شون الغلال.. منطقة تجميع القمح مع السويس والفئران
تلال القمح المتناثرة بين بقايا رصات أجولة القمح، التى تأبى الصمود فى مواجهة هجوم شرس يشنه الإهمال والفساد، تتزايد بتساقط حبات القمح المستمر من شكائر بلاستيكية ممزقة على أرض ترابية، ليصبح المخزون الاستراتيجى ملعباً للأطفال وغذاء للفئران والحشرات، التى تستغل تلال القمح الملقاة فى العراء، تحاصرها أسلاك شائكة لا تحمى من القمح شيئاً، وتكتفى بفصله ظاهرياً عن أراضٍ زراعية تغمرها المياه، حتى تحولت الشونة إلى تلال صفراء لونها قطعاً لا يسر الناظرين، أسفلها ممزوج بالأتربة ومياه الرى، وأعلاها بمياه الأمطار المتساقطة فى الشتاء.[Quote_1]
مشهد يتكرر على طرق وقرى محافظة الشرقية، يكشف عن مدى الإهمال الذى يتعرض له المخزون الاستراتيجى من القمح، الذى تعجز الدولة عن تحقيق الاكتفاء الذاتى منه، ويكتفى مسئولوها بالتحدث عن زيادة إنتاج مصر من القمح بعد الثورة. محافظة الشرقية التى يتباهى مسئولوها بالزيادة التى شهدتها هذا العام، ونسوا أماكن التخزين الشون الترابية الكفيلة بإهدار وتدمير أضعاف الزيادة القمحية التى يعلنون عنها، حيث تركوا المخزون الاستراتيجى الذى لم تتجاوز شهور تخزينه أصابع اليد الواحدة، ليواجه هجوماً سداسياً تشنه الحشرات والفئران والطيور والأتربة والرطوبة والإهمال، وأصبحت الشون تمثل كارثة تهدد بفساد مخزون القمح الاستراتيجى، الذى يتجاوز نصف مليون طن، فى ظل تغاضى الجهات المسئولة داخل المحافظة وخارجها.
تضم محافظة الشرقية 12% من زراعات القمح على مستوى الجمهورية، حيث تأتى على رأس محافظات مصر فى زراعة القمح، وتمكنت المحافظة من زيادة زراعتها من محصول القمح العام الحالى، حيث قدرت مديرية الزراعة بالشرقية الزيادة، حسب وكيلها حمدى العاصى، بـ35 ألف فدان قمح زيادة عن العام الماضى، الذى لم تتجاوز فيه مساحة الأرض المزروعة بالقمح على 401 ألف فدان، بينما العام الحالى وصلت الأراضى المزرعة 436 ألف فدان. وزادت نسبة إنتاج فدان القمح بالمحافظة إلى 20 أردباً بدلاً من 18 أردب قمح العام الماضى.
وانتقد حمدى العاصى، وكيل مديرية الزراعة بالشرقية، فى تصريحات خاصة لـ«الوطن»، تخزين معظم المخزون الاستراتيجى من القمح المورد من المزارعين فى شون ترابية، موضحاً أن مديرية التموين استلمت 761 ألف طن قمح، بخلاف الكميات التى احتفظ بها المزارعون لأنفسهم، ومئات وربما آلاف الأطنان التى اشتراها تجار الحبوب. وتشترك شون القمح المنتشرة بجميع مراكز المحافظة فى تدمير وإهدار المخزون، رغم اختلاف الجهات التابعة لها، حيث تضم محافظة الشرقية 67 شونة، يورد القمح إليها من جميع القرى، منها 43 شونة تتبع بنك التنمية والائتمان الزراعى، وهى الأكثر سوءاً وإهمالاً، فجميعها ترابية ويحيطها سور من الأسلاك الشائكة، وتقبع وسط رقعة زراعية، والكارثة كما يصفها «العاصى» تكون فى الشتاء مع سقوط الأمطار، التى تؤدى إلى إتلاف كميات كبيرة من المخزون، وهناك 7 شون أخرى تتبع الشركة القابضة للصوامع، بالإضافة إلى 17 شونة تتبع شركة المطاحن، والمشكلة أن صوامع هذه الشركات لا تكفى كما يقول العاصى مما يجعلها تلجأ إلى التخزين على شون أرضية تتسبب فى إهدار مخزون القمح.
يقول «العاصى» لأن الشون يسحب منها طول العام، ورغم ذلك تبقى منها حتى بداية الموسم الجديد، ما دفعنا إلى تقديم طلب إلى هيئة السلع التموينة لاستلام هذه الكميات، حتى نستطيع استقبال القمح الجديد.
ورصدت «الوطن»، خلال جولتها بالعديد من الشون الترابية والأسفلتية والخرسانية، المنتشرة بمراكز مشتول السوق وفاقوس والحسينية وأبوكبير ومنيا القمح، بالمحافظة، الإهمال فى تخزين القمح فى هذه الشون البدائية.
