلة فى البيت»، ففضلت الانفصال عنه بعد 4 أعوام من الزواج بعد أن فشلت كل محاولاتها لتغيير طريقة تفكيره.
استشارى طب نفسى: المجتمع يلقى اللوم على المرأة فى حالة الطلاق ونسب نجاح الزواج الثانى ارتفعت
وهو ما اضطرها إلى البحث عن شخص آخر يساعدها فى تحقيق أحلامها الشغوفة وطموحاتها بأن تترك بصماتها القوية فى مجال عملها كطبيبة، وأثناء مناقشة رسالة الدكتوراه تعرفت على زميل لها وجدته متقارباً فكرياً معها، لم يعبأ بزواجها السابق رافضاً نصائح زملائه وعائلته «إزاى تتجوز واحدة اتجوزت قبلك، دى ليها تجارب أكتر منك»، وسعى للزواج منها وسط تشجيع قوى من عائلتها التى تتمنى لها الاستقرار خاصة بعد انفصالها.
استعدت «ولاء يوسف» لطى صفحة من الألم النفسى الشديد، جراء نظرات الرفض والاستنكار من النساء والرجال فى مجتمعها، وبدأ فصل ربيعى جديد فى حياتها، إلا أن سعادتها لم تدم طويلاً، حيث فوجئت بأنها حصلت على الخيار الخاطئ للمرة الثانية فى حياتها، فوجدت أن زوجها الثانى تزوجها طمعاً فى أموالها «خد اللى ورايا واللى قدامى، وكان بيضربنى علشان ياخد الفلوس.. فاطلقت تانى».
«كارت أحمر».. شعرت السيدة الأربعينية أن الحياة قد منحتها تلك الورقة لإعلان انتهائها بعد فشل ذلك الزواج وأنها على وشك الخروج منها تماماً، فوقعت فريسة «انهيار عصبى» أودعها داخل المشفى لـ4 أشهر، إلى أن تمكنت من استعادة حياتها بشكل شبه كامل وعادت لممارسة عملها فى عيادتها إلا أنها لم تسلم من محاولات المواساة طوال الوقت ونظرة «إنى كامرأة غير صالحة للزواج بعد كده»، فضلاً عن رفع حالة «حظر التجوال» كما أسمتها، ولكن رغبتها فى الاستقرار والعيش فى كنف رجل غلب رغباتها المتطلعة وجعلها توافق على أول طلب للزواج لإنهاء ذلك الأمر «اتجوزت للمرة التالتة، من أرمل كان عايزنى أربى أولاده وفرق السن بينا 16 سنة، بما أنى طول المدة دى مكنتش خلفت».
لم تستطع ولاء الاستمرار فى ذلك الزواج سوى عام واحد وجدت فيه نفسها أشبه بـ«الخادمة»، التى لا تحصل على أى شىء بالمقابل سوى العيش داخل المنزل باسم «زوجة»، فقررت الانفصال للمرة الثالثة والعودة لزوجها الأول الذى ما زال يكن لها مشاعر الحب والودّ «مع أنه كان اتجوز وبقى عنده 3 بنات، بس وافقت أبقى الزوجة التانية ومع الأسف ظل راجل ولا ظل حيطة، وأهلى حلفوا عليَّا إنه مفيش طلاق تانى حتى لو بيموتنى»، وقبلت السيدة الأربعينية بذلك بعد أن أمضت 18 عاماً من عمرها فى زيجات فاشلة «الناس شافتنى فيها ست مزواجة رغم أنى كنت بدور فيهم على شريك حياة بالمعنى الحقيقى»، ولكنها فى المقابل تمكنت من تحقيق «حلمها المهنى».
وهو نفس الحلم الذى سعت لتحقيقه إيمان فاروق، دكتورة جامعية، بعد 20 عاماً ظلت فيها تعانى من فشل زواجها الأول الذى اضطرت للموافقة عليه نتيجة الضغوط العائلية «ده شاب كويس وجاهز وهيهنيكى وهتحبيه مع الوقت»، ولكنها لم تشعر فى كنفه أنه الزوج الذى تنشده، فضلاً عن عدم قدرته على الإنجاب، وهو ما ساعدها فى الحصول على الطلاق، لتتفرغ فيما بعد لدراساتها وكتبها وعملها الجامعى.
