بات التمكين السياسي للمرأة من موضوعات الساعة؛ التي ربما قد تسمع عنها مصادفة في برامج الراديو "اللي بعد الشر يستحيل تفتحه إلا وأنت في العربية" أو في برامج المرأة بالتليفزيون والتي لا تهتم بها المرأة إلا إذا حل " شيف شهير" ضيفا على البرنامج كي يعطي المُشاهدات الوصفة السحرية للأكلة الهنية!.
ربما تكون أكثر ثقافة فتقرأ خبرا أو مقالا صحفيا عن التمكين، فالجميع يتحدث عن التمكين ولا أحد يشرح مفهوم التمكين!.
فلقد تغيرت مفاهيم تنمية المرأة منذ الخمسينات، وتبلورت في مفهوم "التمكين" في عقد التسعينات الذي كثر استخدامه في سياسات وبرامج المؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية، وهو مفهوم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمشاركة والتنمية، حيث تكمن الغاية من تمكين المرأة سياساً إلى الدفع بالمشاركة الفاعلة للمرأة في دوائر صنع القرار عن طريق توسيع نطاق الفرص والخيارات والبدائل المتاحة لها وتستلزم تلك المشاركة تنمية المرأة وتطوير قدراتها وإمكاناتها لتمتلك عناصر القوة التي تمكنها من إحداث التغيير في مجتمعها.
ظهر مفهومُ التمكين لأول مرة عام 1950 في العديد من الكتابات السياسية، وفي تلك الفترة بدأ تنظيم العمل الاجتماعي؛ حيث كان التركيز على معالجة اختلال موازين القوى بين الفئات المجتمعية وفي الفترة بين 1960 و1970م تعمَّق مفهوم التمكين، وأصبح له جذور في العمل الاجتماعي ؛ وذلك لظهور حركات الحقوق المدنية والحركات النسائية الداعمة لحقوق المرأة وحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة والفئات المهمشة وخلال فترة الثمانينات ظهر مفهوم التمكين في كتابات علم النفس على أنه "عملية تشاركية من خلالها يتحكَّم الأفراد في حياتهم وبيئتهم".
ويشمل التمكين السياسي للمرأة: حق الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية وزيادة نسبة التمثيل البرلماني والتشريعي للمرأة وتوليها للمناصب القيادية وسن القوانين التي تكفل للمرأة حقها في رئاسة الأحزاب السياسية وفي تخصيص نسبة ثابتة من التمثيل النسائي داخل كل حزب.
والحقيقة أن البيئة الإعلامية العربية الحالية تفتقر إلى مفهوم وآليات التسويق للحملات الإعلامية المرتبطة بتمكين المرأة والترويج لذلك المفهوم بطريقة تصل للعامة والخاصة ولا تخاطب فقط "كِريمة المجتمع " ؛ فغرس مفهوم تمكين المرأة في شتى المجالات يتطلب إيمان المرأة ذاتها بقدراتها ودعمها نفسيا واجتماعيا للمطالبة بحقها والأهم تطوير ذاتها لتكون جديرة بنيل حقوقها وممارستها على أكمل وجه حتى لا يتحول هذا الحق إلى نقمة حال فشلت المرأة في المنصب أو المقعد أو المسئولية المسنودة لها في دنيا العمل الشاق فتشعر بالنقص وبأنها حقا أقل من الرجل أهمية وقدرة.
فعلى متخذي القرار الإعلامي أن يفكروا جيدا في الابتكار فيما يقدمونه من مضامين تروج لمفهوم التمكين فلا يقتصر التقديم للمفهوم على مجرد أسئلة نمطية وإجابات إنشائية من نماذج نسائية عاملات في مجال حقوق المرأة يقتحمون الشاشات بغرض استعراض الألفاظ والمترادفات وتعليمهم الأجنبي.
ولعل من آليات هذا التسويق الجديد ؛ التسويق عبر فيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي فدعونا نتخيل الآثار التي يمكن أن تنتج عن الحملات الإعلامية الموجودة بمواقع التواصل والأخبار التي تدعم وتنشر المفاهيم والآليات المرتبطة بعملية التمكين السياسي للمرأة والمنشورة بها وكيف يمكن لها أن تؤثر على معرفة الشباب بمفهوم التمكين السياسي للمرأة؟.
وكيف يمكن للصفحات الخاصة بالشخصيات النسائية السياسية العربية والغربية الناجحة أن تجعل الشباب أكثر قبولا ودعما لتولي المرأة المناصب القيادية ؟ وكيف يمكن أن تشكل مواقع التواصل الاجتماعي ساحات للنقاش والحوار بين فئات اجتماعية وشرائح اقتصادية متباينة لإقناعهم بالدور السياسي المأمول للمرأة؟
المهم الآن أن نجد من يستطيع أن يدير تلك الحملات والصفحات ببراعة وعقلية تسويقية إلكترونية تؤمن بمفهوم "traffic" وتستطيع "جر رِجل الزبون الالكتروني" دون أن تتحول لصفحة تعليمية مملة ذات " بوستات" طويلة لا تسمن ولا تغني من جوع بل تنفر زوارها من القراءة والتعليق والتفاعل وتتحول إلى أداة نمطية لا تتعدى " لايكاتها" العشرة لايكات!.
نحتاج إلى من يمتلك التفكير الإبداعي ويجيد الكتابة باحترافية ويستغل كافة عناصر وإمكانيات فيس بوك ورفاقه في الترويج والتسويق من يمتلك ابتكارية في الألفاظ والمعاني ويجيد لغة الصور المؤثرة في المستخدمين للفيس بوك بعيدا عن الكلام الإنشائي المعهود على غرار " المرأة نصف المجتمع بل هى المجتمع كله".
نحتاج إلى فيس بوك للترويج لحملة تبدأ من اليوتيوب بطريقة تفاعلية تظهر بفكرة جذابة يكملها الجمهور بآرائه ومقترحاته لتصبح من وإلى الجمهور وتُخصص جائزة لصاحب الفكرة الفائزة ، نحتاج لتويتر وهاشتاجاته السريعة الزئبقية ومقولاته المختصرة اللي تقول فيها " زتونة " موضوع التمكين بكل بساطة ، نحتاج لانستاجرام لتوثيق لحظات إنتاج تلك الحملات وتشويق الجمهور لأن التشويق تسويق.
نحتاج لقصص إنسانية من أرض الواقع عن نماذج نسائية ناجحة ليست شهيرة فحسب بل من شارع الواقع الذي ينضح بالعديد من النساء المبهرات اللاتي يحتجن لتسليط الضوء عليهن.
نحتاج شابات ذوات عقلية وثقافة ووجوه جديدة تخاطب النساء والفتيات لتقنعهن بفكرة التمكين بكل أبعاده حتى تستطيع كل فتاة تزور هذا العالم الافتراضي أن تقنع أمها وجارتها وبوابة العمارة وبنت البوابة وكل صديقاتها بالمطالبة بحقوقهن وتدعيم النساء في الانتخابات أو في تولي المناصب القيادية والثقة في قدراتهن.
نحتاج لحملة متوازنة مثلما تخاطب قلوب النساء تخاطب أيضا عقول الرجال وتستحثهم لدعم المرأة بصورة ذكية ، نحتاج إلى حملة تعي مداخل الرجال السيكولوجية وليس مجرد حملة تُشعِر الرجل بأن المرأة سوف تتمرد عليه أو تسلبه حقوقه وقوامته عليها لدرجة تجعله يخشى إذلاله!
ببساطة شديدة نحتاج لتسويق جديد على مستوى الفكر والاستراتيجية والتنفيذ.