د. هالة السعيد: حل الأزمة الاقتصادية يتوقف على الاستقرار السياسى.. و«المركزى» لا يمكنه أن يقوم بكل شىء وحده
ربما لم تمر مصر من قبل بظروف اقتصادية سيئة كالتى تمر بها حاليا، حتى فى أوقات الحروب، كان هناك حد كاف من الأمان الاقتصادى، ولأن المشهد يستدعى تكاتف جميع الخبرات الاقتصادية واستطلاع آرائها، أجرت «الوطن» حوارا مع الدكتورة هالة السعيد، عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أكدت خلاله أن استمرار تراجع الجنيه المصرى أمام العملات الرئيسية، وتحديدا الدولار، يرفع من تكلفة خدمة الدين الخارجى، مشيرة إلى أن الخروج من الأزمة الحالية يتطلب فى المقام الأول استقرارا سياسيا وأمنيا.
وتوقعت «السعيد» ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة لأسباب تعود إلى منظومة الدعم التى تحتاج إلى إعادة هيكلة والإنفاق الحكومى الذى يتطلب ترشيده.. وإلى نص الحوار..
* كيف يؤثر ارتفاع الدولار على تكلفة الدين الخارجى؟ وما توقعاتك لسوق الصرف خلال الأيام المقبلة؟
- على الرغم من أن الدين الخارجى لا يزال عند مستويات آمنة فإننى أخشى من ارتفاع تكلفة الدين الخارجى إذا استمر تدهور سعر الجنيه أمام العملات الأجنبية الرئيسية خلال الفترة المقبلة، لكن لا أتوقع استمرار ارتفاع الدولار أمام العملة المحلية طويلا، خاصة بعد أن قام البنك المركزى بتطبيق حزمة من الإجراءات والأدوات لضبط سوق الصرف وهى ما أثبتت نجاحها فى دول كثيرة.
* هل يعنى ذلك أن الوضع أصبح مستقرا؟
- أعترف بأن هناك أزمة فى سوق الصرف، وحلها يتوقف فى الأساس على الاستقرار السياسى والأمنى ثم الإنتاج، والبنك المركزى لا يمكنه أن يقوم بكل شىء وحده والأوضاع جميعها سيئة من حوله، خاصة فيما يتعلق بالوضع السياسى؛ لذا فإنه يجب ألا يتم تصدير حالة من الذعر للمواطنين والمتعاملين فى سوق الصرف حتى لا تتفاقم حدة الأزمة.
* هل لقرض صندوق النقد الدولى أهمية فى دفع الاقتصاد نحو الاستقرار؟
- من المفترض أن الحصول عليه بمثابة شهادة ثقة لمصر ولقدرتها على الالتزام بتعهداتها الخارجية، وهو ما سيجذب معه مساعدات من مؤسسات دولية مختلفة وتوافد الاستثمار الخارجى على السوق المحلية، ما يسهم فى زيادة الاحتياطى النقدى وخفض عجز الموازنة العامة للدولة.
* هل تتوقعين نجاح مصر فى الحصول على قرض الصندوق البالغة قيمته 4.8 مليار دولار؟
- نستطيع الحصول على القرض إذا تمت مصالحة سياسية والدفع بالبلاد نحو الاستقرار السياسى والأمنى بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة، ولديك كل مقومات العمل والانطلاق والنمو، السياحة نموها ضعيف جدا وهى تحتاج لاستقرار، وبخلاف ذلك فإن الحصول على القرض يتطلب الالتزام ببرنامج إصلاحى يتوافق عليه المجتمع ولا يهدد الأمن القومى وأن تكون هناك جدية فى تنفيذه، وتقليص عجز الموازنة العامة للدولة.
* أين تكمن كبرى مشكلات عجز الموازنة العامة للدولة؟
- إيرادات الدولة تغطى حاليا 60% من الإنفاق بعد أن كانت 75%، وهو مؤشر على ارتفاع الإنفاق مقابل تراجع الإيرادات خلال العامين الماضيين، بسبب عدم وجود ترشيد للاستخدامات والإنفاق الحكومى والعام بخلاف تراجع نمو الإيرادات، خاصة فى ظل حالة عدم الثقة من قبل المستثمر أو المواطن، والحكومة مطالبة بترشيد الإنفاق من النقد، وخفض استيراد السلع الاستهلاكية التى تمثل 18% من واردات الدولة وهى نسبة ليست قليلة ويجب على الدولة أن تضع أولويات لوارداتها خلال تلك الفترة الصعبة.
* ما توقعاتك للعجز خلال الفترة المقبلة؟
- المؤشرات الحالية تشير إلى ارتفاع العجز إلى ما يتجاوز الـ200 مليار جنيه، وهو ما يعزز أهمية تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادى قوى وبحرفية شديدة خلال الفترة المقبلة؛ إذ إن 26% من الموازنة العامة أجور، و32% دعم، ونحو 50% من دعم الطاقة الذى يمثل 60% من الموازنة يذهب إلى غير مستحقيه، فمع استمرار الحال على ما هو عليه وعدم ضبط الإنفاق المحلى لجميع مؤسسات الدولة، بما فيها الهيئات الاقتصادية التى تمثل نفقاتها 150% من إيراداتها، سيرتفع عجز الموازنة العامة بما يزيد على 10% سنويا.
* ما الحلول المتاحة لتقليص العجز؟
- أولاً: نحتاج لاستقرار ثم دفع عجلة الإنتاج وجذب الاستثمارات الأجنبية وتنشيط الاستثمار المحلى، والعمل على خلق مناخ مناسب لنشاط السياحة الذى انخفض نموه من 11.5% من الناتج المحلى الإجمالى قبل الثورة إلى 2.3% حاليا، وتراجعت إيراداته من 12 مليار دولار فى 2010 لتصل إلى 9.2 مليار دولارات فى 2011/2012، وذلك بخلاف إعادة هيكلة الدعم بما لا يمس المواطن، وتخفيض الإنفاق الحكومى.
* البنوك ساعدت فى تمويل عجز الموازنة العامة؛ حيث وصلت استثماراتها فى أذون الخزانة إلى 24% من إجمالى ودائع العملاء، فما تقييمك لتلك المساهمة؟
- الاعتماد على المؤسسات المحلية خلال الآونة الأخيرة كان توجها صائبا فى ظل تراجع فرص التوظيف أمام البنوك الذى عكس الحالة الاقتصادية العامة للبلاد غير الواضحة لأسباب سياسية، وذلك لأن القطاع المصرفى هو أكبر الجهات التى تمتلك قدرا كبيرا من السيولة ولديها من الملاءة المالية ما يعزز قدرتها على تمويل ذلك العجز خلال تلك الفترة العصيبة، إلا أنه لا ينبغى الاستمرار على نفس الوتيرة خلال الفترة المقبلة ويجب تنويع مصادر التمويل والاهتمام بالتمويل الأجنبى، خاصة أن مستوى الدين الخارجى لا يزال فى حدود مقبولة.