هى الصندوق الأول الذى لم تحسمه لصالحها أحزاب اليمين الدينى. هى الصندوق الأول الذى حملت نتائجه تنوعاً حقيقياً وتمثيلاً لجميع أطياف الحياة السياسية والنشاط المجتمعى فى مصر، يميناً ويساراً. هى الصندوق الأول الذى بلغت به، ووفقاً للمعلومات المتوافرة، مشاركة الناخبات والناخبين معدلات مرتفعة للغاية. الإشارة هنا وبالتأكيد إلى انتخابات الاتحادات الطلابية التى أجريت خلال الأيام الماضية فى الجامعات المصرية وسجلت تراجعاً واضحاً لأحزاب اليمين الدينى، وفى مقدمتها حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان.
لست من هواة التعميم فى السياسة، وبالقطع لا توثّق نتائج انتخابات الاتحادات الطلابية تقلّبات السلوك التصويتى لعموم المصريات والمصريين. فنحن أمام شريحة عمرية محدّدة هى الشباب، وأمام شريحة منخرطة فى التعليم الجامعى وأكثر تعرضاً لمؤثرات التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعى والإعلام. إلا أن نتائج الانتخابات، وبالمقارنة بالسنوات السابقة، تدلل على أن أحزاب اليمين الدينى التى استحوذت على مواقع الأغلبية فى الاتحادات الطلابية بعد يناير 2011 (وكان يزور ضد مرشحيها، الإخوان بالأساس قبل ذلك) قد فقدت العديد من هذه المواقع وتقلصت شعبيتها بوضوح فى الجسد الطلابى.
تُظهر النتائج أيضاً أن شعبية أحزاب وتيارات اليمين الليبرالى واليسار فى تصاعد، والانفتاح على أفكارها وبرامجها يتنامى ويتحول إلى حقيقة تشكّل وعى الجسد الطلابى. بل إن النتائج تشير إلى إعادة اكتشاف اليمين واليسار فى الجامعات المصرية وتميُّزهما وللمرة الأولى منذ السبعينات بقدرة تنافسية عالية.
هذه هى الدلائل المباشرة لنتائج انتخابات الاتحادات الطلابية، أما فيما وراءها، فنحن أمام تراجع كاسح لشعبية أحزاب اليمين الدينى بين القطاعات الحضرية والشابة والمتعلمة. فى استفتاء الدستور 2012، خسر اليمين الدينى العدد الأكبر من المدن والمراكز الحضرية التى يشكل الشباب أغلبية سكانها، وكنا مع ثنائية الحضر الرافض لليمين الدينى والريف المؤيد له. وها هى نتائج الجامعات من الإسكندرية إلى أسيوط تعيد صناعة ذات المشهد. فيما وراء الدلائل المباشرة للانتخابات الطلابية، نحن أمام خسارة فادحة للإخوان الذين يفقدون مع إدارتهم الفاشلة للشأن العام والسياسى الكثير من التأييد والقبول الشعبى.
معدلات الرفض لسياسات وممارسات رئيس الجمهورية تتصاعد يومياً على وقع انتهاكات حقوق الإنسان والأزمات الاقتصادية والاجتماعية وأخونة الدولة. والرفض الشعبى للإخوان ونزوعهم للانفراد بالحكم والسياسة واستمرار جماعتهم على وضعيتها غير الشرعية ينتشر فى عموم الخريطة المصرية. وليست نتائج الانتخابات الطلابية إلا دليلاً بيناً على أن الجسد الطلابى يتصدر وبمعدلات مرتفعة الرفض الشعبى لإدارة الإخوان الفاشلة.
مهم للغاية قراءة نتائج انتخابات الاتحادات الطلابية، فتراجع اليمين الدينى وتنامى وزن اليمين الليبرالى واليسار فى الجسد الطلابى تقلبات مؤثرة فى السياسة المصرية. تماماً كخسارة الإخوان الذين تكتشف جماعتهم الآن أن القدرة على خداع الناس بشعارات برّاقة أو بقواعد تنظيمية فى ظل إدارة فاشلة للدولة والمجتمع باتت شديدة المحدودية.