مررنا بالكثير سوياً بعد ٢٥ يناير، سنوات صعبة اجتزنا خلالها الكثير، وكشأن جميع الثورات، دائما تتلوها الأزمات، محنة تلو الأخرى، صعاب كثيرة، لأسباب مختلفة، أيام ليست بالسهلة أبداً، مشاكل اقتصادية، وأخرى أمنية أو مجتمعية، أعداء بالخارج والداخل تتربص وتستعد لاقتناص الفرص، اختلفت مواقفنا وأقوالنا، تباين سلوكنا وفعلنا المجتمعى والسياسى.
وكما يوجد أشرار يتربصون بالوطن ويريدون الإيقاع به، يحملون غلاً وحقداً دفيناً وثأراً عضالاً، يوجد أيضاً أبناء شرفاء، لا يعنيهم إلا بلادهم ونجاتها من أى أزمة وخروجها من أى هم، أناس لا يعنيهم إلا رفع علم البلاد وراحة العباد، لا خطط لديهم ولا أجندات ولا توجهات، فقط تقدم مصر ونجاتها وسلامتها من كل شر، أناس عاديين من الطبقات الاجتماعية والثقافية المختلفة، لا يشغلهم تصيد الأخطاء، أو حتى إحصاؤها أو تلفيقها، وليسوا كذلك مهتمين بالنفاق والرياء السياسى، بل هم مصريون معتدلون.
هؤلاء المخلصون يَرَوْن أن البلاد تمر بمنعطفات كثيرة وظروف صعبة تطال الجميع، وبأننا جميعاً بذات المركب، لكن كم منا يفهم هذا المعنى!!! عندما تعلو أصوات الصادقين بأن هناك نقاطاً معينة من شأنها تعطيل أى إيجابيات تحدث بل والتغطية عليها، يجب الاستماع لهم، بروح سمحة وذهن صاف من أى إيعازات من أهل المطامع.
المخلصون يتربص بهم المتحذلقون، المزايدون على الوطن والوطنية، وهم قسمان: منهم من كانت أصواتهم وقت الخطر مكبلة وربما مأجورة!! (واليوم هم ينافقون السلطة إما طمعاً أو خوفاً)، ومنهم المزايدون الذين تولدت لديهم هواجس وهلع لا منطقى (من نقاش السلبيات)، وكأن النقد هو كفر وبهتان وعدوان!! وبهذا يعمل كلا القسمين على تضليل صاحب القرار وإيغار صدره ضد أصوات العقلاء!!
إن الحليف الحقيقى، هو من يرى السلبيات ويقترح الخروج منها وإصلاحها، وليس من يدلس كى ينال الرضا والقرب!! أو من كان خائفاً مذعوراً من فكرة النقاش أساساً، المواطن الصالح هو من لا يتهم من يخالفه فى الرأى باتهامات جزافية، وينعته بعدم الوطنية!
إن المزايدة على الوطنية والتقليب بالنوايا، لا يبنى أوطاناً، بل يخلق جواً من التوتر والحقد بين أبناء الشعب الواحد، ويدعم البغضاء والعدوانية اللتين استشرتا أثناء الخريف العربى الملعون،!! فليس كل منتقد كارهاً، وليس كل مختلف مخالفاً.
الوطن يواجه الكثير، نعلم!، لكن هناك الكثير أيضاً الذى لا نعلمه، والجهل المطبق مؤذٍ، وبما أن إعلان التفاصيل غير ممكن، كوننا بالنهاية وطن كبير أعداؤه كثر، إذاً ليكن الأمر عواناً بين ذلك، المعرفة بالقدر الذى يسمح للمواطن بتقبل قرارات ربما أزعجته لعدم معرفته بسبب إقرارها، والتى لو شرحت له ربما تقبلها بل وأعان على تنفيذها بنفسه.
إن المواطن الناقد بمنطقية وحياد بنّاء كنز ثمين، وصدقه مكسب كبير ورؤيته سند حقيقى، أما (كدابين الزفة) فهم يغرقون ولا ينقذون، المزايدين على الوطن والوطنية أبواق فارغة تصفر بالخواء، تضيع الوقت وتبعثر الأفكار وتصيب أصحاب الجهد والعزم والإصلاح بالإزعاج والضجر وخيبة الأمل.