ستات عزبة الزبالين بتخلق من الفسيخ... شربات
سيدة تعيد تدوير الورق
تظل المرأة هى الأقوى على تحمل المشقة والأقدر على التغيير حتى لو تعلق الأمر بأكوام وتلال من الزبالة، من داخل عزبة الزبالين تبرهن السيدات مرة أخرى على قدرتهن على الإبداع، فها هى المخلفات التى تزكم الأنوف والتجمعات التى تشوه المنشآت تتحول إلى مشاريع اقتصادية ذات طلة جمالية مختلفة.
داخل منشأة ناصر حيث التجمعات العشوائية لأكوام الزبالة تغزل أيادى النساء فيها قصصاً من النجاح عبر مشروعات يدوية تعتمد فى الأساس على إعادة صناعة وتدوير الورق والمخلفات، تجلس «ميرى» على جانب من الشارع المواجه لمشغل السجاد وتدوير القمامة، تتوسط زجاجات «الكانز» التى تم تجميعها على مدار يوم متواصل من الزبالين، وتبدأ رحلتها اليومية فى فصل «الفتاحات» عن زجاجات الكانز ليتم استخدامها لاحقاً فى عمل شنط يدوية من أرقى ما يكون، قد يصل سعر الشنطة الواحدة إلى 500 جنيه، تتبارى السيدات فى عمل أشكال مختلفة بأفكار بسيطة، حتى من تلك الأوراق المهملة المتعلقة بالمجلات القديمة تأخذ إحدى السيدات فى العزبة صفحات المجلة وتحرص على تقطيعها مثلثات وتقوم بلفها بطريقة محددة لتنتج فى نهاية اليوم عقداً مميز الصنع يباع بـ40 جنيهاً أو أكثر على حد تعبيرها.
«ميرى» تصنع «شنط» من فتاحات زجاجات «الكانز» يصل سعرها إلى 500 جنيه.. و«نانسى» تعلمت صناعة السجاد فى 3 أشهر
تختلف الصناعات اليدوية من بينها مشروع النول والسجاد اليدوى وهو ضمن عدة مشاريع أقيمت لسيدات عزبة الزبالين من قبل جمعية حماية البيئة، لمحاولة النهوض بمستواهن الفكرى والثقافى ولتوفير حياة كريمة لهن، وكل هذا عن طريق سيدات أيضاً متطوعات من خارج عزبة الزبالين، لمساعدة السيدات داخل العزبة على مواكبة العصر وتعليمهن حتى الأمور الحياتية التى تساعدهن على فهم كل ما حولهن من أمور.
قالت «شادية إسكندر» عضو جمعية حماية البيئة من التلوث، والمسئولة عن قسم السجاد والمشغل، إن الجمعية بدأت عملها فى حى الزبالين بمنشأة ناصر بهدف مساعدة جامعى القمامة على التخلص من النفايات العضوية التى فى الحظائر، وتحويلها لسماد عالى الجودة، مؤكدة أن الجمعية غير هادفة للربح، وأضافت إسكندر: «فكرنا نعمل سجاد من المواد القابلة لإعادة التصنيع الخارجة من المصانع، وبدأنا نجيب الستات وندفعلهم فلوس يومية لحد ما تتعلم، والأجر ده عشان تتشجع تيجى»، وتابعت: «تتعلم 3 شهور وتاخد نول فى البيت وبتقسط تمنه، وتجيب المنتجات هنا فى آخر الشهر وتتحاسب على كمية الإنتاج، وإحنا بنبيع، وبعد السجاد جت فكرة مشروع الرقع، كان فيه صعوبات بس كان لازم نواجهها، وربنا كرمهم وبعض بناتنا سافروا مؤتمرات دولية للتحدث عن تجربتهم».
قالت «كارولين» - من المشتغلين بمشروع السجاد والنسيج - إنها تعمل بالجمعية منذ سنوات وكان الموضوع بالنسبة لها فى البداية هواية ترغب فى تطويرها، ولكن بعد ذلك أصبح عملها ومصدر رزقها بدلاً من الاستمرار فى البقاء بالمنزل دون فائدة، تابعت كارولين: «بكون فرحانة لما بستلم قماشة فاضية ملهاش لازمة واشتغل عليها وأحولها لمفرش أو شنطة يد جميلة أو ستارة والنتيجة بتكون حلوة جداً والناس هنا بيكونوا مبسوطين قوى من شغلى وبعمل تطريز كمان للشغل، ولما الشغل بيكون قليل بزعل لأنى حابة أشتغل على طول وبلاقى نفسى فى الشغل، أتمنى إن كل ست تشتغل وتحقق أحلامها حتى لو كانت بسيطة أو حتى مستحيلة، لأن الشغل بيخلى الست معتمدة على نفسها ومتحملة المسئولية».
