«الهاشا باشا تاكا والهاشا باشا تك يعنى وبعدين معاكا يا ساقينى المر سك»، أغنية شكوكو التى أداها إياد نصار (طارق رمضان) ومنى زكى (تحية عبده) فى مسلسل «أفراح القبة»، انسلت فى لحظة فجائية لتقفز فى وجه الجمهور محققة نوعاً من البهجة؛ بهجة فرت مثلاً من نيللى كريم وغادة عبدالرازق وليلى علوى ومحمد منير فى إطلالتهم الرمضانية، وإن صنعتها غالبية مسلسلات هذا العام حيث استعادت فضاء الصورة التى تنقل الحدوتة بهشاشة حالة الإبداع الجمعى الذى اكتمل بنضج ملحوظ فى الأداء التمثيلى يتخلص من الآلية، وهذا النضج يساوى الاحتياج إلى التحرر من الموروث العبثى «الجمهور عايز كده»، لأن هذا الجمهور هو ذاته الذى «يعوز» بطلاً مثل «الأسطورة» محمد رمضان، له سمات خاصة يفتقدونها فى واقعهم البائس؛ بطل قوى لا يسقط سهواً كالناس العاديين وينقل بعضاً من تفاصيلهم الإنسانية ويخاطب رغباتهم فى أن ينشق العالم ليفتح لهم أفقاً يشعرون فيه بآدميتهم حتى ولو بالدم والعنف، وبالطبع لا ينشغلون بصورته الهوليودية المهولة التى تظهر على الشاشة ولا يرون من زاويتهم العنف الذى يستخدمه لفرض وجوده شراً، فحتى الشر أصبح تفسيره نسبياً لا يتوقف عند شكل أو مفهوم واحد، وإلا كيف يمكن التعامل مع النموذج الذى تقدمه يسرا فى «فوق مستوى الشبهات»؛ هذه المرأة القناع التى تأسر محيطيها بشكلها الارستقراطى وحديثها عن المحبة وتنمية الذات فيما خلف القناع تقبع أخرى لا حد لإجرامها، أو يحيى الفخرانى فى «ونوس»؛ إبليس خفيف الظل كأنه يرقص على غيمة، أو عمرو سعد فى «يونس ولد فضة»؛ مزيج من الألون تتراوح بين الضياع والحضور، الخفة والخوف، الحب والكراهية، قاتل ومقتول.
والمتفرج هنا ربما تحركه غريزة البقاء فيهرب من شرور أكبر فى الواقع بدءاً ممن يتصورون أنهم امتلكوا الحقيقة المطلقة وسبل الوصول إلى الله، مروراً بقتلى فى العراق وسوريا واليمن، وانفجار ارتكبه مجهول فى بيروت يواكبه مذبحة ارتكبها الأفغانى عمر متين فى أورلاندو الأمريكية، عند هذه المسافة بين الوهم والحقيقة يوجد حاضر يرث ارتباكه من أمس مهشم أرسى ثنائية الدين والدم ومتاهة العنف والسؤال الدائم: كيف الخروج؟
وبين الدخول والخروج يعود بنا «أفراح القبة» رواية نجيب محفوظ التى نُشرت فى عام 1981، وتحولت إلى مسلسل أخرجه محمد ياسين عن سيناريو نشوى زايد؛ فيما وصفه النقاد بأنه تحد لرواية هى الأصعب بما تحمله من خفايا تحتمل تأويلات كثيرة فى وسعها أن تكسر الخط الوهمى لحياة تدور حول نفس المحور داخل قبة السماء التى تتحد مع الأرض؛ وفى دورانها يكون سمت الرأس فوقاً والنظير يكون تحت، ويدخلنا المسلسل معه فى دائرته: حياة حقيقية وعرض مسرحى وعلى رأسهما يقف سرحان الهلالى مدير الفرقة المسرحية (سيدنا الولى)، وأعضاؤها يقدمون العرض الكاشف لأفعالهم فى الواقع؛ ما يجلب الخزى ويصبح أيضاً اعترافاً أمام متفرجين ووسيلة التطهر، مسرح لخلق مستوى آخر للواقع والجميع ينخرطون بتاريخهم النفسى وشرارة الإفصاح عن الباطن، الفكرة معقدة ولكن محمد ياسين أدركها وقدم صنيعاً بصرياً يساويها، ما يجعلنا ندرك أيضاً جهده وتخطيطه الإخراجى فى كل لقطة، بجانب المباراة التمثيلية التى تشتد بحضور مغناطيسى لصبرى فواز (كرم يونس) ووجه منحوت على داخلها القاسى والمتوحش كما قدمته سوسن بدر (أم تحية)، فيما تأسرك منى زكى بحضور حسى ورومانسى أعظم، أما إياد نصار الممزق بين الحلم والواقع كمن يعيش فوق خنجر، وهو ما ينسحب على جمال سليمان ورانيا يوسف وأحمد السعدنى وجميعهم حتى نصل إلى محمد الشرنوبى فى دور عباس يونس ولا ننس ملامحه حين قالت له تحية: «بكرة لما تكبر يا عباس هتعرف إن ما بين الحب والكره فيه 200 إحساس لا همه كره ولا همه حب».