إبان الدراسة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية تلقينا دروساً فى مادة السياسة الخارجية بشأن أدوات تنفيذ السياسة الخارجية للدول وكانت أبرزها المساعدات المالية، المنح والقروض، المساعدات العسكرية، تجنيد العملاء وتقديم الرشاوى للحكام والمسئولين، لكن هذه الأدوات تطورت فى العقدين الماضيين تطوراً ضخماً، بحيث تبدلت مواقع الأهمية وتغيرت الأوزان النسبية للأدوات، تراجعت أدوات تقليدية لحساب جديدة مستحدثة، يأتى على رأسها وسائل الإعلام المتنوعة وأيضاً مراكز البحث والفكر والتدريب التى تعد الدورات التدريبية التى تقدم الناشطين والسياسيين لا سيما من الشباب، ويذكر أن وسائل الإعلام الأمريكية، وعلى رأسها «سى إن إن» لعبت دوراً فى إثارة الرأى العام الرومانى والحشد ضد نظام بعد سقوط سور برلين وتحديداً بعد اندلاع المظاهرات ضد النظام، فبثت المحطة الأمريكية معلومات تقول بسقوط نحو 20 ألف قتيل فى مدينة تيمسورا على يد قوات أمن النظام، وهو ما أدى إلى حالة من الغضب العارم فى البلاد وانتشار الاحتجاجات، الأمر الذى أدى فى النهاية إلى الإطاحة بالنظام وإعدام الرئيس وزوجته رغم تجاوزهما العقد الثامن من العمر. نفس المخطط تم تنفيذه فى العراق، ثم يوغوسلافيا وتحديداً فى البوسنة، ثم كوسوفو، نشر معلومات مضللة غير صحيحة تتلقاها وسائل الإعلام المحلية تنتشر سريعاً، وتحدث المطلوب من البلبلة والتشكيك.
بمرور الوقت، تزايد دور مراكز البحث والفكر فى بث الأفكار المطلوب ترويجها، والتى تحقق مخطط الدولة الراعية، وتوافق معه اتساع دور منظمات المجتمع المدنى والمراكز التى تعمل على أرضية حقوق الإنسان، فقد جرى استغلال بعض من هذه المراكز والمنظمات فى نشر مخططات الدول واستخدام البعض منها فى زعزعة الاستقرار من خلال تقديم منح مالية ضخمة تحت غطاء تمويل الأنشطة والدراسات، وذلك بالحصول على معلومات تفصيلية عما يدور فى البلاد، كان يتم الحصول عليها قبل ذلك عبر زرع العملاء والجواسيس، وأيضاً لنشر ما تريد دولة التمويل نشره من أفكار ومعلومات.
استغلت قوى دولية وإقليمية تراجع قبضة الدولة المصرية وأجهزة الدولة فى تحقيق حالة اختراق غير مسبوقة للمجتمع المصرى، بل ولمؤسسات الدولة المصرية، وتمكنت بعض الدول من الحصول على معلومات دقيقة تخص صميم الأمن القومى المصرى من مؤسسة الرئاسة مباشرة فى عهد مرسى ومرشده، كما استخدمت وسائل إعلام متنوعة كرأس حربة فى المعركة مع مصر بعد ثورة الثلاثين من يونيو، وهى معركة مستمرة حتى اللحظة، خذ على سبيل المثال القضايا الثلاث الأبرز التى تعرضت لها مصر على مدار العام الماضى وهى سقوط الطائرة الروسية على الأراضى المصرية، مقتل ريجينى ثم أخيراً سقوط الطائرة المصرية، التى جاءت فى طريقها من باريس للقاهرة، فى الأولى روّجوا لضعف إجراءات الأمن فى المطارات المصرية، روجوا مبكراً لفرضية العمل الإرهابى لتوجيه الاتهام لمصر وإظهارها بأنها غير آمنة، وفى الثانية نظموا الوقفات الاحتجاجية والسير بالشموع موجهين الاتهام للأمن المصرى، وفى الثالثة بادرت سى إن إن الأمريكية لبث خبر كاذب مفاده أن والد الطيار طلب منه فى آخر اتصال بينهما قبل الإقلاع من مطار شارل ديجول أن يحتسبه عند الله شهيداً، أى أن الطيار المصرى أسقط الطائرة فى عمل انتحارى، وعندما اتصل والد الطيار المصرى بالقناة الأمريكية نافياً بشكل قاطع هذه الكذبة، لا سيما أن المحطة الأمريكية بثتها باعتبارها تصريحاً على لسانه، بادرت المحطة بحذف الكذبة من موقعها الإلكترونى والاعتذار لوالد الطيار المصرى.
لا توجد دولة فى العالم تسمح باختراق أمنها القومى وعلاقة تمويلية بين جهات أجنبية ومنظمات حقوقية على أراضيها، فلا بد أن يكون كل ذلك تحت إشراف الدولة ورقابتها ومن خلال الوسائل والقنوات الشرعية.