مراكز تعليمية لإعادة تأهيل الطلاب.. «اطلبوا العلم ولو فى مصر»
أطفال سوريون فى مراكز تعليمية لإعادة تأهيلهم ولتخفيف أعباء تغير اللهجة
اختلاف اللهجة المصرية عن الشامية، بالإضافة إلى طبيعة المناهج الدراسية، وغياب الأوراق الرسمية عن بعض الأسر السورية التى تتسبب فى تسرب أبنائها من التعليم، مشكلات عديدة خلقت نوعاً من «الخنقة» التعليمية للغالبية العظمى من الأطفال السوريين الذين لا يزالون فى المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، بجانب أزمة الأوراق الرسمية اللازمة لدخول الطلاب الجامعات المصرية، الأمر الذى دفع ببعض الجهات السورية غير الرسمية لإنشاء مراكز إعادة تأهيل للطلاب وتيسير التحاق الطلاب بمدارسهم.
«مُعلم سورى»: أساعد الطلاب لعبور الأزمات التى واجهتنى.. و«ربة منزل»: اعتماد مصروفات الجامعات بالدولار بدلاً من الجنيه يزيد أعباءنا
«أم لأربعة أطفال فى مراحل تعليم مختلفة، ومن خلال دراستهم فى المدارس المصرية كنت أرى مدى الصعوبات التى تواجههم، سواء من حيث اللهجة المختلفة، أو من حيث اختلاف الثقافات»، هكذا قالت سيدة سورية أربعينية العمر، رفضت ذكر اسمها، مضيفة: «دفعنى هذا إلى التفكير فى أن أعمل فى مجال التدريس خاصة للسوريين، من أجل التخفيف عليهم من هذه الأعباء، خاصة أننى كنت أعمل مدرسة رياض أطفال عندما كنت فى سوريا».
تقول السيدة السورية: «أتحدث اللغة العربية الفصحى، وهذا ساعدنى بشكل كبير عندما جئت إلى مصر منذ ثلاثة أعوام تقريباً أن أمارس عملى فى التدريس مرة أخرى، ومكثت عاماً كاملاً فى المنزل أقوم فيه بتقديم الدروس الخصوصية لبعض الأطفال المصريين، ومنذ عامين علمت أن هناك مراكز تعليمية متخصصة فى تعليم السوريين، تقدمت إلى العمل فى أحدها، وبالفعل أعمل به الآن، ورغم أن الأجور رمزية، فإننى أحببت هذا الوضع بشكل كبير، خاصة عندما تشعر أنك تساعد هؤلاء الأطفال فى استعادة حياتهم الطبيعية مرة أخرى».
وأضافت: «منذ عدة أيام تحدثت مع طفلة وكان لحديثها تأثير كبير فى نفسى، فقد اشتكت لى من عدم وجود بيت لها، وأنها قد فقدت ألعابها، وقد دمعت عيناها وهى تتحدث، ما جعل عينى تدمع أيضاً، وطفل آخر كان والده قد قتل فى الأحداث، كان يتحدث إلىّ ويقول لى إنه يريد أن يكون شرطياً لكى يتمكن من الانتقام ممن قتل أباه، إلا أننى مع مرور الوقت علمته أن القتل لا يكون إلا بحساب، ويجب أن تكون له ضوابط، حتى تغيرت الفكرة فى رأسه وأصبح يريد أن يكون قاضياً حتى يتمكن من محاكمته».
مديرة مركز الأمل المشرق: نهدف إلى تخفيف أعباء تغير اللهجة على الأطفال وحل مشكلاتهم النفسية والعصبية.. وإيجاد فرص عمل للمعلمين
يقول أمين الحموى، مُعلم سورى، إنه جاء إلى مصر فى أوائل عام 2013، وفى البداية لم تكن الظروف سهلة بالنسبة له، خاصة مع اختلاف اللهجة المصرية عن السورية، ومن ثم تعرض لمعاناة كبيرة فى المعيشة، لا سيما أن لكل بلد طريقة خاصة بها فى التعامل، فيقول: «أنا على وجه الخصوص لم تكن لى سابق تعاملات مع الشعب المصرى، ولم أزر مصر من قبل، فلم أكن أعرف شيئاً عن الحياة هنا، وفى بداية الأمر قدم لى البعض المساعدة، ووفروا لى شقة بجوار محطة سعد زغلول، ومكثت بها فترة حتى أتمكن من التعرف بشكل أكبر على الحياة المصرية».
