إبراهيم كابان في حواره لـ"الوطن": تركيا تقوم بمهمة شرطي المنطقة لصالح أمريكا وتخشى تقدم الأكراد
المحلل السياسي الكردي إبراهيم كابان
قال إبراهيم كابان، المحلل السياسي بالمركز الكردي للدراسات في ألمانيا، إن الهدف الرئيسي من العملية التركية "درع الفرات" هو وقف تقدم قوات سوريا الديمقراطية، حيث إن تركيا كانت تقوم بمهمة الشرطي في المنطقة لصالح الأمريكيين والغرب طيلة العقود الأربعة الماضية، وهي عضو في التحالف الدولي ضد داعش بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
وأضاف كابان في حواره لـ"الوطن" أن قوات سوريا الديمقراطية وضمنها وحدات حماية الشعب الكردية لم تخسر أو تتراجع عن محاربة تنظيم "داعش" في المناطق التي حررتها.
وإلى نص الحوار..
- صف لنا الأوضاع الحالية في بلدة جرابلس؟
بعد انسحاب داعش من البلدة ودخول الكتائب المسلحة برفقة الجيش التركي دون اشتباكات في عملية استلام وتسليم بين "داعش" والأتراك، توجهت هذه القوات بشكل فوري إلى المناطق الجنوبية للبلدة، وبدأت في الاشتباك مع قوات المجلس العسكري لمدينة منبج المدعومة من وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية التي حررت المنطقة من تنظيم "داعش" الإرهابي، وقد تمركزت الدبابات التركية وسط البلدة وجنوبها، فيما بسطت الكتائب المسلحة بقيادة الجبهة التركمانية ولواء سلطان مراد التركماني وجيش الفتح، وجبهة النصرة وأحرار الشام، سيطرتها على جرابلس وحولتها إلى مركز لتحركاتها واشتباكاتها في المناطق الجنوبية.
وللمعلومة فإن معظم مقاتلي الكتائب التركمانية هم أفراد متطوعين من تركمانستان وأذرربيجان وغيرها وفق التقارير الإعلامية، تم تدريبه من قبل الأتراك خلال الشهور الماضية.
كما شهدت البلدة عودة بعض العوائل النازحة سابقاً إلى تركيا، والبوابة الحدودية بين تركيا وجرابلس لم تغلق طيلة السنوات الخمسة الماضية حتى في ظل سيطرة داعش على المنطقة.
- ما توقعاتك لسير العمليات العسكرية في الشمال السوري خلال الأيام القليلة القادمة؟
من الواضح أن "أردوغان" والنظام السوري برعاية روسية وإيرانية اتفقوا على نقطة أساسية سيتحركون وفقها خلال المرحلة القادمة، وهو تخلص الأتراك من المعارضة السورية في توجيههم إلى محاربة الأكراد، في عملية استنزاف المعارضة خدمة لنظام بشار الأسد، وفي المقابل قيام نظام الأسد بالاشتباك مع الأكراد والطلب من الروس عدم حمايتهم أو على الأقل عدم منع الأتراك من التوغل في الأراضي السورية، وكانت المواجهات العنيفة التي استخدم فيها النظام السوري الطيران الحربي قبل أسبوع في الحسكة مؤشر لهذا الاتفاق، وفي ذلك الأتراك والنظام السوري والإيرانيين لديهم مصلحة مشتركة ضد الأكراد لوجود القضية الكردية في تركيا وإيران.
وأتوقع أن تدفع تركيا بالمعارضة السورية وزجها في قتال مع الأكراد، وهي عملية استنزاف شاملة للمعارضة المسلحة، وبما إن معظم المعارضة السورية بما فيها الإخوان المسلمين وكتائبها- الجماعات المتطرفة- والكتائب التركمانية، يتم دعمها وتوجيهها من تركيا فإن عملية استنزافها والخلاص منها بات مشرعاً أساسياً، ويتم تنفيذ ذلك برعاية روسية والنظام السوري والإيرانيين.
وأعتقد أن ريف ومدينة منبج ستشهد مواجهات عنيفة بين المتطرفين المدعومين من الأتراك ومقاتلي المجلس العسكري لمنبج والتي هي جزء من قوات سوريا الديمقراطية.
- لماذا تدخلت تركيا في هذا التوقيت بالتحديد عسكريا في سوريا؟
ببساطة لأن الهم التركي الوحيد هم الأكراد وتطور وضعهم في شمال سوريا، رغم إن المشروع المطروح من قبل الأكراد ليس مشروعاً قومياً أو انفصالياً، بل وإن الأكراد أثبتوا من خلال تأسيس قوات سوريا الديمقراطية المشكل من "الكرد والعرب والمسيحيين والتركمان والجركس"، مطالبتهم بوحدة سوريا، ومنع التقسيم، وعدم السماح بالاحتلال والتداخل الخارجي، وثبت إن الأكراد هم الوحيدين في سوريا الذين ينطلقون من قوتهم الذاتية على عكس النظام الذي استعان بالإيرانيين والروس والمعارضة التي استعانت بالأتراك ودول عديدة.
