«الفرماوى»: صراخ «أنا مقتلتش» أنقذه من «الإعدام» قبل التنفيذ
فى عام 2002 كان اللواء عمر الفرماوى، مدير أمن أكتوبر السابق، يشغل منصب مدير مباحث السجون برتبة عميد، لا يزال حتى الآن يذكر تلك الواقعة التى لا تفارق مخيلته رغم مضى سنوات عليها.. والتى بدأت من سجن بنها العمومى بصراخ لأحد المتهمين قبل أيام من تنفيذ حكم الإعدام فيه بتهمة القتل والاغتصاب: «أنا برىء.. والله العظيم برىء وماستاهلش الإعدام».
اللواء الفرماوى يتذكر ويحكى لـ«الوطن»:
فى عام 2002 كنت أشغل منصب مدير مباحث قطاع السجون، وكان من مهامى المرور على سجون الجمهورية بشكل منتظم لمتابعة الحالة الأمنية داخلها، والتأكد من انتظام العمل كما ينبغى، وفى إحدى المرات، كنت فى جولة بأحد السجون بمنطقة دمياط، ولفت انتباهى صراخ متواصل لأحد المتهمين: «والله العظيم أنا برىء أنا مقتلتش حد..».
سألت عن صاحب هذا الصراخ المتواصل، فقالوا لى إنه محكوم عليه بالإعدام بتهمة القتل والاغتصاب وسينفذ الحكم بعد أسبوع، وأكدوا أن صراخه بهذه الكلمات لا ينقطع منذ صدور الحكم، وأنها ربما تكون حيلة للإفلات من حبل المشنقة.
وفى طريقى إلى المنزل لم ينقطع صراخ المتهم، كان صوته يدوى فى رأسى بشكل غريب وبإلحاح لم أتمكن من الهرب منه.. وفكرت هل يكون بريئاً فعلاً؟ لكننى عدلت عن ذلك وقلت فى نفسى: «كلهم بيعملوا كده.. إيه الجديد؟»، لكن صراخه ظل يطاردنى كظلى أينما ذهبت لدرجة أننى عندما كنت أذهب إلى أحد السجون كنت أترقب سماع صراخه.
وفى أحد الأيام كنت فى سجن بنها العمومى، كنت أتجول فى الطرقات، حتى فاجأنى الصوت عميقاً وباكياً ومعذباً هذه المرة.. كان إلى جوارى أحد الضباط الذى بادر من نفسه: «ماتشغلش دماغك يا باشا.. أصلهم هينفذوا فيه حكم الإعدام قريب»، فسألت عن سبب نقله لسجن بنها فقال: «جاى فى قضية وهنرجه تانى عشان تنفيذ الحكم».
وعندما هممت بمغادرة السجن سألت نفسى: «وفيها إيه لما أسمعه؟» وبالفعل عدت، وطلبت فتح الزنزانة، ولن أنسى نظرته عندما شاهدنا كانت عيناه تحدقان فى عينى بعمق غريب وبدا كانه يتساءل: «يااااااااه أخيراً جيت».
حكى لى عن الواقعة، وقال إنه يدعى «م.أ» من إحدى قرى دمياط، وتم القبض عليه واتهامه فى قضية قتل شاب واغتصاب زوجته، وأن اللغز فى تشابه اسمه رباعياً مع اسم المتهم الحقيقى الذى تسبب له فى مشاكل لا حصر لها، وطلب للتأكد من صدق كلامه إعادة مضاهاة البصمات ومواجهته بالمجنى عليها.
أخطرت الأمن العام فى نفس اليوم بما سمعته وتم تكليف اللواء أحمد جمال الدين وزير الداخلية السابق وكان وقتها يعمل بالأمن العام لمعاونتى فى حل اللغز وبالفعل حققنا فى الواقعة وألقينا القبض على المتهم الحقيقى الذى انهار أثناء مواجهته بالمجنى عليها واعترف ثم توصلنا لبصمة تتطابق مع بصمته فى مسرح الجريمة وقدمناه للمحاكمة التى قضت بإعدامه وأخلت سبيل المتهم الذى لم يمل من الصراخ.