يضيف «الحموى»: «كنت أدرس فى كلية الشريعة بجامعة دمشق فى سوريا، وكنت منشداً دينياً، وأثناء فترات الدراسة كنت أعمل مع والدى فى مطعم للمأكولات والمشروبات، وعندما جئت إلى مصر لم تتوافر أمامى فرص عمل، ومن ثم بدأت أعمل بشكل منفرد كمدرس قرآن كريم ولغة عربية، وفى نفس الوقت كنت أعمل سائقاً لإحدى المدارس الخاصة بالوراق، ومع مرور الوقت علمت أن الكثير من السوريين موجودون فى مدينة 6 أكتوبر، وأن هناك مراكز تعليمية سورية، فقررت أن أترك شقتى بميدان التحرير وأنتقل إلى هناك، وبالفعل تقدمت بالسيرة الذاتية لأكثر من مركز تعليمى ومدرسة خاصة، وتم قبولى فى المركز الذى أعمل فيه الآن منذ ما يقرب من عامين».
«هيام»: بعض الطلاب يعانون من أزمات نتيجة لعدم وجود عائل.. ونحاول أن نعوض هذا النقص لدى الأطفال
يواصل «الحموى»: «أشعر أن تعليم الطفل السورى الموجود فى مصر حالياً مسئولية على كل سورى يمتلك القدرة على مساعدتهم»، يستطرد الرجل الأربعينى: «خاصة أن المعلمين المصريين إذا كان أغلبهم على قدر من الكفاءة، إلا أن المعلم السورى لدية القدرة على التعامل مع الطفل السورى بشكل أكبر، لا سيما فيما يخص اللهجة».
المقابل المادى الذى يحصل عليه «الحموى» مقابل التدريس فى هذه المراكز ضعيف، ولكن كما يقول: «هى مسئولية يجب أن نقوم بها، ولكن فى البداية كنت أواجه صعوبات كثيرة فى توفير نفقات أسرتى، وبالتالى قررت أن أعمل معلماً فى فترة الصباح، وفى المساء أعمل فى مطعم يقدم مأكولات سورية، وهذا ما جعلنى أشعر براحة نفسية أكبر، وأصبحت أعمل فى التدريس دون ضغوط وأقدم أفضل مما كنت أقدمه فيما قبل، خاصة أن هدفى من التعليم والتدريس للطفل السورى هنا ليس مادياً».
أما هيام بكور «سورية»، فتقول إنها تعيش فى مصر منذ ما يقرب من 5 أعوام، وكانت تعمل فى مجال التدريس بسوريا، وعندما جاءت إلى مصر رغبت فى العمل بمجالات أخرى، حيث تقول: «فى بداية الأمر كنا نعيش حالة من عدم الاستقرار، وبعد شهور قليلة بدأت العمل فى مدرسة خاصة افتتحها صاحبها المصرى وقتها للسوريين، ولأننى كان لدى أطفال صغار يجب أن أهتم بشئونهم، فكنت لا أداوم فى العمل طوال الأسبوع، وإنما كنت أذهب إلى المدرسة ثلاثة أيام فقط، حتى أتمكن من رعاية صغارى».
تستطرد «هيام»: «بعد مرور عام التحقت بالمركز التعليمى الذى أعمل به الآن، وأقوم فيه بتدريس مادة العلوم بداية من الصف الخامس الابتدائى وحتى الصف الثالث الإعدادى، وأداوم فيه الآن دواماً كاملاً، خاصة أننا نؤدى أمانة كبيرة، متمثلة بشكل كبير فى إعادة تأهيل هذا الطفل السورى الذى دمرته الحروب مرة أخرى».
من المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية إلى الدراسة الجامعية، تكتمل المنظومة الدراسية، عند السوريين، فى رحلة تحتاج إلى العديد من الخطوات والأوراق الرسمية اللازمة لإتمامها، التى تختلف إلى حد كبير مع التقدم إلى مدارس المرحلتين الابتدائية والإعدادية، طبقاً لما ذكرته وجيدة السماحى، سورية تعيش فى القاهرة منذ ثلاث سنوات، تقول إن أولى تلك الخطوات تتمثل فى ملء استمارة إلكترونية عبر موقع وزارة التعليم العالى فى مصر، ثم اختيار الأفرع التعليمية التى يرغب الطالب فى الالتحاق بها ضمن جامعات مصر عبر نفس الموقع، مع إلحاق الوثائق الرسمية المطلوبة لاستيفاء شروط الانتساب إلى الجامعة، بداية من شهر سبتمبر من كل عام وحتى الأيام الأولى من شهر أكتوبر، ثم يعاد فتح التسجيل مرتين متتاليتين بعد غلق باب التسجيل كجزء من التسهيلات المقدمة للطلاب الذين فاتتهم مواعيد التسجيل الرسمية، وبعد ظهور النتائج الإلكترونية يتوجه الطلاب بورقة «مبروك» التى تظهر على الموقع إلى السفارة السورية فى القاهرة لتصديقها مع شهادة الثانوية العامة والتقدم بطلب للحصول على إخراج قيد مدنى وورقة «لا مانع» من السفارة.
تضيف السيدة الخمسينية، التى خاضت تلك الخطوات للحاق ابنها وبنتها بالجامعات المصرية على مدار العامين الماضيين، أنه يتم السماح للطالب السورى بالتسجيل بإحدى الجامعات التى أتيحت له من خلال المفاضلة، ويتجه الطالب فى خطوته الثالثة إلى إدارة الطلبة الوافدين الموجودة فى شارع رمسيس بمحافظة القاهرة لتقديم كافة الوثائق السابقة و6 صور شخصية، حتى يتمكن من التسجيل بشكل رسمى فى الجامعة التى اختارها ويحق له الانتساب لها، وبعد فترة شهر تقريباً يكون ملف الطالب الوافد وصل إلى الجامعة.
تشتكى «وجيدة» من قيام السلطات المصرية بإلغاء قرار معاملة الطلاب السوريين مثل المصريين فى المصروفات المفروضة عليهم مثلما كان يحدث فى السنوات التى أعقبت قيام ثورة 25 يناير، واعتماد مرسوم جديد ينص على معاملة الطلاب السوريين المستجدين مثل الطلاب الأجانب ودفع رسوم الجامعات بالدولار لكن بعد خصم 50% من الرسوم المترتبة على الطالب الأجنبى والتى تتراوح ما بين ٤٠٠٠ إلى ٥٠٠٠ دولار للعام الواحد حسب الفرع المختار، ولكن دون أن يشمل هذا القرار السوريين الحاصلين على شهادة الثانوية العامة من جمهورية مصر العربية.
إبراهيم صلاح، شاب سورى يعيش فى مدينة 6 أكتوبر منذ عامين، ترك جامعة حلب وهو فى السنة الثانية من كلية التجارة والأعمال، دون أن يحصل منها على أوراق رسمية تفيد التحاقه بها، الأمر الذى تسبب فى بدء مرحلة جامعية جديدة فى مصر، وضياع عامين عليه، بعد أن قام بسداد غرامة «متسرب» قدرها 100 جنيه عن كل عام، فيقول: «الصعوبات المالية التى فرضتها السلطات المصرية والسفارة السورية فى نفس الوقت على الطلاب الملتحقين للجامعات تتسبب فى أوقات كثيرة فى هروب الطلاب السوريين من التعليم، والاكتفاء بما حصلوا عليه فى سوريا؛ لسببين، الأول خاص بانشغال الطلاب بالعمل طوال اليوم لتوفير لقمة العيش، والثانى، ارتفاع القيمة المالية للمصروفات الجامعية، بعد اعتمادها بالدولار وليس بالجنيه المصرى، وهو ما يفرض على السورى مبالغ كبيرة لا يتحملها، خاصة أنه يقع فريسة لتجار الدولار الذين يبيعونه له بأسعار عالية لعدم وجود تعاملات مالية بين السوريين والبنوك المصرية، وهو ما لا يسمح لهم بالحصول على تبادُلات عُملة».
وأضاف الشاب العشرينى أن المصاعب المالية طالت رسوم تصديق الأوراق الرسمية التى فرضت السفارة السورية دفعها بالدولار بعد أن كانت بالجنيه المصرى هى الأخرى، الأمر الذى يتطلب إعادة النظر فى تلك القضايا، خاصة أن التحاق الطلاب السوريين بالجامعات يعتبر أولى خطوات حصولهم على إقامة رسمية نظامية للبقاء فى مصر، دون مطاردة أجهزة الأمن.
