الطبقة المتوسطة: مواطنون «خارج الدعم».. وفريسة بلا حماية
أسعار شقق متوسطى الدخل للأغنياء فقط
فى الوقت الذى تقول فيه الدولة إنها تدعم المواطنين من الفقراء ومحدودى الدخل يؤكد الواقع أن الشريحة الكبرى من الطبقة المتوسطة خارج منظومة الدعم إما مختارين أو مجبرين، فهم فى الغالب لا يعلّمون أولادهم فى مدارس الحكومة ولا يستخدمون النقل العام ولا يستفيدون من مستشفياتها، وينطبق نفس الشىء على كثير من برامج الدعم التى تقدمها الدولة، وفى الغالب فإن أبناء الطبقة المتوسطة الطامحين للحصول على جودة حياة أفضل يلجأون للقطاع الخاص البديل وأحياناً بحكم أن رواتبهم تتجاوز الـ3 آلاف جنيه يحرمون من هذه الخدمات رغماً عنهم، وأثار طرح وزارة الإسكان مشروع «إسكان متوسطى الدخل» تصل فيها سعر الوحدة إلى 450 ألف جنيه، العام الماضى، موجة من الانتقادات، استمرت حتى الآن، فى ظل أزمة الإسكان التى تشهدها مصر فى الوقت الراهن، بالنظر إلى أن المشروع يعد الأعلى سعراً من قائمة المشروعات التى نفذتها الوزارة على مدار تاريخ مشروعات الإسكان الحكومية. فريد شلبى، رئيس شركة «المصرية بلازا» للاستثمار العقارى، أحد منتقدى المشروع، الذى رُوج باعتباره «سكن الطبقة المتوسطة»، قال إن رؤية وزارة الإسكان «غير واقعية» لمستويات الدخل فى مصر، وأن طرحها وحدات تصل قيمتها إلى ما يقرب من 500 ألف جنيه، فى حالة الدفع الفورى، أو بأقساط شهرية على 4 سنوات، تتضاعف خلالها قيمة تلك الوحدات لو تم سدادها عبر قرض «تمويل عقارى» بأسعار فائدة 8%، وأقساط شهرية تدور حول 2000، لمدة 15 عاماً، والزعم بأنها تناسب متوسطى الدخل يعكس عدم دراية الحكومة بقدرات المواطنين المالية، ومستوى دخولهم الشهرية، التى لا تتيح لهم إمكانية دفع تلك الأقساط. وأضاف «شلبى» أن وزارة الإسكان أعطت لشركات القطاع الخاص بذلك الضوء الأخضر لزيادة أسعار وحدات مشروعاتها، بالنظر إلى أسعار مشروع «دار مصر»، وليس كما يزعم وزير الإسكان، مصطفى مدبولى، من أن المشروع سيسهم فى خفض تسعيرة مشروعات الإسكان المتوسط، وتابع: «صحيح أن الوزارة طرحت وحدات الإسكان المتوسط بأسعار أقل من أسعار شركات القطاع الخاص، لكن الوزارة حصلت على أراضى المشروع بدون مقابل مادى، بعكس الشركات التى دفعت ملايين نظير الحصول على أراضى مشروعاتها، ومن المعروف أن قيمة الأرض تمثل 20% من قيمة الوحدات السكنية، لذا فالمقارنة بين أسعار القطاع الخاص، وأسعار «دار مصر» ظالمة للقطاع الخاص».
شقة متوسطى الدخل بنصف مليون جنيه.. وموظفون: «الحكومة خنقتنا بعبارة «لا مساس بدعم الفقراء ومحدودى الدخل».. ورئيس شركة عقارية: ضوء أخضر للقطاع الخاص لرفع أسعاره
وهو ما ذهب إليه أيضاً، المهندس محمد الجندى، رئيس شركة «النصر للإسكان والتعمير» سابقاً، قائلاً: إن وزارة الإسكان بالغت فى أسعار مشروعها الخاص بمتوسطى الدخل، ولكن مهما حصل فالوزارة لن تُقلل الأسعار، خاصة بعد نجاح المرحلة الأولى من «الإسكان المتوسط»، والإقبال الكبير على المرحلة الثانية منه، وبالتالى تغيرت رؤية الحكومة لمتوسطى الدخل، باعتبارهم قادرين على تحمل تبعات الإسكان، فيما دافع مصطفى مدبولى، وزير الإسكان، عن أسعار مشروع «متوسطى الدخل»، وقال إنه أرخص من أسعار القطاع الخاص، بنسبة 10% وليس 30% كما ذكر قيادات الوزارة فى تصريحات سابقة.