تعتبر «ليلى زغلول» من أهم القصص داخل العزبة، إصرار ليلى جعلها تتحول من فتاة أمية إلى مديرة مدرسة، وهى تعتبر المدرسة الوحيدة داخل العزبة، مدرسة إعادة التدوير للأولاد، فالمدرسة أُسست سنة 2000 بهدف تعليم جامعى القمامة فى الحى والمتسربين من التعليم، من خلال المكتب الاستشارى للدكتورة ليلى إسكندر.
قالت «ليلى» إنه كان لا يوجد مدارس حينما كانت صغيرة، وإنها درست فى دير سمعان من خلال المتطوعين مثل الوزيرة السابقة ليلى إسكندر، الذين كانوا يحضرون ويعلمون الأطفال، وأضافت: «عملت فى حماية البيئة مع ليلى إسكندر فيما بعد وكملت تعليمى ودلوقتى أنا فى 3 جامعة ومديرة المدرسة، واحنا هنا اتحرمنا من التعليم عشان ماكانش فيه مدارس ولا حتى كان فيه بيوت، وأقرب مدرسة كانت فى الحسين، وكانت المنطقة صحرا، ولما كنت بشوف حد رايح المدرسة كنت بعيط وظروف أهالينا كانت صعبة، لكن اتعلمت لما الدير فتح فصول، وبعد كده رحت اشتغلت فى حماية البيئة وأنا عندى 12 سنة، وكملت تعليمى الإعدادى والثانوى منازل، وحصلت على دبلوم»، وأوضحت أنه فيما بعد شعرت بضرورة دخولها الجامعة، لأن طبيعة الوظائف تتطلب ذلك، فضلاً عن احتياجها لإدخال أولادها مدارس لغات، وأشارت إلى أن التعليم ساهم فى نضوجها بشكل كبير، لافتة إلى أن أغلب الفتيات غير المتعلمات هنا تزوجن فى سن 12 أو 15 سنة، ولكنها لم تتزوج إلا فى العشرينات بعد استكمال دراستها، وشددت على أهمية التعليم بالنسبة للمرأة، لأنها أساس البيت وتعلم أولادها وتفكر لهم وفى مستقبلهم كما أنها تعمل وتساهم فى زيادة الدخل.
من جانب آخر وجدنا «نانسى محمد» صاحبة الخامسة عشرة من عمرها، يتم تدريبها فى مشروع النول على صناعة أجمل وأجود السجاد بالنول وبألوانه المختلفة، وذلك بعد انتهاء يومها الدراسى داخل المدرسة، فهى فى الصف الثالث الإعدادى، قالت نانسى: «أخدت 3 شهور لحد ما اتعلمت إزاى أستخدم النول وأصنع منه حاجات جميلة، والناس هنا كانوا كويسين معايا وأنا بتعلم وبشتغل فى النول بعد المدرسة رغم إن ده ساعات بيكون تعب عليَّا بس هكمل فيه برضه عشان مش عايزة أفضل فى البيت من غير شغل، لأن البنت لازم تشتغل، ولما أخلص مدرسة هدخل الجامعة إن شاء الله ونفسى أكون بشتغل فى الحسابات فى أى شركة لأنى بحب الأرقام ومادة الحساب».
كما أكدت «هدى فايق» مسئولة مشروع الورق وإعادة تدويره، أنه يتم تجميع الورق من الأماكن التى تتخلص من الورق مثل المدارس والجامعات والهيئات، ويتكون المشروع من مجموعة من السيدات والفتيات اللاتى يقمن بفرز الورق فى البداية ثم يقمن بالوزن والتقطيع، ثم تعجين الورق واستكمال باقى المراحل حتى يصلن إلى الشكل النهائى المطلوب من الورق.
تابعت هدى: «بعد مرحلة إعادة تدوير الورق تقوم مجموعة تانية من السيدات بصناعة الأعمال الفنية بقى زى شنط هدايا أو نوت بوك أو عقد أو علب هدايا أو جرابات، وفى نهاية كل سنة بنعمل معرض كبير بنعرض فيه الأعمال دى وبنبيعها، وده طبعاً كنوع من أنواع التحفيز للستات اللى بيشتغلوا فى المكان وبياخدوا تمن الحاجات اللى بيتم بيعها فى المعرض من خلال الزيارات اللى بتجيلنا من بره العزبة طبعاً».