الاقتصاد الإسلامى: دين المال والأعمال
الاقتصاد الإسلامى نظام يعبر عن أيديولوجيا متكاملة
ظهر مصطلح الاقتصاد الإسلامى فى النصف الثانى من القرن العشرين، لكن غالبية المحسوبين على التيارات الإسلامية، أو المنادين بتطبيقه، يُرجعون تاريخه إلى عهد سيدنا محمد (صلى الله علية وسلم)، مستندين إلى دلائل تنظيم الأسواق ووضع الضوابط اللازمة للمعاملات بما يكفُل القضاء على الغش والغبن والاحتكار والربا. وحرص الرسول عليه الصلاة والسلام على جمع الزكاة وإقطاع الأرض لمن يريد أن يُحييها بالاستصلاح، كما استندوا إلى تنظيم الرسول لاستخدام الموارد المائية، وترسيخ مفهوم العدل فى المعاملات، واحترام الملكية الفردية، وحرية الأسواق، وما يجرى فيها من معاملات وأسعار ما دامت فى إطار الشريعة الإسلامية، ووضع الضوابط اللازمة لمجالات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك.
ظهر فى النصف الثانى من القرن العشرين وأرجعه البعض لأيام الرسول استناداً إلى تنظيمه للسوق ووضع ضوابط المعاملات التجارية
ويدلل البعض على تاريخية الاقتصاد الإسلامى بالرجوع لعصر الصحابة والتابعين، حيث انتشر مفهوم فقه المعاملات، كنتيجة طبيعية لاتساع هذا الفقه، وظهرت كتابات فى الاقتصاد الإسلامى بأيدى المفسرين والفقهاء والمؤرخين وفلاسفة علم الاجتماع والسياسة والأخلاق، فقد كتب أبويوسف يعقوب بن إبراهيم كتاب «الخراج»، وكتب محمد بن الحسن الشيبانى كتابه «الاكتساب فى الرزق المُستطاب».
والاقتصاد الإسلامى نظام اقتصادى يعبّر عن أيديولوجيا لديها تصورها تجاه المال والإنسان وبقية عناصر العملية الاقتصادية بشكل واضح، ويُعرف النظام الاقتصادى الإسلامى بأنه: «مجموعة القواعد المنبثقة من الأصول الإسلامية (القرآن والسنة، والاجتهاد الفقهى الاقتصادى)، التى تُعنى بالمعاملات الاقتصادية داخل المجتمع». ويتسم الاقتصاد الإسلامى، وفقاً للمنادين بتطبيقه، بمجموعة من الخصائص، هى: الإيمان بالله عز وجل، والإنسان أساس التنمية، والقسط: وهو العدل فى المعاملات الذى يجمع بين الروح والمادة، والفرد والجماعة، والتنمية والرعاية، دون إفراط أو تفريط، والاستخلاف، فالإنسان هو خليفة الله عز وجل فى أرضه، ويحرر مفهوم الاستخلاف نظام الملكية فى الإسلام، فالملكية الحقيقية لهذا الكون وللسماوات والأرض لله عز وجل، وملكية الإنسان هى ملكية استخلاف.
«فهمى»: نجح فى ماليزيا لأنه طُبق على جميع الجوانب.. و«حميد»: اقتصاد وسطى يغلّب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.. والدول الغربية بدأت فى تطبيقه
وتُعرَّف البنوك الإسلامية، بأنها مؤسسات مالية فى الأصل، ولكن دورها مرتبط بمرجعيات أيديولوجية وحقيقة نظام اقتصادى ارتضاه المودع والمستثمر بها، فيما يرى تيمور كوران فى كتابه «الإسلام والثروة»، الذى كتبه عندما كان أستاذ الفكر والثقافة الإسلامية فى جامعة جنوب كاليفورنيا، أن الاقتصاد الإسلامى لا يعود لعهد الرسول ولكنه «تقليد مُبتكر مخترع» خرج للوجود فى الهند فى أربعينات القرن العشرين، قائلاً: «إن فكرة نظام اقتصادى إسلامى متميز وواع بهويته الإسلامية هى أمر حديث جداً، ومنذ قرن مضى كنا لنجد أكثر المسلمين علماً سوف يُفاجأ من فكرة الاقتصاد الإسلامى»، كما يرى أن أنصار الاقتصاد الإسلامى يزعمون أمرين أساسيين: أن النظام الرأسمالى السائد قد فشل وأن الإسلام يقدم الحل والعلاج.
