المحلل السياسى التركى: عصر الديكتاتورية بدأ فعلياً فى تركيا وأتوقع ثورة شعبية
المحلل السياسى التركى تورجوت محمد أوغلو
«عصر الديكتاتورية بدأ فعلياً فى تركيا».. بهذه الجملة وصف المحلل السياسى التركى تورجوت محمد أوغلو الأوضاع التى وصلت إليها تركيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة. وقال، فى حواره لـ«الوطن»، إن «الاستقطاب والانقسام وصل حتى إلى داخل الأسرة الواحدة، وهذا أمر خطير على مستقبل البلاد»، متوقعاً أن تكون هناك ثورة شعبية ضد «أردوغان»، مؤكداً أن الجيش لن يقبل «إهانته» لكنه «يراقب الأوضاع».
تورجوت أوغلو: «أردوغان» سيلقى مصير «صدام».. والإسلام لن يتأثر بسقوطه
■ هل تركيا لا تزال بلداً نموذجاً للديمقراطية فى العالم الإسلامى؟
- دعنا ننظر إلى ما يجرى فى الفترة الأخيرة فى أعقاب الانقلاب الفاشل الذى أصفه بأنه «مسرحية»، إذا كان الأمر متعلقاً بوقف انقلاب عسكرى فنقول الحمد لله فشل الانقلاب، لكن من المفترض أنه بعد فشل انقلاب من المفترض أن تحل الديمقراطية لكن ما حدث هو الانقلاب الحقيقى من قبل «أردوغان» وحكومته، بدليل الإجراءات التى تتخذها الحكومة من اعتقالات بالآلاف وإقالات بلغت عشرات الآلاف. أين الديمقراطية هنا؟ الرئيس التركى تعامل مع المعارضة بشدة لم يتعامل بها مثلاً مع تنظيمات إرهابية لدينا مثل حزب العمال الكردستانى (محظور فى تركيا) وتنظيم «داعش» الإرهابى. الواقع يقول إن عصر الديكتاتورية بدأ فعلياً فى تركيا.
■ فى مواجهة هذه العمليات التى تحدثت عنها.. لماذا لا ينزل المواطنون المتضررون والمعارضة إلى الشارع لرفض تلك الممارسات؟
- المعارضة التركية والمواطنون يرفضون النزول إلى الشوارع، لأنهم يعلمون تبعات ذلك ويخشون الدخول فى حرب أهلية، لأن أنصار «العدالة والتنمية» (الحزب الحاكم) منتشرون فى الشوارع، ويخشون الصدام معهم، ومنهم شباب معروفون أنهم ينتمون إلى تنظيم «داعش»، وبعضهم من جماعات «المافيا» فى تركيا، وهؤلاء توعدوا بقتل المعارضين.
الجيش التركى يراقب الأحداث بعد إهانته.. ولا ينزل للشارع لأنه يخشى تحول تركيا إلى «سوريا جديدة»
■ فى رأيك، ما تداعيات عمليات الإقالة والإعفاء على الأسر التركية والمجتمع التركى مستقبلاً؟
- الحقيقة أن السياسات التى اتبعها الرئيس التركى جعلت الاستقطاب والانقسام موجوداً داخل الأسرة الواحدة، وهذا بالتأكيد أمر ليس جيداً لبلدنا، أن يصل الانقسام والاستقطاب إلى داخل الأسرة الواحدة.
■ إلى أين يتجه المفصولون من عملهم على خلفية محاولة الانقلاب للإنفاق على أسرهم؟
- الحكومة التركية حين تصدر قراراً بتسريح موظف بعد محاولة الانقلاب تمنع نهائياً عمله فى أى جهة أخرى، ولا يوجد جهة تقبل شخصاً يعمل لديها من أولئك الذين سرّحتهم السلطات. وهؤلاء يتجهون إلى أعمال تجارة خفيفة فى الشوارع، كبيع بعض السلع والمنتجات فى الشوارع.
