بثت وكالات الأنباء الخبر، أبرزت مواقع التواصل الاجتماعى تفاصيل ما حدث، تصريحات متلاحقة، ناشط سياسى معروف يعلن أن وقف التنفيذ تم لحفظ ماء وجه الحكومة، وآخر يعلن أن الدولة مارست ضغوطها، حملة منظمة على تويتر وفيس بوك، أبواق تبث سمومها من الفضائيات، تطاول على القضاء واتهامه بعدم الاستقلالية، محاولات لنشر الشائعات والأكاذيب، ادعاءات لا محل لها من الإعراب، بيانات تصدر، وحكايات تتردد عن وقائع ما حدث.
قبيل أيام الطعن على حكم محكمة القضاء الإدارى فى قضية تيران وصنافير كان خالد على أحد النشطاء يكتب على صفحته زاعماً أن اللواء ممدوح شاهين، مسئول الشئون القانونية والدستورية بوزارة الدفاع، قد زار رئيس مجلس الدولة فى مكتبه، هكذا بعد ساعات قليلة من صدور حكم القضاء الإدارى، يا سلام، هكذا بكل بساطة، لم يقل لنا خالد على هل زاره بملابسه العسكرية أم بملابسه المدنية، ويا ترى هل يمتلك صورة لهذه الزيارة الميمونة، وأكثر الله من كاميرات المحمول، أم أن الزيارة تمت فى جنح الظلام؟ ثم هل اللواء ممدوح شاهين بهذه السذاجة خاصة أنه وجه معروف جيداً للمحامين وللنشطاء؟ قطعاً لم يجب خالد على ولن يجيب عن تلك التساؤلات، التى تجعلنا نقول إنه أطلقها كذباً وادعاءً تحسباً لصدور حكم بوقف التنفيذ من دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا.
هكذا هو النهج، محاولة لاستباق الأمر، ولو بالادعاء كذباً، وتزييف وعى الجماهير، وإلقاء الاتهامات بالباطل.. فى دقائق معدودة تغيرت الصورة تماماً، بالأمس أشادوا بالقضاء العادل، المستقل، واليوم راحوا يوجهون سهامهم، ويدعون اختراق الدولة، وهم بالأمس الذين قالوا إن الحكم دليل نزاهة وشفافية لأهل الحكم، الذين يحترمون استقلالية القضاء، إنها الازدواجية التى عانينا وما زلنا نعانى منها، تبعاً لحسابات المصلحة، بغض النظر عن الثوابت، التى يجرى توظيفها تبعاً للمتغيرات.
هكذا هى نماذج النخبة الحديثة أو فلنقل بعضها وتحديداً بعض بقايا الماركسيين والديماجوجيين، استخدام المصطلحات، واللغة التى تقبل التأويلات، كلمات تدغدغ المشاعر، وشعارات فضفاضة، لجوء إلى أقصر الطرق لحسم أكثر القضايا تعقيداً، صحيح أنهم كانوا يحققون نجاحات لا يمكن التغافل عنها فى بداية الأمر، لكن بضاعتهم الآن أصبحت فاسدة.
حديثهم عن الأمن القومى يعنى التبعية، يحدثونك عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهم آخر من يجوز له الحديث عنها، حديثهم عن الوطن كأنه ساحة مستباحة، لا حدود ولا قيم سوى قيم الغرب، أو قيم الممولين تحديداً، الوطن بالنسبة لهم شقة مفروشة إلى حين.
الوطن ليس سلعة تباع وتشترى، تأمل المشهد جيداً، انظر إلى الوجوه، قلّب صفحات تاريخها، تأمل كلماتها ومواقفها، فى وقت الأزمات كانوا هم المعول، فشلوا فى الهدم، أرادوا بيع الوطن بالقطعة، تفتيت وفك وتركيب، زرع الاحتقان، دفع الناس إلى الفوضى، إطلاق الشعارات الكاذبة، الاستعانة بالأجنبى، التحريض، قبض الثمن ساخناً، ملايين الدولارات تتدفق إلى الجيوب، وكله باسم الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، أسسوا المنظمات، حصلوا على الحصانة، أصبحوا فوق القانون، لا أحد يستطيع أن يقترب منهم، وإذا حدث قامت الدنيا ولم تقعد.
كانوا السباقين فى أزمة ريجينى، اتهموا شرطة بلادهم، ألبسونا التهمة عنوة، وفى إيطاليا استعانوا بكلماتهم المسمومة، اعتبروها دليلاً دامغاً، وعلى نفس المنوال مضوا على الطريق.
كثيرة هى سقطاتهم، عندما جاء الرئيس الفرنسى إلى مصر، قام بعضهم بتحريضه ضد جيشنا، قالوا له كيف تمنح فرنسا الأسلحة لنظام يعادى حقوق الإنسان، نفس الكلام الذى قالته «الحيزبونة» إياها عندما التقت الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش فى زمن مبارك فراحت تحرضه على بلادها.
أترى هل هؤلاء لديهم غيرة فعلاً على وطنهم، وهل موقفهم من تيران وصنافير موقف وطنى بصحيح، أم أنه وسيلة لغسل سمعتهم، ومحاولة اللعب على المشاعر الوطنية للمصريين لأغراض أخرى، لم يستطيعوا تحقيقها فى كل مؤامراتهم السابقة؟
كنت أدرك منذ البداية، أنهم يبحثون عن مبرر، عن شماعة، وجدوها فى الحكم الصادر، هو حكم درجة أولى، لكنهم تعاملوا مع الأمر وكأنهم حققوا انتصاراً، مع أنهم أول من يعرف أن الحقيقة على النقيض من ذلك، لكنهم أرادوا العودة إلى الشارع الذى لفظهم، وطردهم من صفوفه، حتى باتوا كالوباء الذى لا يستطيع أحد الاقتراب منه، استغلوا الحكم، وراحوا يستغيثون ويكذبون لأنهم فى الحقيقة يستهدفون الرئيس وجيش مصر العظيم.
