متاحف مصر الفنية.. كنوز تحولت إلى أطلال
مبنى متحف مجلس قيادة الثورة لا يزال تحت الترميم
كنوز مصر الأثرية من لوحات وتماثيل وقطع فنية، بعضها كان شاهداً على حقب زمنية هى الأهم من تاريخ مصر وبعضها رسمته ريشة فنانى العالم، كل تلك القطع ملقاة فى مخازن بلا حماية تنتظر انتهاء وزارة الثقافة من ترميم ثلاثية المتاحف المصرية «متحف قيادة الثورة ومتحف الحضارة ومتحف محمود خليل» وهى المتاحف التى يجرى العمل على ترميمها منذ عشرات السنين، كل وزير ثقافة يتولى المسئولية يخرج علينا بالتصريح الأشهر «وفرنا التمويل.. والافتتاح خلال أيام» لينقضى العام تلو العام والوضع على ما هو عليه.
«قيادة الثورة» بدأ أعمال الترميم منذ 20 عاماً ولا يزال هيكلاً خرسانياً.. و«الجزيرة» أغلق أبوابه منذ عام 1987.. و«محمود خليل» ضحية «زهرة الخشخاش».. وخالد سرور: تسلمنا 25% من المخصصات المالية لتحريك العمل بالمتاحف الثلاثة
فمن متحف مجلس قيادة الثورة لمتحف الثورات المصرية، طرأ تغيير وحيد على المتحف الذى ينتظر منذ 20 عاماً انتهاء أعمال الترميم التى لم تبدأ لمتحف شهد صعود نجم «عبدالناصر»، واتخذه مقراً له إبان العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، وهو ذاته الذى شهد خروج جنازته مصحوبة بدموع وآهات الأمة العربية فى أكتوبر 1970، التى وُصفت بأنها الأكبر على مر التاريخ.
وبعد بقائه فترة طويلة من الزمن فى طىّ النسيان محاطاً بالإهمال، أصدر الرئيس الأسبق حسنى مبارك القرار رقم 204 بإنشاء متحف الثورة فى عام 1996، وفى العام نفسه صدر قرار من فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق، برقم 422، بضم مبنى مقر مجلس قيادة الثورة لقطاع الفنون التشكيلية، ليتولى إعداده كمتحف لزعماء ثورة يوليو يضم ما بقى من آثارها ووثائقها وذكريات رموزه.
داخل المبنى لم يتبق منه سوى هيكل خرسانى يعلوه هيكل معدنى ضخم يقال إنه لنسر رمز الجمهورية المصرية يمثل فى حد ذاته كارثة معمارية حيث يشكل ثقلاً على المبنى بوزنه الذى تجاوز 130 طناً، فيما يتجاوز عمر المبنى 60 عاماً، حيث أمر أحد رؤساء قطاع الفنون التشكيلية بأن يوضع على المبنى هيكل يشكل نسراً ضخماً تكلف وحده أكثر من مليون جنيه، وحذر أساتذة الهندسة المعمارية من خطورته على المبنى. وملحق بالمبنى جراج لم يكتمل تجهيزه، أما من الداخل فتتوسط المبنى كتلة خرسانية مستديرة أسفلها بدروم شديد الإظلام، وتم هدم الحوائط البينية بين الحجرات، وتقشير الجدران الرئيسية وتظهر على الطوب الأحمر منذ سنوات، وتكسير بلاط الأرضيات حتى تحول المبنى إلى خرابة.
وقال مصدر بقطاع الفنون التشكيلية إن المشروع شهد تحركاً بسيطاً فى 2009 بإسناده إلى شركة المقاولون العرب وإعلان وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى عن الاستعانة بخبراء لتحويله لمتحف الثورة، والمبنى كان يحتاج 80 مليون جنيه للترميم، الحكومة وفرت جزءًا من المبلغ لا يتجاوز 15 مليون جنيه، والشركة اشتغلت بهذا المبلغ، لكن لم ننجز إلا أقل من ربع الأعمال، منها النسر الحديدى، وقامت الشركة بتجهيز الوصلات الخاصة بجهاز التكييف المركزى وحالياً يجرى العمل على الأساسات وترميم الحوائط نظراً لأن وزارة المالية تصرف لنا بالقطارة من مخصصاتنا، وفقاً له.