ورغم جديتها وصرامتها فى العمل فإنها كانت محاطة طوال الوقت بالنقد اللاذع نتيجة انفصالها ورفضها الزواج مرة أخرى، مضيفة «كذا مرة كنت أسمع الطلاب بيقولوا مع بعض يا عم دى مطلقة وأكيد معقدة أو مجنونة»، ولكنها لم تعبأ بذلك الأمر، وفى 2008 وجدت أحد المعيدين لديها يحاول طلب يدها متجاهلاً فارق السن بينهما الذى يصل إلى 10 أعوام، ولكنها رفضته تماماً، طبقاً للتابوهات المجتمعية على حد وصفها، لافتة إلى أنها من الممكن جداً أن تثبت خطأها.
«فضل يحاول يحببنى فيه بكل الطرق المجنونة والعاقلة وكل حاجة لحد لما وافقت فعلاً»، بعد أن تمكن الشاب من كسر حاجز الرفض لدى السيدة الخمسينية، اصطدم برفض ذويهما الشديد، الذى وصل إلى أن «أهله اتبروا منه وأخدوا كل حاجة، وأهلى قالوا لى لو عايزة تتجوزيه ملناش دعوة بيكوا ومش هنجهزك»، إلا أن ذلك لم يثن من عزيمته حيث سارعا لعقد قرانهما، وتأجير إحدى الشقق من مالها الخاص، وحصل زوجها على عمل ثان، وسط رفض شديد من كل المحيطين بها لهذا الزواج حتى أقرب صديقاتها التى أخبرتها أن «ده طيش شباب وشوية وهيسيبك أو تلاقيه عاوز فلوسك»، لكنها شعرت أن ذلك غير حقيقى، حيث وجدت معه معنى الحب والاطمئنان والأمان، وحاولا مساندة بعضهما البعض وتجاوز الضغوط الحياتية حتى رُزقا بصبى الذى ساعد فى إذابة الجليد مع ذويهما وإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعى والعيش باستقرار رغم فارق السن بينهما الذى لم تعد تشعر به.
وعلى خلافها لم تنعم دعاء محجوب بالاستقرار الذى طالما حلمت به، حيث توفى زوجها الأول فى الشهر الرابع من الزواج نتيجة حادث سير، فلاحقها لقب «العروس الأرملة» بينما كانت تستعد لاستقبال مولودتها وهى لم تتجاوز 19 عاماً، قائلة إنها كانت تعمل فى أحد محال البقالة بمنطقة إقامتها، ويعرفها الجميع فيها «الكل كانوا بيبصلى كأنى ست مش كويسة، مع أنى طول عمرى فى حالى ومحترمة جداً»، وهو ما ولَّد داخلها شعوراً قوياً بالضيق زاده أهلها الذين كانوا يلاحقونها «انتى واحدة جوزك ميت، مينفعش تتأخرى أو تلبسى اللبس المدلع ده هيقولوا عليكى بتجرى ورا واحد تانى».
حاولت السيدة العشرينية الاعتناء بابنتها واستمداد القوة والحب منها للتغلب على الحياة التى تواجهها ولم تبتغها يوماً، إلى أن تقدم لخطبتها رجل آخر «شغال جزار وعنده ابن هو كمان ومراته ماتت برضه، لقيت حياتنا شبه بعض وحسيته كويس»، فقبلت الزواج منه لإنهاء الكابوس الذى كانت تعيش فيه والبدء فى حياة جديدة تنعم فيها بالاستقرار والراحة.
ومن ناحيته، قال الدكتور محمد هانى، استشارى الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، إن المجتمع يقرن قرار الطلاق بالمرأة، حيث يوجه لها اللوم والاستنكار، ويحصرها داخل دائرة حسابات شديدة الحساسية والدقة، تجاورها فيها الأرملة، وهو ما يعيق الحالتين عن الزواج الثانى وبدء حياة جديدة هن بحاجة إليها، ما يؤثر على حالتهما النفسية بشدة.
وأكد هانى أحقية المرأة فى الزواج مرة أخرى، حيث إنه حق كفله لها الدين وكافة القوانين فى العالم بأن تبحث عن الزوج المناسب لها تلبية لفطرتها فى الاستقرار، لافتاً إلى ارتفاع نسبة نجاح الزواج الثانى، لذلك على المرأة التحلى بالثقة ومواجهة ردود الفعل واختيار الزوج الجديد بشكل صحيح منعاً للدخول فى حالة اكتئاب نفسى.