الشى ذاته، فى قضية دعم الوقود، التى كثيراً ما تؤكد الحكومة، فى كل مناسبة، أنه لا مساس بدعم الفقراء ومحدودى الدخل، وأن تحريك الأسعار لن يطال سوى الأغنياء، يقول مصدر مسئول بقطاع البترول إن الطبقات الوسطى اختفت من مصر منذ عهد «مبارك»، وهو ما بات يتجلى فى معاناة المواطنين لدى شرائهم المنتجات البترولية من المحطات، بعد رفع أسعارها العام الماضى، مُعرفاً «الطبقة المتوسطة» بأنها تلك التى تتحصل على 3 آلاف جنيه شهرياً على الأقل، وما دون ذلك فهم من «الفقراء». وتابع المصدر: «الأزمات الاقتصادية التى تشهدها مصر، من حين لآخر، سببها الرئيسى عدم تحديد المستحقين للدعم فى مصر على نحو دقيق، حيث إن الحكومة تعامل الأسر المصرية التى تستهلك نوع بنزين «92» فى محطات الوقود، باعتبارهم من الطبقة الوسطى، التى يجب رفع الدعم عنها تدريجياً خلال 5 سنوات».
وحذر مواطنون من أن أى زيادة جديدة فى أسعار الوقود ستؤدى إلى كارثة، وقال كريم عبدالفتاح، موظف، إن شراء المنتجات البترولية فى مصر كارثة بعد رفع الأسعار العام الماضى، وإن الحكومة تتعامل على أننا من الطبقات الوسطى، فى حين أن دخلى لا يتجاوز 2000 جنيه، ومتوسط شراء قيمة منتجات بترولية من نوع بنزين «92»، تتراوح ما بين 500 إلى 700 جنيه، مضيفاً: «الحكومة خنقتنا بتصريحات لا مساس بدعم الفقراء ومحدودى الدخل، وبعد شوية نلاقى الأسعار ارتفعت»، وقال أحمد عبدالرازق، موظف، إن أى زيادة فى الأسعار، لا سيما أسعار الوقود، «هتولع الدنيا»، وأضاف: «أنا بصرف ربع مرتبى الشهرى الذى لا يتخطى 2500 على شراء البنزين من المحطات، ومصر مفيهاش غير الغنى اللى واخد حقه، والحكومة بتعمل له ألف حساب، ومش مهم بعد كده الفقير ومحدودى الدخل».
من جانبه أكد الدكتور مدحت نافع، أستاذ التمويل والخبير الاقتصادى، أنه على الرغم من محاولة الحكومة تصنيف برنامجى تكافل وكرامة وسائر نظم المعاشات والضمان الاجتماعى تحت ما يسمى بالبعد الاجتماعى (بلغ إجماليه فى مشروع موازنة 2016/2017 ما قيمته 420٫7 مليار جنيه) بنسبة حوالى 38% من إجمالى الإنفاق وتزيد عن 13% من الناتج المحلى الإجمالى المتوقع غير أن الواقع يؤكد أن القيمة الكبيرة من مخصصات البعد الاجتماعى عادة ما تحرم منها الطبقة المتوسطة.
وأشار إلى أن الطبقة الوسطى دائماً ما تتطلع إلى مستوى معيشة أفضل، وبالتالى فهى تبحث فى بدائل التعليم والعلاج الخاص عن خدمات أفضل نسبياً بعيداً عن الخدمات الحكومية المدعومة، التى لا تناسب جودتها تطلعات تلك الطبقة، كما تدبر تلك الطبقة احتياجاتها من الإسكان والمواصلات مدركة أنها تزاحم ما يزيد على 40% من الشعب المصرى تحت خط الفقر تكون لهم أولوية الإسكان المدعوم.
وأوضح نافع أنه حتى الإسكان المتوسط باتت مواصفاته أشبه بعلب السردين التى يعافها كثير من أبناء الطبقة المتوسطة، مشيراً إلى أن هذه الطبقة فى طريقها إلى التلاشى، لأنها تحرم من دعم الدولة وتتحمل كافة الأعباء المفروضة على الطبقة الأعلى من ضرائب ورسوم ومصروفات لتغطية أساسيات المعيشة التى تتجاوز نسبتها إلى إجمالى الدخل أضعاف تلك النسبة إلى دخول الطبقات الأعلى.
وأضاف أنه على الحكومة عدم إغفال أهمية الطبقة المتوسطة من الناحية الاجتماعية والسياسية، والدور الاقتصادى الذى تلعبه تلك الطبقة فى تحقيق عدالة التوزيع ورتق التفاوت، خاصة أنها تعمل على تمرير التدفقات المالية من أعلى الهرم المجتمعى إلى أسفل يعطيها أهمية كبيرة جداً، ويكفى أن ندرك أن العمالة الفقيرة التى تستوعبها تلك الطبقات فى الخدمات المساعدة هى أول ما يتم الاستغناء عنه تحت ضغوط الغلاء.