كانت البداية من مركز مشتول السوق، حيث توجد 3 شون، تقبع 2 منها بجوار مبنى بنك التنمية والائتمان الزراعى، تتكون كل شونة من 3 مخازن، منافذها من أسلاك متهالكة تمكن الصدأ من التهامها باستثناء أطرافها، وتحولت شبابيك المخازن، بدلاً من أن تكون مصدراً للتهوية، إلى منفذ لدخول الفئران والأتربة والحشرات، وبين المخازن ساحات خرسانية تراصت على أرضيتها عشرات المئات من الأجولة الخيش المملوءة بالقمح، الذى تحول إلى مصدر لطعام الطيور والفئران، وبعضها يحميه غطاء ممزق بفعل عوامل الجو، والبعض الآخر أجولة بها العديد من الثقوب وبدون غطاء، تتغذى عليها العصافير والحمام وغيرهما من الطيور التى تنتشر بكثرة وتتغذى من قمح الشون.
أما الشونة الثالثة بالمركز فهى شونة قرية «كفر إبراش»، وتتبع الشركة العامة للمطاحن، وتقع بجوار مدخل القرية، وهى عبارة عن قطعة أرض ترابية وسط الرقعة الزراعية، يحيط بها سور سلك شائك، طبيعتها الإنشائية جعلتها تعانى من إهمال شديد، سواء من مياه الرى التى تحاصرها أو مياه الأمطار المتساقطة عليها، والكارثة كما يصفها أحد العاملين، أصر على عدم ذكر اسمه، هى ترك معظم كميات القمح فى شكائر بلاستيكية، بحالتها التى تسلمتها الشون من المزارعين، موضحاً أن تخزين القمح فى شكائر بلاستيكية يساعد على تلفه، ويجعله عرضة للحشرات والفطريات، مضيفاً أن الشكائر البلاستيكية لا تتحمل أشعة الشمس وتتعرض للتمزق سريعاً، ما يزيد كمية التالف والفاقد.
يتراص القمح المعبأ قليله فى أجولة وكثيره فى شكائر بلاستيكية، على الأرض الترابية فوق بعضه البعض على شكل مستطيلات، تفصل بينها طرقات ضيقة لا يتجاوز عرضها الـ50 سم، ويملأها القمح المتساقط من الشكائر الممزقة والأجولة المتهالكة، ويظهر بين ثنايا القمح الفئران والحشرات والسوس، التى تمكنت عدسة «الوطن» من التقاطها، بخلاف الفطريات والعفن الذى أصاب المخزون الاستراتيجى، وكل ما يفعله العاملون فى الشونة هو محاولة تغطية القمح السايب والمتساقط من الشكائر الممزقة، بقطعة كبيرة من القماش المتهالك الذى لم يمنع شيئاً.
وعن الطريقة الصحيحة للتخزين فى الشون الترابية، يقول سعيد محمود، أحد العاملين فى شون القمح، يفرغ القمح من الشكائر البلاستيكة بمجرد استلامه من الفلاحين، ثم يعرض للشمس حتى تجف حبات القمح تماماً، وبعدها يعاد تعبئته من جديد فى أجولة من الخيش، لكن ما يحدث غير ذلك، حيث تعاد تعبئة كميات محدودة فقط فى أجولة، بسبب كثرة الكميات التى تستقبلها الشون فى موسم توريد القمح، ويشون الكميات الأكبر فى الشكائر، ما يتسبب فى زيادة نسبة الفاقد والتالف من القمح، أو نقله للمطاحن بالأتربة والحشرات التى تتكاثر فيه، ويصبح موطناً للفطريات والقوارض.
لم تكن شون مركز أبوكبير وفاقوس والحسينية أفضل حالاً، حيث تشترك مع الشون السابقة فى طريقة التخزين والإهمال والفساد الذى تتعرض له، وبدأ بالفعل نقل كميات من قمحها الممزوج بالأتربة والسوس والحشرات إلى المطاحن ويتعامل معها المسئولون كأنه أمر طبيعى. يؤكد العاصى أن مخزون القمح الخاص بمحافظة الشرقية يغذى مصر كلها، حيث يسلم إلى هيئة السلع التموينية، لتحدد حصة كل محافظة بما فيها الشرقية، مضيفاً أن شون القمح بالمحافظة يسحب منها طول العام، وفقاً للكميات التى تطلبها المطاحن.
وبينما كانت الشون بمركز منيا القمح أفضل حالاً، لكنها تشترك معها فى كونها بدائية، يخزن فيها القمح على الأرض، لكنها تتميز بطبقة خرسانية يتجاوز سمكها 15 سم، تفصل بين القمح والتراب، والقمح معبأ فى أجوله سليمة، يكسوها غطاء سميك يوفر لها قدراً من الحماية. ويحيطها سور يصل ارتفاعه إلى 2٫30م من الطوب، يمنع دخول أى شخص.