يدرك النظام المصرى، وفى مقدمته الرئيس «عبدالفتاح السيسى»، أهمية «الإعلام» كرأس حربة فى كل معارك الدولة، من الإرهاب إلى الفساد، ومن لم شمل المجتمع فيما اصطلح على تسميته «الاصطفاف الوطنى» إلى نشر الوسطية ونبذ التعصب والتطرف.
وقد كان الإعلام المصرى، الذى لا يزال رائداً رغم انكساراته وحصاره، بقدر المسئولية وربما تجاوز دوره، ليصنع حالة «تعبئة عامة» حول وخلف ثورة 30 يونيو.. فما الذى حدث بعد ذلك؟
المفترض أن الإعلام كان لا بد أن يتكتل فى جبهتين رئيسيتين: الأولى مواجهة «الجزيرة» وقنوات الإخوان المسممة (الشرق، مكملين.. الخ).. والثانية تصحيح صورة مصر السياسية والأمنية والاقتصادية لجذب السياحة والاستثمارات مرة ثانية.
لكن بكل أسف انقسم الإعلاميون، خوفاً من سيف المعز أو طمعاً فى ذهبه، رغم أن الرئيس أعلنها مراراً وتكراراً: «لست مديناً لأحد، وليس لدىّ شىء أعطيه لأحد». أصبح لدينا فريق كل همه تصفية رموز 25 يناير باعتبارهم العدو رقم (1)، وفريق آخر فاقد للمهنية والمصداقية يعمل بأوصاف من عينة: (طبال، مخبر، رجل لكل العصور).. وفريق ثالث قضيته الوحيدة فى الحياة مضاعفة الملايين فلا مصر تعنيه ولا مستقبل الأجيال المقبلة، والرابع يتحرك مثل وحش مسعور لديه ثأر مع الجميع حتى نفسه ورفاقه لأنه كان طامعاً بقطعة من «تورتة الحكم» وتم استبعاده.. وأغلبية تقف على الحياد السلبى المميت قانعة بهامش من الوجود وراتب حكومى فى مؤسسات منهارة!!
أنا واحدة ممن يصنفون بأنهم «حملة الطبول»، أقولها بكل شجاعة: لقد خسرنا معركتنا الإعلامية يوم تشابه علينا الأعداء، واختلطت المصالح الشخصية بالصالح العام.. خسرناها يوم أن تصدّر المشهد الإعلامى منافقون وأفّاقون، واقتربوا من الرئيس تزلفاً: (يسبحون باسم مصر صباحاً، ويحصون الغنائم ليلاً)!! كان لا بد أن يتحرك الرئيس بنفسه ليدرك العالم أن «30 يونيو» كانت ثورة انحاز لها الجيش، أن يوطد بشخصه وبالثقة العربية والدولية فيه علاقات مصر، وحين تخرج مجلة «الإيكونوميست» لتهاجم مصر بعنوان قبيح: «تخريب مصر»، نجد «أحمد أبوزيد»، المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية، يرد ببيان على المجلة.. وهذا معناه ببساطة أن إعلامنا يساوى «صفراً».
لقد أصبح الإعلام (مرئياً ومكتوباً) مثل «حلقة زار» فى غرفة مغلقة على مجموعة من المجاذيب والمهووسين، تتنازعهم أمراض نفسية فيمزقون بعضهم البعض ويجرحون شرايينهم ويضحكون فى سخرية.. والجمهور اختار لنفسه «الإعلام البديل» من وسائل التواصل الاجتماعى و«يوتيوب».
لدينا مبنى مهول اسمه «ماسبيرو» يضم نحو 50 ألف موظف وتقنى وإعلامى، بقمر صناعى وقنوات فضائية، وتأثيره مثل النقش على الماء.
ولدينا أيضاً عشرات الفضائيات الخاصة، ومليارات الجنيهات تضخ الآن لتوسعة وإنشاء قنوات جديدة، القائمة بالفعل مجرد «استنساخ» لبعضها البعض، ووجوه كالحة من كثرة المكياج.
بالإضافة إلى «مكاتب إعلامية» ملحقة بسفاراتنا فى الخارج (آه والله)، و«هيئة عامة للاستعلامات».. يفترض أنها جهات تخاطب وسائل الإعلام الأجنبية وقادرة على التأثير فيه.. لكن يبدو أنها تحولت إلى مكاتب «علاقات عامة» تستضيف كبار الشخصيات المصرية حين تذهب إليهم، أو أصبحت «رحلة ترفيهية» على حساب الوطن، كل هدفها الوجاهة الدبلوماسية وادخار ما يلزم لتربية الأولاد!
ما أفهمه عن طبيعة «البعثة الدبلوماسية» أنهم جنود خارج الوطن، كل فرد فيهم مسئول عن صورة بلاده وتصحيحها إن كانت مغلوطة، وعمل «لوبى» لتحقيق أهداف بلده.. لكن اسأل أى أمريكى أو أوروبى عن فض اعتصامى «رابعة والنهضة» سيصفهما بتعبير «المجزرة».. لأن المستشار الإعلامى مهموم بفرق سعر الدولار والإجازات الدورية!
نحن أمام مشكلة حقيقية لا تحلها برامج «السحر والدجل» ولا نشر ثقافة «الفضائح» وبرامج «التسول».. مشكلة تلعب فيها «فلوس الإعلانات» دوراً ملموساً وأحياناً مشبوهاً، لتفرض علينا نمط إعلام (5 مواااااه ورامز بيلعب بالنار).
هذه المشكلة تحتاج إلى قانون لتنظيم حلبة الإعلام وموقف من الدولة، لا يعنى الرقابة بالطبع، ربما نصل فى النهاية ولو إلى برنامج واحد -ولا أقول قناة- يخلق وعياً، أو يبسط للناس قرض صندوق النقد الدولى ويشرح لهم أسباب زيادة فواتير الكهرباء.
أتعشم أن تؤدى زيادة أسعار الكهرباء لغلق التليفزيونات لنستريح ونريح!!