المطرية.. دولة الشهداء التى أنجبت «إبراهيم» يوم 25 يناير
سؤال ظل يحيّره عن تلك الكلمة التى قرأها غير مرة على الإنترنت «ثورة المختلين»، قبل أن يتبرّع أحد أصدقائه بالشرح «اسمها ثورة المحتلين، عاملينها ضد نظام مبارك اللى احتل البلد.. بس بنكتب المختلين عشان يبقى سيم ماحدش يفهمه».. كانت تلك هى البداية، فيما مرت شهور ليجد «إبراهيم خالد» -ابن حى المطرية الشعبى- نفسه قابعاً داخل عربة مترو الأنفاق يشخص فى عيون البشر، مستفسراً عن معنى يدور داخله «همّا دول جايين معايا التحرير ولّا لأ»، يومها كانت أولى المسيرات المتجهة صوب ميدان الثورة، خرجوا جميعهم من المطرية -ذلك الحى الذى قدّم وحده 25 شهيداً فى جمعة الغضب- دون اتفاق، ليلتئم شملهم عقب النزول من عربة المترو فى محطة أنور السادات، لتبدأ الحناجر فى الهتاف: «الشعب يريد إسقاط النظام».
حلمٌ ظل يراوده، حانت لحظتُه، 25 يناير هو عيد ميلاد «إبراهيم»، فيما بات ميلاداً لأمة بأثرها. قبل نحو شهرين من ذلك التاريخ لم يكن يفهم معنى كلمة «سياسة»، غير أن ميعاد تخرُّجه فى كلية الهندسة الذى يحين بعد شهور جعله يدرك أن أزمته بعد الانتهاء من الدراسة، أزمة جيل. استمع إلى نصيحة زميل يثق برأيه وراح يدشّن حساباً على ذلك الموقع الشهير «فيس بوك»، بدأ الترويج لأفكار ثورية عبر حسابه، فيتناقلها أصدقاؤه بسخرية بالغة، إلا أنه آمن بكل فؤاده عقب ثورة تونس أن دوره آتٍ لا محالة، ليلة الثلاثاء الموافق لاحتفالية عيد الشرطة لدى الدولة وفتيل الثورة عند «إبراهيم»، كان الاتفاق يدور بينه وبين أصدقائه أسفل منزله، قبل أن يعتذروا جميعاً فى اليوم التالى، لكنه قرر أن «لا تراجع»، فكانت عودته مساء أول أيام الثورة انقلاباً فى تعامل قرنائه «إحنا جايين معاك يوم 28.. عايزين نتحرك مع بعض»، رابط «إبراهيم» مع من آثروا البقاء فى التحرير حتى تمكّنوا من «خلع» الرئيس، فيما باتت كل مظاهرة أعقبت يوم 11 فبراير طقساً ثابتاً يمثل للشاب العشرينى خروجاً من حيّه الشعبى نحو كل مكان يُطالِب فيه الثوار بتحقيق «عيش، حرية، عدالة اجتماعية».
«من المطرية إلى المطرية نعود» هكذا قضى «إبراهيم» جمعة الغضب بعدما عاد سيراً على الأقدام من التحرير إلى منزله، نظر إليه والده بوجه متجهم بعدما انفطر قلبه قلقاً عليه بسبب انقطاع الاتصال يومها، فيما كان رد الابن ثورياً «حضرتك مانزلتش معانا ليه النهارده»، صمت الأب فخراً بفلذة كبده الذى حطم أسواراً لم تستطع أجيال أن تحاذيها.
من يومها تعددت المسيرات و«إبراهيم» مشارك بفاعلية و«المطرية» منبت الحراك، كانت كبرى المسيرات التى تحركت من أمام مسجد الأنوار المحمدية بميدان المطرية متوجهة صوب وزارة الدفاع احتجاجاً على سحل البنات وقتل المتظاهرين فى أحداث مجلس الوزراء «كانت مسيرة ضخمة جداً، وبعدها بدأنا فى عروض (كاذبون) ضد المجلس العسكرى». قبل شهور من رحيل العسكر كان «إبراهيم» على موقفه، يدافع عن الثورة بكل أنفاسه، لذا هتف ضد الفريق أحمد شفيق خلال الانتخابات الرئاسية، رغم أنه أبطل صوته فى الصندوق، وكان ضمن تلك المسيرة المتوجِّهة من حيه الشعبى صوب أسوار قصر الرئيس مرسى أثناء أحداث «الاتحادية» اعتراضاً على الإعلان الدستورى المكمّل، وما تلتها من مسيرات بعد الاعتداء على المعتصمين. فى 25 يناير 2012 كان «المهندس إبراهيم» على رأس المسيرة التى خرجت من المطرية إلى ميدان التحرير فيما قرر مع رفاقه أن ينحو قبل مبنى ماسبيرو للتنديد بأداء الإعلام. «أنا مع الثورة على طول الخط» يقولها بوجه منكسر قبل أن يتطرق إلى الحديث عن استعداده للذكرى الثانية للثورة «همّا قِدروا يخلّونا نكون محبَطين.. بس برضه هنكمل وثورتنا مش هتموت.. الجيل ده لا يمكن ينهزم»، يؤمن «إبراهيم» أن دماء أطهر من فينا «الشهداء» لن تذهب هدراً، وأن الثورة ستنتصر آجلاً أم عاجلاً.
الأخبار المتعلقة:
«إمبابة والمطرية وشبرا».. تضع حجر أساس «الثورة الثانية»
إمبابة.. ثورة «وليد فرغلى» تستمر على «3 أرغفة عيش و5 لتر بنزين»
شبرا.. «محمد» يلتزم بوضع جدول المسيرات كل «جمعة وأحد وثلاثاء»
الاستقامة.. من هنا أقسم «عمرو»: «مش هنخاف مش هنطاطى»