وسنلاحظ إن تركيا التي تدعم المعارضة ضد النظام قد اتفقت مع روسيا التي تدعم النظام وتشارك في قتل الشعب السوري، فهل يمكن لتركيا التي أصبحت شريكة القاتل أن تدافع عن مصالح الشعب السوري، وهل التدخل العسكري التركي سيحل المسألة بالنسبة لدعم المعارضة، فأين كانت تركيا خلال الأعوام الخمسة الماضية والشعب السوري يتعرض للمجازر والبراميل المتفجرة والقصف بكافة أنواع الصواريخ والطيران، وما زالت تستمر في حلب حتى اللحظة وضحاياه يومياً عشرات الأطفال.
تركيا أعادت علاقاتها مع الروس في الوقت الذي تنفذ فيها الطائرات الروسية القصف والتدمير والقتل في حلب، لهذا فإن قضية التدخل التركي إنما جاء لمحاربة الأكراد السوريين، والغريب إن شركاء الوطن بدل أن يدافعوا عن إخوتهم الأكراد اليوم يركبون الدبابات التركية لاحتلال أرضهم ومحاربة الأكراد.
- كيف ستعوض وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية ما خسرته خلال الأيام الماضية؟
في الواقع إن قوات سوريا الديمقراطية وضمنها وحدات حماية الشعب الكردية لم تخسر أو تتراجع عن محاربة "داعش" في المناطق التي حررتها، وإن كنتم تقصدون مدينة منبج والمئات القرى التابعة لها، فإن مهمة قوات سوريا الديمقراطية كانت تحرير هذه المدينة وتسليمها إلى مجلس عسكري ومدني من أبناء المدينة وريفها، وهذا ما حصل بالضبط، وفي المقابل فإن الوحدات الكردية قادت حرباً لأسبوع كامل في مدينة الحسكة ضد النظام السوري وانتهت ببسط الوحدات سيطرتها على كامل المدينة، ما عدا بعض المباني الحكومية التي يتمركز فيها محافظ الحسكة.
وخلال عشرة الأيام الماضية تحققت انتصارات كبيرة حول منبج باتجاه الغرب وأقصد ريف مدينة الباب إلى جانب الريف الجنوبي لمنبج، وهي جميعها انتصارات تسجل لقوات سوريا الديمقراطية وضمنها وحدات حماية الشعب.
- هل تسعى تركيا لعزل قوات الجيش النظامي السوري عن الحدود معها وتثبيت الجيش الحر؟
ليس للنظام السوري وجود عسكري وسيطرة على الحدود مع تركيا منذ ثلاث أعوام، والهدف الرئيسي من العملية التركية هو وقف تقدم قوات سوريا الديمقراطية، ولو أرادت تركيا مساعدة الجيش الحر خلال الأعوام الثلاثة الماضية لاستطاع تحرير مدينة حلب وحمص وما بينهما، ومن هنا نفهم الهدف التركي في احتلال جرابلس.
- ما هي فصائل الجيش الحر التي تسيطر على شمال سوريا حاليا؟
الحدود السورية مع تركيا تمتد من نهر دجلة شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً، يسيطر الأكراد على مسافة 70% بينما المعارضة و"داعش" وجبهة النصرة، وفتح الشام، على 30% وهي المسافة بين جرابلس وأعزاز 70 كلم، بينما سيطر جبهة النصرة في مسافة قليلة بين لواء الإسكندرونة وإدلب.
كما أن الفصائل الموجودة في هذه المساحات هي فتح الشام و جبهة النصرة و أحرار الشام ، ولواء السلطان مراد التركمانية، وكتيبة محمد الفاتح التركمانية، وكتيبة السلطان عبد الحميد التركمانية، وفيلق الشام، والفرقة الأولى، وجماعة اعتصموا بحبل الله، وكتائب أحرار الباب، ولواء عاصمة الشمال، وجماعة فأستقم، والجبهة الشامية جيش الشمال، وكتيبة نور الدين الزنكي التركمانية، وجيش السنة، ولواء الحمزة، وكتائب صقور الجبال، والمجلس العسكري لمدينة الباب، وكتائب أحرار جرابلس، وكتائب أحرار منبج، وهناك عشرات الفصائل والكتائب والألوية الصغيرة تنتشر في الأرياف.
وتسيطر الجماعات المتطرفة على 50% من هذه الكتائب، بينما تسيطر جماعة الإخوان المسلمين السورية على نسبة 45% من نسبة الكتائب، كما أن الكتائب والجماعات التركمانية 5% والتي عدد كبير من مقاتليها متطوعي الأتراك وتركمانستان.
وهذا ما نلاحظه من خلال الشريط الأحمر والأزرق الذي يربطه عناصر هذه الكتاب عند دخولها إلى مدينة جرابلس، ورفعهم لأعلام حمراء مكتوب عليها الشعارات العثمانية.
