كيف لذات القوى والأحزاب السياسية التى هيمنت على وضع الدستور فى 2012 أن تخالفه وتقع فى الكثير من المحظورات الدستورية وهى تعدل قانونى مجلس الشعب ومباشرة الحقوق السياسية المنظمين للانتخابات البرلمانية؟
فاليمين الدينى، والإشارة هنا هى إلى حزب الحرية والعدالة والأحزاب السلفية، وضع دستوره وشرع بعده -عبر سيطرته شبه الكاملة على مجلس الشورى صاحب الاختصاص التشريعى الاستثنائى- فى سن قوانين جديدة وتعديل قوانين قائمة دون حوار مجتمعى حقيقى مع القوى الأخرى، وفى المقدمة جاء قانون مجلس الشعب وقانون مباشرة الحقوق السياسية.
هذا اليمين الدينى وجهت له المحكمة الدستورية العليا بقرارها الأخير درساً بليغاً حول شكل ومضمون التشريع المتسق مع المبادئ والمواد الدستورية ودرساً بليغاً آخر بشأن التداعيات الكارثية لوضع دستور معيب به من التشوهات ومن التحايل ومن المصالح الحزبية الضيقة ومن الغموض ذى الخلفية السياسية الكثير والكثير.
«دستر» اليمين الدينى مصالحه الضيقة وأهدافه السياسية المرحلية، فأبقى على قاعدة 50 فى المائة من العمال والفلاحين فى تشكيل البرلمان والتى عفا عليها الزمن وتجاوزتها الحقيقة المجتمعية. وعندما حاولت أحزابه التخلص من عبء الإبقاء على هذه القاعدة فى قانونى الانتخابات، أخلت بالشروط الموضوعية بقصرها صفة العامل على من يعمل لدى الغير فى مجالات الزراعة والصناعة والخدمات واستبعادها لمجالات العمل الأخرى.
«دستر» اليمين الدينى مصالحه الضيقة ورغب مدفوعاً بجناحه الإخوانى فى إعادة إنتاج النظام السابق بفتح باب تغيير صفة النائب المنتخب من حزبى إلى مستقل أو العكس. وهنا أيضاً أوقفته المحكمة الدستورية العليا مدافعة عن حق الناخب فى أن لا يُخدع أو يتم التحايل عليه بتغيير صفة النائب بعد الانتخاب، والعودة إلى ظاهرة المستقلين المنضمين للحزب الحاكم فور انتهاء الانتخابات.
«دستر» اليمين الدينى، أيضاً مدفوعاً بجناحه الإخوانى، العقوبة الجماعية ضد نخبة النظام السابق وأدخل ولأول مرة فى التاريخ الدستورى المصرى كارثة «العقوبة بنص دستورى». واكتشف ركاكة الصياغة الدستورية (مادة العزل السياسى) ومن ثم تفريغها من المضمون الفعلى.
«دستر» اليمين الدينى رفض التمييز الإيجابى لصالح المرأة بغية رفع معدلات تمثيلها فى المجالس التشريعية وفى الحياة السياسية. ولذلك، وعندما خرج من مجلس الشورى (غير الشرعى) نص فى قانونى الانتخابات يلزم بوضع سيدة على كل قائمة انتخابية، رفضت الدستورية العليا النص هذا لغياب المبدأ الدستورى الصريح.
وفى شأن تقسيم الدوائر الانتخابية، تجاهل اليمين الدينى المعايير الموضوعية المرتبطة بتقسيم الدوائر والمتمثلة فى اعتبارات الكثافة السكانية والجغرافيا، وأراد الاستمرار على تقسيم غير عادل، إما استخفافاً أو لخدمة مصالحه الضيقة. وردته هنا أيضاً الدستورية العليا بموضوعية تقضى بعدالة تقسيم الدوائر وفقاً للكثافة والجغرافيا.
درس بليغ بشأن التداعيات الكارثية «لدسترة» الاستثناء والمصالح الضيقة والرؤية المحدودة، ودرس بليغ بشأن محدودية القدرات والأدوات التى يعانى منها اليمين الدينى وهو يترجم دستوره المشوه إلى قوانين.
والآن سيعيدون الحديث المتهافت عن الدور السياسى للدستورية العليا وعن تصفية الحسابات وعن حل المحكمة التى فصّلت لها أيضاً مادة دستورية، وكل هذا بعيد عن عين الحقيقة.
يصنع اليمين الدينى قواعد غير عادلة للعملية السياسية، من دستور مشوه وقوانين سيئة إلى انتهاكات حقوق الإنسان وأخونة الدولة، والحل فى تغيير القواعد وتعديلها وليس فقط فى المشاركة بالانتخابات.