لميت تمن «التورتة» عشان عيد ميلاد «طاهر» ورجعت لقيته مات محروق مع إخواته
تبادلت «أميرة» نظرة سريعة وحاسمة مع زوجها «علاء» وأحكمت قبضتها على صورة فوتوغرافية قبل أن تضمها إلى صدرها.. وتدير ظهرها لترحل دون أن تنطق بكلمة.. غادرت المكان فى شارع عبدالجواد أمين بالساحل، بلا وجهة، تقلب أمام عينيها صورة أطفالها الثلاثة، الذين تفحمت جثثهم فى حريق التهم عشتها التى تقيم بها أعلى عقار بالمنطقة.. انهمرت دموعها جارفة، وفى سرها صبت اللعنات على زوجها: «يرتاح بقى مش كان عاوز نرميهم فى ملجأ علشان المصاريف.. خلاص النار كلتهم».[Image_2]
تصرخ «أميرة» 33 سنة، وسط الشارع، وهى تحدق فى الصورة بعينين غائبتين وراء الدموع، وتشير للصورة بإصبعها «ده طاهر وده كريم وده أخوه التوأم كرم.. كلهم حلوين.. أحسن من بعض، بس طاهر كان عايز تورتة فى عيد ميلاده وخلاص لميت تمنها وكنت هجيبها.. والله أنا متأخرتش عليه.. هو اللى سابنى وراح».[Quote_1]
فوق سقف العقار، وبين أطلال عشتها المحترقة، تقضى «أميرة» لياليها تحت موجات البرد القارس.. تناجى أطفالها واحداً تلو الآخر بصراخ يشبه العويل تحدثهم واحداً واحداً.. يشح نور عينيها فى العتمة فتنهض، تتأمل صغارها فى شعاع ضوء شارد، تنتبه والدتها «باتعة» إلى حالها: «يا بنتى حرام عليك نفسك.. البرد والبكا هيموتوكى» لا تلتفت إليها لكنها ترد ببحة فى صوتها: «نارهم فى قلبى يامه حارقة بدنى كله».
أميرة تبث «الوطن» أحزانها وتقول إنها اعتادت ترك أبنائها مع والدتها والذهاب إلى عملها، حتى فوجئت يوم الواقعة باتصال هاتفى من أحد جيرانها يخبرها باشتعال النيران فى غرفتها، فأسرعت إلى المنزل فلم تجد سوى آثار الرماد المتبقية من الحريق، صرخت فى رجال الحماية المدنية وجيرانها «ولادى فين؟» ثم سقطت على الأرض فاقدة الوعى بعدما تأكدت من احتراقهم.
بعد نصف ساعة كانت خلالها غائبة عن الوعى توجهت إلى مشرحة زينهم لتلقى نظرة الوداع على جثامين أطفالها داخل ثلاجة الموتى.. «المشهد كان فظيعاً والإصابات التى لحقت بهم خلعت قلبى، أجسادهم كانت محترقة بالكامل».[Quote_2]
«كنت أعمل طوال الشهر نظير 400 جنيه» تهرب أميرة بهذه الكلمات من استعادة مشهد أبنائها فى المشرحة، وتبدو غاضبة وهو تضيف أنها اضطرت لذلك بدلاً من إيداع فلذات أكبادها فى ملجأ، كما طلب منها زوجها كلما طلبت منه مساعدتها على تربية أبنائهما، وبالرغم من أنها كانت تعانى من صعوبة عملها الشاق كعاملة نظافة فى معرض سيارات طوال 12 ساعة يومياً، لكنها كانت تشعر بالمتعة كلما شاهدت أطفالها يلعبون أمامها ويرتمون فى حضنها فى نهاية كل يوم، وفضلت أن تعمل فى يوم راحتها خادمة فى المنازل لتوفر لهم بعض احتياجاتهم، فضلاً عن أن أنها ملزمة بدفع 150 جنيهاً شهرياً إيجار عشة خشبية مساحتها 4 أمتار تقيم فيها مع أطفالها ووالدتها.
وتصب «أميرة» اللعنات على زوجها علاء صبرى قبل أن تتحدث عنه بقولها إنها تزوجت منه منذ 8 سنوات وأنجبت منه نجلهما «حربى» لكنه توفى بعد 6 أشهر بسبب معاناته من نزلة معوية حادة، وبعدها بقرابة عام أنجبت طفلها «طاهر» الذى ملأ حياتها بالسعادة، وبعد عامين أنجبت التوأم كريم وكرم، ثم بدأت الخلافات مع زوجها الذى انقطع عن العمل وطلب منها إيداع أطفالها فى ملجأ لعدم مقدرته على الإنفاق عليهم، لكنها رفضت وفضلت أن تعمل خادمة فى المنازل حيث تقوم بتنظيف سلالم عقار مكون من 5 طوابق بـ5 جنيهات، وعندما تزايدت عليها أعباء أبنائها بحثت عن عمل آخر، حتى استقر بها الحال فى معرض سيارات بمنطقة شبرا الخيمة.[Quote_3]
أصبحت هى «راجل البيت» بعدما انقطع زوجها عن زيارة أبنائه، لكنها سخرت حياتها لخدمتهم ورعايتهم، حتى علمت بالخبر المشئوم باشتعال النيران فى غرفتها، بعدما تركت والدتها الأطفال الثلاثة وذهبت لإحضار الطعام لهم وعادت فلم تجد سوى آثار الحريق الذى دمر كل شىء فى حياتها.. «ولادى صغيرين ماعرفوش يهربوا وماتوا.. ماتوا محروقين».