الحديث عن المستقبل والمطالبة به وتقديم الشروط لتحقيقه يتساوى فيه الجميع، بينما الفعل والكلام يعزف نغمة اليأس من هذا المستقبل.
نتحدث عن المستقبل ولا نتحرك نحوه، بداية من النخبة إلى القاعدة، فإذا كانت النخبة تتحدث عن الديمقراطية والفصل الواضح بين السلطات وأنه على كل طرف تحمل مسئوليته وفق صلاحياته فى التركيبة السياسية فهذا الحديث يصبح مغايراً فى الأزمات فنجد هؤلاء النخبة يتوجهون نحو شخص واحد وهو الرئيس، وبالتالى يعتبرونه مسئولاً عن كل شىء.
أغلب النخب لا تصدق أن تداول السلطة يمكن أن يصبح أسلوب حياة وتبقى الدولة مستقرة، نحن لا نصدق التغيير الطبيعى للرؤساء، نحن نمارس المعارضة على أنها سقوط دولة وسقوط نظام مع حتمية الثورة.
البعض يتعامل مع فشل الحكومة على أنه فشل دولة، على الرغم من أنه فى أعتى الدول تأتى حكومات فاشلة ثم تقال وتأتى غيرها وتفشل وتتغير دون أن تفشل الدولة ولكننا لا نصدق.
نحن نعيش سلفية سياسية وسلفية اجتماعية، فالأغلبية منا أسرى لتجارب سابقة والتغيير لدينا لا يحدث بشكل طبيعى فإما أنه قضاء وقدر أو ثورة.
نحن أسرى ومعقدون ولا نساعد أنفسنا للخروج من هذا الأسر. الصراع لدينا دائماً صراع حياة أو موت، لا ندرك أن المعارضة أو الرفض والتغيير، آليات عادية فى أى دولة مستقرة.
ولكن هذا التغيير لدينا يتحول لكارثة نعود بعدها إلى نقطة الصفر ونبدأ من أول السطر وربما لا نجد السطر.
وعلى مستوى الممارسة السياسية هناك حضور طاغٍ لاستخدام «كان» دون أخواتها، وهناك من يستدعى تجربة جمال عبدالناصر وتبقى وحدها الحاضرة فى تفكيره ويستشهد بها على كل شىء كما لو كان عهد عبدالناصر أو عبدالناصر نفسه هو المفتى السياسى لأنصاره دون النظر بموضوعية للإيجابى فيها بحيث نأخذ منها ولكن لا نكون أسرى لها والشىء ذاته مع السادات، وهناك من يستشهد بأدبيات الديمقراطية وثراء الحياة السياسية فى العهود الملكية، وكل هذه الأشياء تؤكد أننا أسرى السلفية السياسية ونملك مخزوناً احتياطياً من اليأس فى المستقبل وبالتالى فلا أحد يتحرك نحو المستقبل بإيمان وثقة وإرادة أنه سيكون الأفضل ونحن نعيد إنتاج الماضى ونقف عنده.
على المستوى المجتمعى لدينا نفس السلفية، فالزمن الماضى الذى نسترجعه طوال الوقت ونغمة «كنا وكان» هى الأجمل بيننا.
نحن طوال الوقت مشدودون للخلف وكأن الجميل هو فقط وراءنا وليس أمامنا.
نحن فى حالة سلفية على جميع المستويات، وصحيح أننا فى ظروف استثنائية وأزمات مستمرة، ولكن المؤكد أن لدينا مجموعة من العقد تضخمت حتى أصبحت السلفية عقدة تاريخية تعيد انطلاقنا للأمام،
فالمواطن البسيط الذى يرزح تحت أعباء وضغوط جسام يكتفى بحالة اليأس من المستقبل دون أن ينتبه أن له دوراً على الأقل بعمله أو سلوكه وأدائه اليومى.
فكما تفعل النخب يفعل المجتمع البسيط دون أن ينتبه الجميع أن لديه مسئولية رئيسية فى تغيير الحاضر والمستقبل، فكل مواطن يعتبر نفسه ضحية الواقع وليس سبباً فيه.
المؤكد أن الأزمات الاقتصادية والسياسية المسئولية السياسية فيها للحكومات والأنظمة، ولكن المؤكد أن الشعب له دور كبير أيضاً فلا يوجد شعب مستنير ولديه أزمات سياسية واجتماعية، ولا يوجد شعب عامل ولديه أزمات اقتصادية، نحن نتعامل بنظرية «مفيش فايدة»؛ لأننا نجيد الندب وأحياناً الغضب ومؤخراً الهدم، فهذا ما نجيده بل ونجود فيه.
تحولنا إلى دور المراقب وكأننا لسنا جزءاً من المشكلة، يستريح البعض لدور المعلق على مباراة رياضية لا يرى فيها سوى طرف واحد هو الحاكم والحكومة، والبعض الآخر يفضل الجلوس فى مقاعد الجماهير يهتف أو يصرخ أو يصنع الشغب ويعيث فى الأرض هدماً وعنفاً.
ثم ندخل جميعاً الاستوديو التحليلى كل ليلة وكأننا خبراء فى جميع التخصصات وفى اللاوعى، نحن لا نصدق أن مستقبلاً أجمل سوف يأتى، ربما كانت حرب 73 من اللحظات النادرة فى تاريخ مصر التى صدقنا فيها أنفسنا وامتلكنا هدفاً، وعندما صدق القول العمل مع العلم والإرادة والإدارة استطعنا الخروج من هزيمة خانقة ومدمرة ونحن الآن فى نفس اللحظة مؤامرات دولية ورغبات شريرة إما وطن أو تقسيم، تنوير أو ظلام، ولكننا لا نمتلك إرادة وعلم وعمل ووعى وروح 73.
نحن لدينا تحالف اليأس والاستسلام مع طغيان السلفية فى كل شىء وليس لليائس وطن..