مساكين، لقد ظنوا أن الشعب المصرى سوف يصدقهم وأنهم عندما يقذفون القائد والجيش باتهاماتهم الحقيرة سوف يصدقهم الناس، ويرفعونهم على الأكتاف، لكنهم صدموا، فهذا الشعب العظيم أكبر من أن يضحك عليه أحد.
هؤلاء شلة لا منطق لديهم، إذا قلت إن الوثائق تؤكد، قالوا لك هذه مصطنعة، وإذا قلت إن نسخة منها مثبتة فى الأمم المتحدة، قالوا لك وإيه اللى يثبت؟، وإذا قلت لهم ابحثوا بأنفسكم، قالوا لك هذا ليس دليلاً قاطعاً، إذا قلت لهم إن مصر قدمت للسعودية وثائق تؤكد فيها أنه لا سيادة لها على الجزيرتين، وأنها ستعيدها إلى أصحابها الحقيقيين فى أقرب وقت، شككوا فى ذلك، وإذا قلت لهم إن الاستفتاء لا يجوز بنص المادة (151) من الدستور، حيث لم تكن لنا السيادة، ولم نتنازل عنها، قيل لك: أنت تصادر على حق الجماهير، وإذا حاولت أن تقنعهم بأن اللجوء للتحكيم الدولى معناه أن الطرف الآخر سيحصل على الحكم من المرة الأولى قيل لك ومن أدراك.
وإذا قلت لهم إن وزير خارجيتنا الأسبق عصمت عبدالمجيد رحمة الله عليه قدم رسالة إلى نظيره السعودى فى مارس 1990، اعترف فيها بملكية السعودية للجزيرتين، وأن مصر أقرت بذلك فى الأمم المتحدة والمحافل الدولية، وأن اللجان المشتركة حددت نقاط الأساس فجاءت فى صالح ملكية السعودية للجزيرتين، قيل لك: وإيه يعنى المهم نروح التحكيم.
وإذا حاولت وسعيت لإقناعهم بأن اللجوء للتحكيم الدولى من شأنه أن يعصف بالعلاقة بين البلدين ويضع مصر فى موقف حرج، لأنها ستدخل إلى التحكيم، ولن تستطيع إنكار أى من وثائقها التى أكدت فيها على ملكية السعودية للجزيرتين، قيل لك: ساعتها سيكون لكل حدث حديث، وإذا جاءت الدنيا كلها بوثائقها وأدلتها ومستنداتها، سعوا أيضاً إلى التشكيك والإثارة والادعاء كذباً، والهدف أكبر من تيران وصنافير، وأهم حتى من الوطن بأسره.
يعرف الجميع أن المقصود هو الرئيس الذى راهنوا على تأجيج مشاعر الجماهير ضده فى العديد من المواقف، لكنهم فشلوا ولم ينجحوا فى تحقيق أهدافهم التى تلتقى مع أهداف أسيادهم ومموليهم.
ويعرف الكافة أن المقصود هو أيضاً زعزعة الثقة بين الشعب والجيش، وأنهم يسعون إلى عقاب الجيش الذى انحاز إلى إرادة الجماهير ورفض ترك البلاد للفوضى والتقسيم، ورغم أن أحداث السنوات الخمس الماضية أكد سقوط رهانهم، فإنهم يظنون أن هذه القضية كفيلة بتحقيق الغرض المنشود.
وكان طبيعياً من أجل تحقيق هذا الهدف أن يبدأوا بمحاولة تشويه كافة الرموز التى تتصدى، وتواجه بكل حسم وبلا هوادة، إذن هم المفرطون فى تراب الوطن، وقد باعوا أنفسهم للسعودية، وتخلوا عن رسالتهم فى الدفاع عن التراب الوطنى.
لقد ظنوا أن التاريخ يمكن أن يزيف، وأن الباطل يمكن أن ينتصر، ناسين ومتجاهلين وعى هذا الشعب العظيم، وجيشه الباسل الذى تقوم عقيدته الوطنية على حماية الأرض وعدم التفريط فيها.
وعندما ينظر مجلس النواب هذه الاتفاقية فى القريب العاجل يجب استضافة كافة المتخصصين المعنيين بهذه القضية على أن تذاع جلسات الاستماع والنقاش داخل البرلمان على الهواء مباشرة حتى يعرف الكافة الحقائق وتكون لهم الكلمة الفصل.
إننا أمام محاولة استغلال رخيصة لحكم قضائى أولى، وبغض النظر عن الحكم الذى ستصدره دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا، إلا أن ذلك لا يغنى عن الكشف عن كافة الأبعاد التاريخية والجغرافية والقانونية لواحدة من أهم وأخطر القضايا التى يجرى استغلالها بقصد إثارة الفوضى وتخوين قادة البلاد.
بالقطع سوف يهزمون، ولكن إطلاع الناس على الحقائق كاملة سوف يرسخ فى أذهانهم الحقيقة التاريخية التى تقول إن جيش مصر لم ولن يسمح أبداً بالتفريط ولو فى شبر واحد من أرض البلاد.
إننا أمام محاولة استغلال رخيصة لحكم قضائى أولى وبغض النظر عن الحكم الذى ستصدره دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا إلا أن ذلك لا يغنى عن الكشف عن كافة الأبعاد التاريخية والجغرافية والقانونية لواحدة من أهم وأخطر القضايا التى يجرى استغلالها بقصد إثارة الفوضى وتخوين قادة البلاد