- هل تسرع الأكراد في إعلانهم للفيدرالية؟
وهل يستطيع السنة في سوريا التعايش مجدداً مع العلويين بعد زج النظام بالعلويين في آتون المذابح بحق السنة، وفي المقابل قيام الجماعات المحسوبة على السنة بارتكاب الفظائع في سوريا مثل داعش وجبهة النصرة، وغيرها، كما إن سوريا عملياً مقسمة بين المكونات المتصارعة، ولو نظرنا إلى الخارطة السورية سنجد طبيعة التوزيع السكاني والجغرافي السوري يبرز طبيعة الاستحواذ والسيطرة لكل مكون سوري على منطقة ولديها قوة ومسلحين.
وما تعانيه سوريا من صراع عميق بين المذاهب وعمق الخلاف والمجازر التي حصلت يخولنا إلى طرح فكرة "فدرلة" سوريا والاتحاد بين شعوبها في صيغة يجمعهم داخل حدود الوطن الواحد، وإنقاذ سوريا من شبح التقسيم.
إن خارطة الطريق الحل المطروح من قبل الأكراد والقوى المتآلفة معها في شمال سوريا هو الطريق نحو إعادة اللحمة والتآلف والتماسك والتعايش السلمي وتكريس مبدأ أخوة الشعوب، وهو محاولة كردية لقطع الطريق أمام محاولة تدمير سوريا وتقسيمها إلى دويلات.
وما تم الإعلان عنه ليس فيدرالية وإنما خارطة حل تم طرحه من قبل الأكراد والقوى العربية والأشورية والتركمانية الحليفة لهم، وقد تم طرح فكرة الفدرالية كحل للوضع السوري وعلى أساس تم تكليف لجنة لصيغة وخلق الارضية والمسائل المتعلقة بها خلال ستة أشهر.
- ما سر تفوق الأكراد على "داعش" في سوريا والعراق؟
المقاتلين الأكراد في سوريا والعراق ينطلقون من منطق حماية والدفاع عن الأرض والشعب من الإرهاب والأنظمة الاستبدادية، وخلال قرن كامل واجه الأكراد كافة أنواع التنكيل والإنكار لحقوقه، وما تشاهدونه الآن من بطولات يسطرها هذه القوات هو سليل كفاح لعقود وميراث ثوري ونضالي أوجد شخصية المقاتل الكردي الشجاع الذي لا يهاب الموت ولا يعرف الخسارة، كما إن الأكراد قارعوا الأنظمة الاستبدادية في المنطقة لعقود طويلة، ولهم تجربة جيدة في خوض الحروب والمواجهات المتنوعة.
وعندما يكون لديك الإرادة والعزيمة وروح الفداء من أجل حماية الأرض والشعب فإنك لا بد أنت تنتصر، لهذا جميع المحاولات التي أقدمت عليها تنظيم داعش الإرهابية باءت بالفشل، رغم إن أكثرها كانت مفتعلة من قبل الأتراك، وخاصة في سوريا حينما دفع الأتراك بالدواعش إلى مهاجمة كوباني لاحتلالها، ويؤكد لنا ذلك التحركات التركية وخطاباتها وخططها في محاربة الأكراد في سوريا علناً.
- لماذا تساند الولايات المتحدة الأكراد وترحب في الوقت ذاته بالتدخل التركي؟
تركيا كانت تقوم بمهمة الشرطي في المنطقة لصالح الأمريكيين والغرب طيلة العقود الأربعة الماضية، وهي عضو في التحالف الدولي ضد داعش بقيادة أمريكا، وأكبر دولة عسكرية داخل حلف الناتو، كما إنها على علاقات قوية مع إسرائيل، وإن كانت الولايات المتحدة في السنوات الأربع الماضية تمنع الأتراك في التدخل عسكرياً إلى سوريا كانت الغاية منها حماية النظام السوري، والبقاء على التوازن بين المعارضة المسلحة والنظام، حتى يستمر الصراع السوري وتدمر البنية التحتية في سوريا، وتسهل عملية نشر الفوضى خلاقة التي بات واضحاً من وجه الصراعات الجارية في الشرق الأوسط.
وقد قامت روسيا بمهمة منع الأتراك بعد إسقاط الطائرة الروسية وتهديدها من القيام بأي فعل عسكري، وكل ذلك جاء لمصلحة البقاء على نظام الأسد، وبذلك فإن الأمريكيين لا يريدون أن يخسروا تركيا في هذه المرحلة وبنفس الوقت لا يريدون خسارة الأكراد أيضاً بعد أن ثبت الأكراد جدارتهم في محاربة المنظمات الإرهابية، ولعل إرضاء الأتراك والأكراد بحاجة إلى عملية ديناميكية ذكية، وهو ما يظهر لنا عملية تبادل الأدوار بين الروس والأمريكيين وإدارتهم وتقاسمهم لجميع المناطق والأحداث في سوريا.