المشكلة الأكبر والتى ظهرت مؤخراً بعد افتتاح متحف جمال عبدالناصر هى أن أغلب المقتنيات التى كان من المفترض عرضها فى هذا المتحف نقلت إلى متحف جمال عبدالناصر ومنها مقتنياته ووثائق مجلس قيادة الثورة ومحاضر الاجتماعات ووثائق التأميم وصور تجمع جمال عبدالناصر مع زعماء العالم ومجلس قيادة الثورة ولم يتبق لمتحف الثورة سوى الميكروفون الذى أذاع منه الرئيس السادات بيان الثورة، وأول علم رفع على أرض سيناء بعد العبور فى عام 1973، وصور للرئيس أنور السادات، ومجموعة من التماثيل النصفية للسادات، ومجموعة من الهدايا المقدمة للرئيس السادات فى مناسبات مختلفة، ومجموعة من طوابع البريد التذكارية الصادرة فى المدة من 1952 حتى 1960 بمناسبة أعياد الثورة.
نقص المقتنيات وضع وزارة الثقافة فى مأزق مما دفع قطاع الفنون التشكيلية للإعلان عن تحويله من متحف لثورة يوليو فقط إلى متحف الثورات المصرية منذ ثورة عرابى وحتى ثورة يناير. بدأ العمل فى المبنى بأمر من الملك فاروق الأول عام 1949، وكان الهدف من إنشائه أن يكون مرسى لليخوت الملكية، وما كاد العمل ينتهى فيه نهاية 1951، حتى نشب حريق القاهرة فى 26 يناير 1952، فظل مغلقاً إلى أن أدركته ثورة 23 يوليو عام 1952، واتخذه مجلس قيادة الثورة مقراً له. وتحول المبنى العريق إلى مجرد «أطلال» تحيط بها الأنقاض.
وعلى بعد بضعة أمتار من متحف قيادة الثورة يقع متحف الحضارة والذى تم تغييره إلى متحف الجزيرة، وكأن هذا هو التغيير الأكبر الذى يلحق بالمتحف المغلق منذ ما يقرب من 30 عاماً، ويضم مجموعة رائعة من مقتنيات القصور الملكية يبلغ عددها نحو 4288 قطعة، عُرضة للضياع نتيجة الإهمال الذى أصابه، حيث أغلق أبوابه منذ عام 1987 بهدف تطويره، وأصبح رهين 40 مليون جنيه تضاعفت لتصل 160 مليون جنيه للانتهاء من أعمال تطويره وتحديثه، ومثّل نموذجاً حياً للإهمال الجسيم والكارثة المحققة.
«الوطن» حصلت على صور المخازن لتكشف كمّ التخاذل عن متحف لو أُحسن استثماره لخرجت مصر من أزمتها الحالية حيث يحوى المتحف نحو 1300 لوحة لكبار فنانى العالم بعضها يصل للقرن الخامس عشر وكلها لأسماء أشهر فنانى العالم، ومنهم على سبيل المثال هنرى ماتيس بلوحته الشهيرة سيدة شرقية فى مخدعها بنحو 120 مليون دولار، طبقاً لموقع الهيئة العامة للاستعلامات وكذلك الفنان روجين دو لاكروا ولوحته زهور والتى يزيد سعرها على 60 مليون جنيه، وتوجد أيضاً لوحات لا تقدر بثمن لكل من بيتر بول روبنز وكلود مانيه وبيكاسو وجون كنستابل بالإضافة لمجموعة من الأيقونات القبطية الأثرية وأعمال الخزف الصينى واليابانى القديم وقطع سامية نادرة، ومن بين المقتنيات سجادة صنعت منها ثلاث قطع فقط على مستوى العالم.
