اشتباكات عنيفة فى «التحرير» تنتقل إلى كوبرى «قصر النيل»
فى مشهد أعاد للأذهان، موقعة «كوبرى قصر النيل» يوم جمعة الغضب 2011، اندلعت المواجهات أمس الأول بين المتظاهرين، الذين حاولون الوصول إلى مجلس الشورى لمحاصرته، وقوات الأمن على الكوبرى، واستمرت حتى فجر أمس.
سيارات الإسعاف انتشرت بكثافة، وأغلقت قوات الأمن طريق الكورنيش، واتخذت سيارات البث المباشر التابعة للقنوات الفضائية مواقعها على كوبرى قصر النيل لنقل الاشتباكات على الهواء بعد هدوء الأوضاع بشارع قصر العينى تماماً.
مئات الأشخاص يقفون بجوار سور الكوبرى يشاهدون الأحداث عن بعد، قنابل الغاز المسيلة للدموع تضل طريقها إلى المتظاهرين فتسقط فى مياه النيل، وقوات الشرطة تتقدم صوب الكوبرى، وتطارد المتظاهرين فى الشوارع الجانبية وتمسك ببعضهم، وسيارة شرطة مصفحة تتقدم ببطء خلف صفوف جنود الأمن المركزى، وتصدر أصوات إنذار.
قطع الحجارة متناثرة فى كل جانب بشارع كورنيش النيل، وفندقا سميراميس وشبرد أغلقا النوافذ والأبواب منذ دخول الليل. بعض المتظاهرين حاولوا تخريب بعض محتويات فندق سميراميس الخارجية فقطعوا أشجاراً ليغلقوا بها الطريق أمام حركة السيارات بينما استخدمها آخرون فى التدفئة، والاستفادة من دخانها فى التغلب على رائحة الغاز الخانقة، كما عبث بعض الشباب بمحتويات كابينة تحكم بوابة دخول السيارات وسط غياب تام لأمن الفندق.
الخوف والحذر يسيطر على الأجواء بالكورنيش، باخرة سياحية موجودة بالشاطئ الشرقى للنيل أمام فندق سميراميس تحركت إلى منتصف النهر كإجراء احترازى خوفاً من أن تنالها أعمال العنف والحرق التى يشهدها الكوبرى الذى ظل مفتوحاً فى الاتجاهين أمام حركة السيارات على الرغم من الاشتباكات.
غابت اللجان الشعبية عن مداخل ميدان التحرير التى ظلت هى الأخرى مفتوحة أمام حركة الأشخاص والسيارات.
أجواء الميدان اتسمت بالهدوء خاصة بعد انتهاء المنصة الرئيسية من فعالياتها، وتوقفت مكبرات صوتها عن ترديد الهتافات المناهضة لحكم الإخوان، ومرشد الجماعة.
شائعات كثيرة تتردد فى الميدان، فالبعض يحكى عن إلقاء جثة شاب فى النيل بعد قتله من قبل مجهولين أمام ماسبيرو، وآخر يتحدث عن حالة اغتصاب جماعى لأجنبيات، ويرد آخرون هذه شائعات لا تصدقوها.
أعداد المتظاهرين بالميدان انخفضت بالمقارنة بتظاهرات 25 يناير، كما انخفض عدد الباعة الجائلين.
اتجاه الرياح ساعد على اختناق المعتصمين بكل أنحاء ميدان التحرير بعد حملة أدخنة قنابل الغاز المسيل للدموع، والمستشفى الميدانى فى بداية شارع طلعت حرب يواصل العمل واستقبال المصابين على قدم وساق، فهناك من أصيب باختناق نتيجة الغاز، والبعض أصيب بجروح سطحية وقطعية بالرأس بسبب تبادل إلقاء الحجارة، بشارع يوسف الجندى المتفرع من شارع محمد محمود.
فتاة تجهز فى همة ونشاط بعض أدوية الإسعافات الأولية على شنطة سيارة موجودة أمام متحف الثورة بصينية الميدان، عبارة عن مستشفى ميدانى متنقل كما تفضل أن تسميه، أسعار الكمامات شهدت انخفاضاً عن الأحداث السابقة التى شهدها الميدان، حيث بلغ سعر الواحدة 50 قرشاً، لأول مرة منذ انطلاق الثورة.
صورة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر تجمل صينية ميدان التحرير وتظهر بوضوح مع قلة الأعداد، إلى جوارها توجد لافتة أخرى مكتوب عليها «من أسيوط للبدرشين إنت يا مرسى كنت فين»، العديد من البوسترات واللافتات ما زالت فى أماكنها كما هى منذ مظاهرات الجمعة الحاشدة، فى الجهة المقابلة للصينية علقت لافتة مكتوب عليها «يا رئيس الإمارات رد مظلمتى أموالى منهوبة فى أبوظبى معتصم أمام سفارتكم التوقيع محمود محمد».
