«العبودية المختارة» اسم كتيب لشاب فرنسى اسمه «إيتين دى لابواسييه» توفى فى منتصف القرن 16 عن عمر 32 سنة، ولم يُنشر إلا بعد وفاته بنحو قرنين ونصف، وتُرجم مؤخرا إلى العربية، وفيه يرى ما معناه أن الناس ينصاعون طواعية للاستعباد لأنهم ينشأون عليه، ولأنه فى ظل حكم الاستبداد يسهل تحويلهم إلى جبناء يفقدون الهمة وتسقط قلوبهم وتخور وتقصر عن عظيم الأعمال.. إنه الاستبداد الذى تعود عليه الناس، والذى، حسب الكواكبى، إذا كان رجلا وأراد تعريف نفسه لقال: «أنا الشر وأبى الظلم وأمى الإساءة وأخى الغدر وأختى المسكنة وعمى الضرر وخالى الذل وابنى الفقر وابنتى البطالة ووطنى الخراب وعشيرتى الجهالة».
أيها الناخبون فى جولة الإعادة: ثورة 25 يناير أسقطت رأس نظام الاستبداد والفساد، ومنحت الإنسان المصرى فرصة تاريخية لتجاوز منطق القوة وتحطيم الوهم الذى يتحكم فينا، ويوهمنا بأننا لا نستطيع العيش إلا فى ظل رئيس قوى، أى عمليا فى ظل نظام التسيب والفساد والإفساد والتجهيل والاستبداد.. الثورة منحتنا فرصة لإدراك أن قوة المنطق والأخلاق والحق والعدل أقوى وأعظم من أى قوة أخرى.
أيها الناخبون، الثورة نقلت الإنسان المصرى من إنسان مستلَب الإرادة، مغيَّب الوعى، ضعيف القلب، يحركه المستبد كيفما يشاء للتصويت بنعم فى الاستفتاءات أو للإشراف على انتخابات مزورة أو لأخذ الرشوة أو لقمع المناضلين وملاحقة الشرفاء.. إلى إنسان مُحرر الإرادة، متذوق لطعم الحرية، وقادر على إدراك خطر العبودية والاستعباد للحكام. أما الانتخابات القادمة فهى خطوة جديدة لنقل الإنسان المُحرر الإرداة إلى إنسان إيجابى الإرادة، قادر على الاختيار بين من يستكمل طريق الثورة وبين من سيستنسخ نظام الفساد والتجهيل والاستبداد.
حقق شباب مصر الحلم الذى ناضل من أجله الآلاف من المواطنين المخلصين، وتوّجوه بثورة شهد لها العالم كله، فلا يجب عليكم أيها الناخبون إيقاف هذا الحلم بالتصويت لمرشح النظام القديم، ولا تُسهموا فى دفع هذا الشباب إلى ثورة جديدة لن تكون، هذه المرة، بسلمية الثورة الأولى.
إن اختياراتكم قد تحقق للمصريين، لأول مرة فى تاريخنا منذ الاستقلال، فرصة حقيقية للحاق بركب الدول الحديثة والتخلص من الاستعباد والاستضعاف والاستحمار والاستغفال. إنكم أمام الاختيار بين النظام القديم وبين استكمال مسار الثورة وبدء مرحلة انتقالية جديدة تحتاج إلى الكثير من المواقف من كافة القوى السياسية.
ولنتذكر جميعا أن اختياراتكم فى جولة الإعادة ستؤثر على كل ثورات الربيع العربى، عودة النظام القديم عبر صناديق الانتخابات ستكون مؤشرا سلبيا لإخواننا المستضعفين فى سوريا، ولأشقائنا فى اليمن وليبيا الذين تتطلع أعينهم إلينا فى كل صغيرة وكبيرة.
أيها الناخبون، معركة الرئاسة معركة واحدة فى صراع طويل بدأه المصريون ولن يتركوه أبدا حتى لو خسروا معركة الرئاسة لا قدر الله، فقوانين وسنن التغيير الاجتماعى والسياسى غالبة، والتاريخ لا يعود إلى الوراء، والثورات لا تنتهى فى عام أو عامين، وبإذن الله لن تُجهَض ثورتنا بعد أن انكسر حاجز الخوف وارتفع وعى الناس، أما إخفاقات النخب وانقساماتهم وخطط الفلول ومؤمراتهم فستكون مجرد صفحة سوداء فى تاريخ ثورتنا.