ومن جانبه، قال صلاح الدين فهمى، رئيس قسم الاقتصاد بكلية التجارة جامعة الأزهر، إن الاقتصاد الإسلامى له شقان، الأول تنظيرى والآخر تطبيقى ويطبق فى بعض الدول الإسلامية مثل السودان وماليزيا وإندونيسيا، موضحاً أن خصائص الاقتصاد الإسلامى أنه قائم على الشريعة، بمعنى أنه يتجنب كل ما هو محرم، أو المفروض ذلك. وأوضح «فهمى» أن تاريخ الاقتصاد الإسلامى يعود لعهد الرسول، فالإقراض فى عهد الرسول لم يكن بفائدة، وهذا ما يطبقه الاقتصاد الإسلامى.
وأشار «فهمى» إلى أن أبرز النقد الموجه للاقتصاد الإسلامى أنه تحكمه نفس الضوابط التى تحكم المصارف الإسلامية أو الاقتصاد التقليدى، موضحاً أن الاقتصاد الإسلامى لا يمكن تطبيقه بالموازاة مع الاقتصاد التقليدى بمعنى أن يكون هناك بائع خمور وفى نفس الوقت بائع تمر، يبيعان بجوار بعضهما، ونفرق بينهما بأن ذلك تابع للسنة وهذا غير ذلك، فالنظام كله لا بد أن يكون قائماً على مبادئ النظام الاقتصادى، ومثلاً البنك المركزى المصرى لديه سياسة نقدية قائمة على تطبيق إعادة سعر الخصم، ولا يوجد فى الاقتصاد الإسلامى هذا المبدأ مثلاً أو الفائدة، والبورصة الموجودة فى الاقتصاد الإسلامى غير الموجودة فى الاقتصاد الحالى، فالبورصة الحالية بورصة مضاربات، لكن البورصة الإسلامية ترفض البورصة القائمة على إلحاق الضرر بالآخرين أو احتكار السلع.
وقال رئيس قسم الاقتصاد بجامعة الأزهر إنه لا يوجد بنك مركزى إسلامى فى مصر، ولكن يوجد بنك مركزى يرأسه طارق عامر، قواعده هى آليات تنفع وتجدى مع البنك العادى أو التقليدى، لكن لا يوجد بنك مركزى إسلامى له قواعده للمراقبة على المصارف، مشيراً إلى أن الاقتصاد الإسلامى نجح فى ماليزيا لأنه طُبق على كافة الجوانب، على عكس ما هو موجود فى مصر، الذى يطبق فى بعض أطر النظام الاقتصادى الإسلامى ولا يطبق فى أشياء أخرى.
ويقول الدكتور عادل حميد، وكيل كلية التجارة جامعة الأزهر، إن الاقتصاد الإسلامى هو عالمية رسالة الإسلام التى نزل بها الرسول، موضحاً أنه يهدف لتحقيق الرخاء لكل الناس والبشرية جمعاء وليس المسلمين فقط، وأضاف: «من خصائص الاقتصاد الإسلامى أنه فى أصوله يجمع بين الملكية العامة والملكية الخاصة، على عكس النظم الاقتصادية الأخرى، وأنه اقتصاد وسطى يغلّب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وأنه اقتصاد قيمى، يهدف إلى الرقى بالإنسان».
وقال «حميد» إن التوزيع فى الاقتصاد الإسلامى يكون فيه نوع من العدالة التى نص عليها الإسلام، موضحاً أن الاقتصاد الإسلامى يسعى لتحقيق نوع من التوازن فى توزيع الثروات، وأنه يلغى الفوارق الطبقية حال تطبيقه، على الرغم من التفاوت فى الأرزاق، مشيراً إلى أن الوسائل التمويلية للاقتصاد الإسلامى مختلفة عن الاقتصاد التقليدى، إذ إنها وسائل تقييمية تبعد عن الربا والفائدة وتستبدلها بالمشاركات، ومؤخراً بدأت أوروبا وأمريكا الأخذ فى نظام المشاركات، إذ إنها تعرض على المودعين فى البنوك إما الحصول على فوائد قليلة حال وضع أموالهم فقط فى البنوك، أو نسب أكبر حال الدخول فى مشاركات.
وحول النقد الموجه للاقتصاد الإسلامى، قال وكيل كلية التجارة بجامعة الأزهر إن أبرز النقد الموجه للاقتصاد الإسلامى أن الدول الإسلامية لا يوجد بها رخاء اقتصادى بينما يوجد رخاء فى الدول الغربية التى لا تطبق النظام الاقتصادى الإسلامى، موضحاً أن هذا النقد يمكن الرد عليه من خلال أن الاقتصاد الإسلامى لم يطبق فى الدول الإسلامية، وأنه لم يطبق فقط إلا فى سنوات الحضارة الإسلامية، وشهدت وقتها الدولة الإسلامية رخاء وازدهاراً لم تشهده بعدها.