■ ألا يخشى الرئيس التركى من غضب تلك الأسر؟
- «أردوغان» أصبح لديه بارانويا ويخاف من الجميع، هو لا يخاف معارضيه فقط فى الخارج، إنما يخشى المعارضة حتى داخل حزبه، وأبرز ملامح ذلك أنه أحال عدداً من قادة الحزب والمسئولين السابقين فى حزبه إلى التحقيق وأبرزهم بولنت أرينتش أحد مؤسسى الحزب ونائب رئيس الحكومة السابق، وهذه الأمور تقول إن «أردوغان» يحارب أى صوت معارض له حتى لو كان من بين أبناء حزبه.
■ وما تداعيات ذلك على مستقبل «أردوغان» نفسه فى تركيا؟
- فى قناعتى، فإن الرئيس التركى الآن يسير على خطى الرئيس العراقى الراحل صدام حسين، صدام كان ينتقم من كل معارضيه حتى أولئك الذين كانوا من أسرته وأقاربه، مثلاً قتل عدنان خيرالله شقيق زوجته، هكذا «أردوغان» انقلب على مقربيه حتى داخل حزبه، وظنى أن نهايته ستكون مثل نهاية صدام: الإعدام أو القتل.
■ لكن إخضاع الجيش للسلطة المدنية فى البلاد ليس عيباً إنما هو أحد معايير الديمقراطية.. ما تعليقك؟
- هذا صحيح، ولكن لو كان الرئيس التركى بالفعل يريد أن يصل إلى الديمقراطية، لكنه أراد إهانة وإذلال الجيش التركى، بعد المشاهد التى رأيناها لإذلال الجيش التركى، فالكل بات يدرك وكذلك العالم الخارجى، الكل يدرك أن الرئيس «أردوغان» لا يريد إصلاح العلاقات المدنية- العسكرية إنما يريد فقط القضاء على كل معارضيه، وهيكلة الجيش التركى ليأتى بجيش على هواه.
■ لكن الكل يستغرب صمت الجيش التركى تجاه محاولات الإذلال تلك؟
- الجيش التركى جيش واعٍ ومثقف، الجيش الآن يراقب الأمور، لكنه لا يستطيع النزول إلى الشوارع، لأنه يدرك أن ذلك قرار خطير وستكون له نتائج كارثية، إذ إن «الدواعش» و«المافيا» فى الشوارع ليناصروا «أردوغان»، والجيش يدرك أن نزوله الشارع يعنى تحويل البلاد إلى «سوريا جديدة»، والجيش لا يريد ذلك ويراقب الأمر لحين اتخاذ القرار المناسب.
■ لكن ربما إقالة نحو ثلث جنرالات الجيش يؤثر عليه.. ما رأيك؟
- لا، لا أعتقد أن هذا الأمر يؤثر على القوة الحقيقية للمؤسسة العسكرية، ولكن ما يحدث هو الأخطر وهو أن الرئيس التركى يريد تأسيس جيش جديد وشرطة جديدة قوامهما كما قلت من عناصر «داعش والمافيا»، وهؤلاء سيستخدمهم فى قمع المعارضين والتنكيل بهم.
■ وعلى المستوى الاجتماعى كيف هى العلاقات بين مؤيدى «أردوغان» ومعارضيه؟
- هناك غضب خارج أوساط أنصار «العدالة والتنمية»، لأن مؤيدى «أردوغان» باتوا يعتبرون أن كل من يعارضهم من «الكفار»، والشعب التركى حالياً محافظ، ويحب الالتزام الدينى. الناس باتوا منزعجين من وجود عناصر العدالة والتنمية فى الشوارع، خاصة حين ترى بعضهم يحمل السكاكين ويقف فى الشوارع. ولهذا أتوقع أن يكون هناك مستقبلاً صدام عنيف فى تركيا.