جولة سريعة داخل المبنى ستكشف حجم الإهمال واللامبالاة، فبعد الانتقادات التى وُجهت لوزارة الثقافة لم يجد القائمون عليها حلاً سوى رفع الأسوار الحديدية المحيطة بالمبنى إلا أن الوضع داخله لا يزال على ما هو عليه، ركام أسمنتى ومخلفات بناء وأبواب محطمة ومغلقة بقفل «صدئ»، كما أنك تستطيع التجول به دون رقيب ولا حسيب، عقب انهيار منظومته الأمنية، كما ستجد نوافذ بعضها أُغلق بالأسمنت، وأخرى تركت مفتوحة على مصاريعها وأدوات بناء صدئة من قلة العمل، وذلك على الرغم من تعهد وتصريحات وزراء متعاقبين للثقافة بتأكيد بدء العمل فى ترميمه ولكن الواقع يكذبهم.
اللوحات داخل المخازن بلا كود، ووسيلة التأمين الوحيدة رقعة ورقية تم تركيبها أعلى الإطار -كما يقول الناقد الفنى مجدى عثمان- مما يعنى سهولة نسخ وتقليد اللوحات، أما قطع الخزف فمحفوظة داخل دواليب.
تماثيل نصفية ولوحات للأسرة العلوية وأخرى كانت تزين القصور وقطع أساس جُمعت من القصور الملكية بالإضافة إلى مجموعة نادرة من السجاد الإيرانى جميعها تركت فى مخازن تحميها منظومة أمنية متهالكة كما يقول الناقد الفنى مجدى عثمان، مع غياب الصيانة خاصة لأجهزة التحكم والإنذار بالمتحف أو محطة الكهرباء التابعة له، التقارير الأمنية الأخيرة أكدت أن البوابة المصفحة تُفتح يدوياً بمجرد انقطاع أو فصل التيار الكهربائى، مشيراً إلى أن الكارثة التى تحتاج إلى تدخل وزارى فورى هى عدم صرف نسبة الجهود الشهرية للعاملين الذين يتحملون مسئولية الحفاظ على مقتنيات فنية تجاوز التقدير المالى لها بأكثر من 170 مليار دولار.
فى الحادى والعشرين من أغسطس 2010 مُنى متحف محمود خليل بسرقة لوحة «زهرة الخشخاش»، وهى واحدة من أهم لوحات الفنان العالمى فان جوخ وكان غياب المنظومة الأمنية بالمتحف هو المتهم الأكبر ومنذ ذلك الحين والمتحف تحت التطوير.
وعلى الرغم من أن قطاع الفنون التشكيلية يلاصق المتحف إلا أن العمل فيه يسير بخطى بطيئة، لا يزال الوضع على ما هو عليه، ويحوى المتحف 308 لوحات و50 تمثالاً، وتعد أغلى لوحة بالمتحف «الحياة والموت» لجوجان والتى تقدر قيمتها بـ80 مليون دولار.
وقال الدكتور خالد سرور رئيس قطاع الفنون التشكيلية، إنه حرص منذ توليه المسئولية على تسريع العمل فى المتاحف الثلاثة، موضحاً أنه حصل على 25% من الدفعة المستحقة للقطاع لدى وزارة المالية لكل متحف، حيث سيجرى العمل فى «اللاند سكيب» فى متحف محمود خليل وحرمه، والأعمال الإنشائية والترميم فى متحفى الجزيرة ومجلس قيادة الثورة. وعن موعد الانتهاء من تلك المتاحف، قال: يجرى العمل فى الترميمات على مراحل مثلما حدث مع متحف جمال عبدالناصر مؤخراً، ومن الصعب تحديد جدول زمنى، فمن المحتمل أن يتوقف العمل نتيجة تأخر المستخلصات المالية المستحقة للشركات، وهو الأمر الذى عطل العمل فى متحف محمود خليل ومتحف الجزيرة فى وقت سابق.
وتابع: أما فيما يتعلق بمخازن متحف الجزيرة فهى مؤمّنة بشكل جيد واللوحات التى تتداول فى المعارض لديها بصمة حيث يتم التأكد من أصالتها عقب عودتها للمتحف.
أعمال الترميم بمتحف الجزيرة مستمرة
مخازن متحف الجزيرة