«سعد الدين»: المصالحة آتية لا محالة والتعجيل بها يوقف نزيف الدماء
سعد الدين إبراهيم
قال الدكتور سعد الدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، مدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، إن دخول البرلمان المصرى على خط المصالحة بين الدولة وجماعة الإخوان، والتى كان قد أطلقها منذ ما يزيد على عام ونصف العام، بعد لقائه بعدد من شيوخ الجماعة أثناء زيارته لتركيا، خطوة جديدة وبادرة أمل سوف تنتقل بالمصالحة من مجرد أطروحة شخصية يرفضها البعض، ويهاجمها البعض الآخر، إلى شىء ثابت يتعين على الراغبين فى استقرار الدولة وضع بنود الاتفاق عليه وتحديده. وأضاف لـ«الوطن»، أن الدولة العميقة داخل مصر، والمتمثلة فى عدد من أجهزتها الأمنية، تسعى لعدم إتمام تلك المصالحة، ويزعجها الحديث عنها، لاستمرار اعتمادية رأس السلطة عليهم، ومنحهم سلطات أعلى من المخولة لهم.. وإلى نص الحوار.
مدير «ابن خلدون»: أجهزة أمنية عليا تعرقل إتمامها
■ بداية.. إلى أين وصلت مبادرة المصالحة التى طرحتها بين جماعة الإخوان والدولة؟
- استرحت قليلاً منذ يومين، حينما دخل على خط المصالحة، كل من وكيل مجلس الشعب المستشار مجدى العجاتى، والمسئولين عن جبهة فى حب مصر، وهذا يعنى أنها لم تعد مرفوضة كما كانت فى بدايتها عندما طرحتها منذ ما يزيد على عام ونصف، حينها وجّه لى الكثيرون اتهامات بالخيانة والعمالة وتلقى أموال من الخارج، وتنفيذ أجندة عمل خارجية تهدف إلى تدمير الدولة المصرية، وهو ما كان مخالفاً للحقيقة كلياً وجزئياً، إذ لم يدرك هؤلاء أن المبادرة كانت فى صالح مصر وليست ضدها، والآن انتقل الحديث من المبادرة كفكرة إلى وضع شروط لها، وتحديد واجبات كلا الطرفين التى يجب أن يقدماها لبيان حسن نيتهما.
■ ألا ترى أن الحديث عن المصالحة بشكل عام وواجبات الدولة للاتفاق مع «الجماعة» سوف يكون له رد فعل غاضب لدى الشارع المصرى؟
- على العكس من ذلك، الشارع المصرى لا بد أن يتقبل فكرة المصالحة ويحتضنها، حتى يُنهى ذلك الخلاف الدائر منذ ما يزيد على ثلاثة أعوام، لأنه ليس من الطبيعى أن تظل الخصومة موجودة بين 600 ألف إخوانى أو أكثر مع دولتهم، لأنهم فى النهاية مواطنون مصريون، لهم حق المواطنة، ولابد لهم من العودة إلى وطنهم مرة أخرى، والحصول على كامل حقوقهم، مهما كانت أهدافهم السابقة أو تجاوز بعضهم الحدود الوطنية فى فترة زمنية اتسمت بـ«اللخبطة» السياسية.
دخول البرلمان على خط المصالحة يحولها من مبادرة إلى منظومة تحتاج إلى آليات ثابتة لتنفيذها
■ مع من تحدثت من قيادات الإخوان عن المصالحة، وما البنود المتفق عليها؟
- تحدثت مع عدد من شيوخ الجماعة الذين التقيت بهم أثناء زيارتى الأخيرة لتركيا، وأبدوا استعدادهم للمصالحة والعودة مرة أخرى إلى الوطن، على أن يقدموا اعتذاراً رسمياً وواضحاً للشعب المصرى عما صدر من بعضهم من أعمال عنف أو تخريب خلال الفترة الماضية، وإعادة النظر فى معتقداتهم السياسية وممارساتهم المجتمعية، ومن ثم عدم اللجوء إلى العنف أو السرية مرة أخرى، واعتماد مبدأ الشفافية فى أمورهم الظاهرة والباطنة، فى مقابل السماح لحزبهم السياسى وليس الدينى للظهور إلى النور مرة أخرى، وممارسة العمل العام بحرية دون ضغوط من أجهزة الدولة، والإفراج عن كافة معتقليهم السياسيين ابتداء من الرئيس الأسبق محمد مرسى وحتى أصغر معتقل سياسى يتبعهم.