وقالت هنادى بشير، مدير مركز الأمل المشرق التعليمى السورى فى مصر، إنها جاءت إلى مصر منذ خمس سنوات، بعد أسابيع قليلة من اندلاع الثورة السورية، وساهمت فى تأسيس خمسة مراكز تعليمية بإدارة مركزية واحدة، كل مركز كان يضم «مركز ابتدائى» واثنين إعدادى «ذكور وإناث»، لاستيعاب الأعداد الكبيرة من أبناء السوريين المتخلفين عن الدراسة لعدم وجود أوراق رسمية بحوزتهم، ما كان يهددهم بعدم استكمال مشوارهم التعليمى، وقامت الفكرة منذ اللحظات الأولى لميلادها على التعليم المجانى بشكل كامل، تحت رعاية جمعيتين خيريتين مصرية وسورية، ومع تعقد الأمور من ناحية، وتزايد أعداد الطلاب السوريين الملتحقين من ناحية أخرى، لجأوا للحصول على ثمن رسوم التقدم حتى يستطيعوا مواصلة العمل.
وأضافت «هنادى» أنها عملت فى مجال التربية والتعليم فى سوريا لمدة 20 عاماً، وشغلت موقع وكيلة مدرسة قبل شهور من اندلاع الثورة، الأمر الذى دفعها فور مجيئها إلى مصر، للتفكير فى تكوين المركز، بعدما شاهدت كثيراً من الأطفال السوريين يواجهون مشكلات نفسية وعصبية نتيجة اختلاف اللهجة، التى تتسبب فى ضعف تحصيلهم التعليمى، بالإضافة إلى أن احتياجات الطفل السورى التربوية تختلف إلى درجة كبيرة مع الطفل المصرى، وعلى الجانب الآخر كانت فرصة لتوفير وظائف للمعلمين السوريين الذين جاءوا إلى مصر، وبذلك يجد الطالب السورى من يستوعب منه، ويحصل المعلم على أجر يساعده على أعباء الحياة فى مصر.
«وصلنا حتى الآن إلى أكثر من 30 مركزاً تعليمياً داخل مدينة 6 أكتوبر وخارجها، لكافة المراحل التعليمية، ابتداء من الحضانة وحتى الثانوية العامة، يوجد فيها 65 معلماً وإدارياً، و800 طالب موزعين على 23 فصلاً دراسياً»، تضيف مديرة المركز أن القائمين على المركز يمهدون إلى أن يصبحوا ضيفاً خفيفاً على أشقائهم المصريين الذين يعانى أبناؤهم من بعض المشكلات التعليمية المتمثلة فى ارتفاع كثافة الفصول وعدم جاهزية الفصول لاستيعابهم، وفى نفس الوقت، ومن ثم تحول المركز فيما بعد إلى مصدر تأهيل نفسى ومجتمعى لكافة الملتحقين به، وحل المشاكل التى يعانى منها الطلاب، مثل صعوبات التعلم والنطق، ومساعدة المتسربين من التعليم فى العودة مرة أخرى والبدء من جديد.
وعن الصعوبات التى واجهها المركز فى بداية إنشائه أكدت «هنادى» أن التحدى الحقيقى كان مهنياً إلى درجة كبيرة، يتمثل فى إعادة تأهيل الطلاب وترغيبهم فى التعليم: «تمكنا من تحقيق إعادة التأهيل من خلال التعاون مع مراكز تأهيل أخرى، مع ضرورة الأخذ فى الاعتبار أن كافة المراكز غير رسمية، والطلاب الملتحقون بها مسجلون فى الأساس بالمدارس المصرية، نستقدمهم لدراسة المناهج المصرية على الطريقة الشامية بالتعاون مع الجهات المختصة، ثم يذهب للامتحان فى المدارس المصرية تحت إشراف وزارة التربية والتعليم، مع ضرورة ذهابه كل يوم خميس من كل أسبوع إلى مدرسته الرسمية للتعرف على معلميه المصريين ومعرفة أوقات الاختبارات، ونفس الأمر ينطبق على الطلاب الليبيين والعراقيين والفلسطينيين الموجودين لدينا فى المركز الذى لم يعد يقتصر على السوريين فقط».