■ الحكومة التركية كانت بدأت إصلاح علاقاتها الخارجية قبل محاولة الانقلاب، إلى أى مدى تتأثر تلك العلاقات بالأحداث الحالية؟
- «أردوغان» حالياً علاقته مرتبطة أكثر بإسرائيل وقطر وإيران وروسيا، وبعض الدول الفقيرة مثل الصومال. وبالنسبة لدول «الاتحاد الأوروبى»، فإن كلها أدارت ظهرها للرئيس التركى ولا تعيره اهتماماً، بدليل مثلاً أن دولاً أوروبية كبرى مثل ألمانيا وإيطاليا وفرنسا رفضوا طلب «أردوغان» بأن يسلموا له المعارضين هناك.
■ وهل ستتأثر مفاوضات انضمام «أنقرة» إلى «الاتحاد الأوروبى» بهذه الأحداث؟
- «أردوغان» لم يعد يريد الانضمام إلى «الاتحاد الأوروبى»، لأنه بالفعل لا يوفر أياً من شروط العضوية، و«الاتحاد» أدار ظهره بالفعل له.
■ ما مستقبل التيار الإسلامى فى تركيا؟
- الإسلام السياسى بات مرفوضاً فى تركيا، أو قل الإسلام السياسى الإخوانى سينتهى فى تركيا لأنه بات مرفوضاً من قبل المواطنين، الشعب التركى كما قلت محافظ، حتى المعارضة التى توصف بأنها علمانية، فإنه وفق استطلاعات الرأى نحو 50% منهم محافظون ومثقفون وحاصلون على تعليم فوق الثانوى، بينما فى المقابل تجد أن معظم مؤيدى الحزب الحاكم نحو 80% منهم حاصلون فقط على الابتدائية.
■ تحليلات تقول إن سبب أزمة تركيا الصراع بين الإسلاميين أو بشكل صريح الصراع بين «أردوغان» و«جولن» من أجل السلطة، ما رأيك؟
- أنصار «العدالة والتنمية» يقولون إن «جولن» و«الخدمة» وراء محاولة الانقلاب الفاشلة، وخرج «جولن» وطلب تشكيل لجنة دولية للتحقيق معه فى محاولة الانقلاب وإن أثبتت الاتهامات إليه، فإنه مستعد لتسليم نفسه إلى تركيا والعودة إلى تركيا. لو كان «جولن» يخشى شيئاً ما كان ليطلب تشكيل لجنة دولية، هو طلب ذلك لأنه ببساطة ليس لديه ما يخشى منه. الحقيقة أن الحكومة التركية لا تملك أى دليل تقدمه لتتسلم «جولن» من الولايات المتحدة الأمريكية.
■ إلى أى شىء سينتهى الأمر بين «جولن» و«أردوغان»؟
- «أردوغان» يهاجم المؤسسات التابعة لحركة الخدمة ويغلق المدارس ويستولى عليها، ويحارب «الخدمة» فى كل مكان، وهو يريد عودة الإعدام، لكنه لا يستطيع القضاء على الخدمة، لأن «الخدمة» ليست مؤسسات أو تنظيماً بل هى أفكار تنبع من القلب، بالعكس حركة «الخدمة» استفادت مما فعله الرئيس التركى، لأنه كان هناك من لا يعرف من هو فتح الله جولن، الآن الكل يريد أن يعرف من هو والكل يقبل على قراءة كتبه.
■ هل تتوقع أن يكون هناك تدخل عسكرى مرة أخرى؟
- من الممكن، كل الأمور فى تركيا الآن باتت ممكنة، ولكن أنا أعتقد أنه من الممكن أن تكون هناك ثورة شعبية. وأقول سيأتى الوقت الذى سيعرف فيه مؤيدو «العدالة والتنمية» أن ما حدث ليس انقلاباً وإنما مسرحية. وأذكر هنا منذ نحو 3 أعوام كانوا لا يعترفون بوجود فساد، ولما اتضحت الأمور وتأكدوا أن هناك فساداً لدى الحزب الحاكم أقروا بذلك ولكنهم قالوا إنه محدود.