أحد الناجين من "مركب الموت": سبحت 9 ساعات وتمنيت العيش من أجل أمي وأهلي
"سبحت في مياه البحر أكثر من 9 ساعات متواصلة، رأيت فيها الموت مرات ومرات، شربت من مياه البحر المالحة، الملوثة بالسولار، حتى ظننت أنني ميت لا محالة، وكنت أتمنى الحياة علشان خاطر أهلي، ومراكب الصيد رفضت إنقاذنا، خوفا من الحكومة".. خرجت هذه الكلمات المؤثرة من الشاب الصغير محمد السيد بدير، الطالب بالصف الثاني الإعدادى (15 عامًا)، والمقيم بقرية الزعفران مركز الحامول محافظة كفرالشيخ، وأحد الناجين من المركب التي غرقت بالبحر المتوسط، والتي كانت تقل أكثر من 600 شخص من جنسيات مختلفة، بحسب تقديره.
وأضاف الشاب الذي نجا من الموت: "وجدت هناك العديد من الشباب من زملائي بالمدرسة يسافرون إلى فرنسا، وكنت أتواصل مع بعضهم عن طريق (فيس بوك)، وعلمت أنه يتم تعليمهم بالمدارس هناك، ثم يعملون، فأردت أن أخوض التجربة، وأسافر، بالإضافة لمساعدة والدي في المعيشة، وكان الاتفاق على دفع المبلغ بعد الوصول، والحمد لله ربنا نجاني، ولن أكرر التجربة".
وعن أهوال يوم غرق المركب قال الشاب "التقيت على المركب بعضا من أهالي قريتي، وكان صاحبي (باسم) بجواري، وطلب هاتفي ليتحدث منه، ويستغيث بالحكومة المصرية، وفجأة لم أجده بجواري، بعد انقلاب المركب رأسًا على عقب، وأصبح المئات أسفل المركب، بعد أن كانوا على سطحه، وبحثت عنه ولكنني لم أجده لكثرة العدد".
وأضاف "محمد": "خرجت المركب من شاطئ بلطيم على الطريق الدولي الساحلي، وانتظرنا بالزراعات، حتى بعد منتصف الليل، وتم نقلنا عن طريق مراكب صغيرة تزيد حمولتها عن 100 شخص، حتى وصلنا للمركب الكبير بالبحر، وفي الثالثة فجرًا تحركت المركب بعد أن تم تحميلها بآخر فوج، من المركب الصغير، وكانت المركب مكتظة بالأعداد، ثم تحركت المركب في عرض البحر ببطء، وعليها أكثر من 600 شخص".
وأكد الشاب الناجي من الموت: "في صباح يوم الأربعاء، شعرنا أن المركب كانت تسير ببطء جدًا، ووجدناها تتمايل يمينًا ويسارًا، ثم تعتدل، في ظل ارتفاع الأمواج، وتعالت الصيحات، والصراخ، والهرج والمرج على المركب المتهالكة في الأساس، وقفز العديد من الركاب في البحر، وحاولنا إعادة اتزان المركب، ولكن التدافع، جعل المركب تنقلب في اتجاه واحد، ولم تعد مرة أخرى، وأصبح الركاب أسفل المركب، فغرق الكثير ولم ينجُ إلا القليل، خاصة وأنه كان هناك أكثر من 100 شخص داخل ثلاجة المركب، وكنت أتمنى دخولها حتى أستريح، ولكنني حمدت الله، فلم يخرج منه واحد، ثم قفزت من المركب، باتجاه مياه البحر، ولم أجد نفسي، إلا سابحًا، ووجد أحد السودانيين بجواري، وكان يرتدي عوامة، فطلبت منه أن ينقذني، ففرض، ولكن بعد إلحاح مني، سمح لي بأن أمسك بطرف العوامة، وظللت أسبح معه أكثر من 9 ساعات، رأيت فيها الموت مرات ومرات، ولكن فجأة اختفى الشخص الذي كان معي بعد سباحة أكثر من 3 كيلومترات، ووجدت نفسي وحيدًا وسط الأمواج المتلاطمة، فتركت نفسي لتيار المياه، ولم أقاوم الأمواج، وأيقنت أنني ميت لا محالة، واستغفرت ربي، ولكننى تمنيت أن أعيش من أجل أمي وأهلي، ثم وجدت بجواري لوح خشب من المركب، ظلت ممسكًا به حتى خرجت للشاطئ، وكان معنا على الرحلة سيدات وأطفال، صرخوا كثيرًا، ولكني لم أستطع إنقاذهم، وبكيت كثيرًا عليهم، وكان الجميع ينطق الشهادتين، وكنت أعرف أحد الأشخاص ويدعى (مايكل)، نطق الشهادتين، وربنا أكرمه، وظل على قيد الحياة".
"كنت في عرض البحر، لا أرى شيئا، ومع بزوغ الشمس، رأيت السحب من جميع الاتجاهات، ولكنني لا أرى أي شاطئ، ثم ظهرت مراكب لصيادين، ولكنهم رفضوا إنقاذنا، بحجة خوفهم من الجهات الحكومية أن تتهمهم بتهريبنا، ولكنهم عادوا إلينا بعد فترة، وألقوا إلينا الحبال، وسحبونا، حتى خرجنا على الشاطئ، وتم اقتيادنا لأحد المواقع، ثم إلى مركز شرطة رشيد، حيث تم التحقيق معنا، ثم جاء أهلى وتسلموني".
واختتم الشاب الصغير "محمد": "لن أحاول السفر بهذه الطريقة مرة أخرى.. توبة.. فقد رأيت الموت مرات ومرات، وشربت مياه مالحة بالسولار، ومن يريد السفر يبقى أهله مش عايزينه".