■ وما الذى يجبر الدولة المصرية على قبول مثل تلك البنود التى قد يرى البعض أنها تصب فى مصلحة الإخوان بشكل كبير؟
- الأمر لا يتعلق بالإجبار من عدمه، ولكن لا بد للجميع أن يعلم أن مصر دولة لكل المصريين، وعليها أن تستوعب أبناءها بجميع طوائفهم الدينية أو السياسية، وعودة الإخوان إلى أرض الوطن مرة أخرى أمر طبيعى لا بد أن يسعى له محبو هذا الوطن، وعلى الرافضين لتلك الأطروحة تصور حال مصر إذا استمر ذلك الخلاف.
من حق «الجماعة» العمل بالسياسة بشرط عدم اللجوء للعنف
■ هل تلقيت رداً رسمياً من أى من أجهزة الدولة عن تلك المبادرة؟
- لا، لذلك طالبت بتدخل البرلمان، لأن بيده تعديل قوانين العفو عن المسجونين، وإفساح الطريق أمام رئيس الجمهورية لاتخاذ ما يراه مناسباً من أجل إنهاء تلك الأزمة. وأعتقد أن التحرك الأخير الذى حدث داخل البرلمان بادرة أمل جديدة وكبيرة سوف تساهم فى تحقيق المصالحة الآتية لا محالة بين الدولة وجماعة الإخوان المسلمين.
■ هل عاودت الاتصال بقيادات الجماعة خلال الفترة السابقة؟
- تحدثت عدة مرات مع قياداتهم على مدار الثلاثة أشهر التى أعقبت طرحى للمبادرة، ومن بعدها انقطع الاتصال فى انتظار حصولى على موافقة الطرف الثانى، ولعل تأخر دخول الدولة على خط المصالحة هو ما تسبب فى تعطيلها حتى الآن.
■ ذكرت قبل ذلك أن هناك من يتمنى استمرار الصدام بين الدولة والإخوان، من هى تلك الجهات التى تقصدها؟
- الجهة المستفيدة فى الداخل هى ما يسمى بالدولة العميقة، والتى تضم الأجهزة الأمنية متمثلة فى المخابرات العامة وأمن الدولة والمباحث والأمن العام وغيرها من الأجهزة التى لا نراها ولا نعرفها، والتى ترغب دائماً فى الإيحاء لرأس السلطة بأنها على قدر المسئولية، وأنها تقوم بحمايته والوطن من شرور وتخريب الإخوان، ومن ثم يقوم رأس السلطة بالاعتماد عليهم بشكل صريح وعلنى، ويوكل إليهم مهام جديدة تزيد من سلطتهم، أما فى الخارج فتتمثل فى تربص الخصوم الإقليميين الذين يجدون مصلحتهم فى استمرار الصراع والتوتر على الأراضى المصرية من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية على حساب استقرار مصر.
■ كيف ترى المشهد السياسى فى مصر حال الموافقة على المصالحة ومن ثم خروج قيادات الجماعة من السجون وعودتهم للعمل بالسياسة؟
- من حق الإخوان الذين لم تلوث أيديهم بالدماء أن يعودوا لممارسة السياسة مرة أخرى، وهو ما تضمنته المبادرة، والتى رأت عودة حزبهم السياسى إلى النور، وأن يصبح من حقهم الاشتراك فى العمل العام بكافة أنواعه وأشكاله دون التعرض لمضايقات من أجهزة الدولة، لأنه ليس من الطبيعى أن يتم الحجر على ما يقرب من مليون مواطن مصرى بسبب أنهم ينتمون للصفوف الخلفية للإخوان، دون أن يرتكبوا إثماً أو ذنباً، أما طبيعة ذلك الحزب وكيفية إدارته فهذا شأن خاص بهم.
■ أخيراً.. ما توقعاتك لتلك المبادرة خلال الأيام المقبلة؟
- دعنى أؤكد لك مرة أخرى أن المصالحة بين الدولة المصرية وجماعة الإخوان المسلمين آتية لا محالة إن آجلاً أو عاجلاً، لذا يكون التعجيل بها أمر ضرورى لوقف نزيف الدماء المستمر منذ شهور عديدة، سواء فى صفوف قوات الجيش والشرطة أو فى جانب المدنيين ومن جماعة الإخوان أنفسهم، ومن أجل تحقيق ذلك لا بد من زيادة التعريف ببنود المبادرة فى وسائل الإعلام المختلفة، وإفساح أجهزة الدولة الطريق لأنفسهم من أجل التعرف عليها ومعرفة آثارها الإيجابية التى سوف تنعكس بشكل سريع على أمن واستقرار الدولة المصرية.