من البديهيات .. والأعاجيب فى نفس الوقت .. أن أقوى الجيوش فى العصر الحديث موجودة فى الدول التى يحكمها مدنيون!!
وبالتالى فليس عجيبا، أن تكون أضعف الجيوش موجودة فى الدول التى يحكمها عسكريون!!
أمريكا ودول أوروبا والصين والهند وروسيا، كلها دول لها جيوش عملاقة، حديثة، قوية، تمتلك أشد الأسلحة وأكثرها فتكا، تمتلك كل منها قوة ردع عسكرية هائلة، توفر لها المكانة والمهابة والتأثير فى قرارات العالم.
ومع هذا فحكام هذه الدول مدنيون، بل إن قوة جيوش هذه الدول -من وجهة نظرى- تنبع من أن حكام هذه الدول مدنيون!!
كيف هذا؟!
سأشرح لك.. الجيوش التى تتحكم فى دولها من خلال رئاسة جنرال للحكم أو «مدنى ذى خلفية عسكرية» ينتمى لهذا الجيش، تنشغل عادة بالسيطرة على مفاصل الدولة، وتبذل جهداً كبيراً فى عملية السيطرة، مما يصرفها عن مهماتها الأساسية.
عدد القوات المسلحة فى أى دولة لن تزيد نسبتها على نصف أو واحد فى المائة من عدد أفراد الشعب، ولك أن تتخيل ماهو المجهود المستنزف الذى يبذله واحد فى المائة من أفراد الشعب للسيطرة على التسعة والتسعين فى المائة الباقين؟!
هل يكون فى مقدور هذا الجيش بعد هذا أن يطور من نفسه وأن يطور من قدراته وأن يطور من خططه وأسلحته؟!
إن جيشاً يستهدف ردع الجيوش الأخرى أو حماية حدود الدولة، ستكون له إمكانيات مختلفة ومتطلبات مختلفة عن جيش يجتهد للسيطرة على دولته، وعلى الشعب الذى يجب أن يحميه!!
الجيش فى الحالة الأولى يسعى لتطوير قدرات وأسلحة خاصة به لاتوجد أسرارها عند جيش آخر أو دولة أخرى، والجيش فى الحالة الثانية لايهمه تميز أسلحته ولهذا يعيش على استيراد سلاحه من الخارج أو بمعنى أصح يستورد أسلحته من الدول التى تنتج جيوشها أحدث الأسلحة، والتى يحكمها مدنيون!!
أما الجانب المأساوى فى الموضوع، فهو أن هذا الجيش المنشغل بالسيطرة على دولته وشعبه، والذى يصبح فى النهاية جيشا ضعيفا، يحرص كل الحرص على أن يظل الشعب ضعيفا حتى تسهل السيطرة عليه!!
أى أن الجيش الضعيف، يحتاج إلى شعب أضعف!!
القوة فى أى دولة معاصرة مرهونة بأن يحكم الشعب نفسه، التسعة والتسعون فى المائة المدنيون هم مخزون القوة والعلم والصناعة والاقتصاد القادر على النهوض بالدولة، وهكذا تصب قوة الشعب فى عروق قواته المسلحة، فيقويها بدلا من أى يصب ضعف الجيش فى عروق الشعب، فيضعفه!!