استغل بعض سائقى الميكروباص فتح مداخل ميدان التحرير من ناحية المتحف المصرى وطلعت حرب وجامعة الدول العربية ودخلوا بسياراتهم إلى قلب الميدان ينادون على ركاب السيدة عائشة ورمسيس.
الهواء المتشبع بالغاز المسيل للدموع بشارع «محمد محمود» وسيارات الإسعاف المنتشرة بطول الشارع، يدلان على أن الأجواء به ساخنة جداً منذ الصباح، الاشتباكات يدور رحاها عند الجدار العازل بشارع يوسف الجندى، بعد منتصف الليل تحتدم الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين بشكل كبير، ما أدى إلى إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع بشكل مفرط لإبعاد المتظاهرين عن محيط المكان، ما لم تنجح فيه الشرطة طوال الليل.
أشجار شارع محمد محمود الملاصقة لسور الجامعة الأمريكية ذبلت أوراقها واحترقت فروعها من كثرة حرائق قنابل المولوتوف والغاز المسيل للدموع، وبدت جافة بعدما تحملت ما لا يتحمله بشر خلال عامين كاملين هما عمر الثورة وكانت شاهدة عيان على جميع أحداث شارع محمد محمود الأولى والثانية.
قنابل الغاز يطلقها رجال الشرطة من خلف جدار يوسف الجندى وتسقط فى نهر شارع محمد محمود، يهرول نحوها طفل صغير، رث الثياب، يظفر الصبى بالقنبلة الفارغة، ويمسكها بقطعة ورق لأنها ما زالت ساخنة، يطلبها منه شاب أكبر منه سناً فيرفض طلبه ويقول له «أنا مستنيها من ساعتها وانت عاوز تاخدها على الجاهز».
الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الشرطة لم تتوقف طوال الليل، واستمرت حتى الصباح، وهو الأمر الذى تكرر فى اشتباكات شارع كورنيش النيل التى ألقى القبض خلالها على عدد من المتظاهرين، بينما أصيب عدد آخر بحالات إغماء واختناقات بسبب الغاز.
وانتشرت قوات الأمن على الكوبرى منذ الساعات الأولى من فجر أمس، وأطلقت المصفحات القنابل المسيلة للدموع داخل ميدان التحرير، وقذفهم المتظاهرون المتمركزون إلى جانب مبنى جامعة الدول العربية بالحجارة، وفتحت اللجان الشعبية داخل الميدان مدخل شارع عمر مكرم وباب اللوق أمام السيارات، لتجنب الاشتباكات، فيما انتظم العمل فى مجمع التحرير، لليوم الأول بعد التظاهرات، وسط توافد أعداد قليلة من المواطنين عليه.
وخيم دخان القنابل المسيلة للدموع على التحرير، وأصيب عدد كبير من المتظاهرين بالاختناق، وعالجتهم سيارات الإسعاف والمستشفيات الميدانية، المقامة داخل الميدان، فيما احترق عدد من السيارات فى شارع سيمون بوليفار وعلى كورنيش النيل، الذى شهد هدوءا حذرا بعد مواجهات أمس الأول والساعات الأولى من صباح أمس.
واستمرت التظاهرات والمسيرات التى تطوف الميدان، وردد المتظاهرون الهتافات ضد الدكتور محمد مرسى، رئيس الجمهورية، وجماعة الإخوان المسلمين، منها: «الشعب يريد إسقاط النظام» و«يسقط حكم المرشد» و«ارحل»، فيما أذاعت المنصة الرئيسية الأغانى الوطنية، وطالبت بمنع دخول التليفزيون المصرى وقناة «مصر 25»، التابعة لجماعة الإخوان، وقالوا إنهما يروجان الشائعات عن الاعتصام والتظاهرات، ويحاولان تشويه صورة المتظاهرين، وطالبت المنصة المعتصمين بالبقاء فى الميدان حتى إسقاط النظام.
فى سياق متصل، اقتحم مجهولون، فجر أمس، المدرسة الفرنسية «الليسيه» الموجودة فى شارع يوسف الجندى، وأحرقوها بعد أن قذفت قوات الشرطة المتظاهرين من داخل المدرسة، وأسرعت قوات الدفاع المدنى لإطفاء الحريق، فيما نشب حريق آخر بمدرسة الحوياتى فى نفس الشارع، وأحضرت إدارة المدرسة مقاولين لإجراء أعمال الترميمات بعد انسحاب المتظاهرين وتوقف الاشتباكات بالشارع.