ليس لغياب العدل عن إدارة الشأن العام والعملية السياسية أن ينتج استقراراً حقيقياً. ليس لعبث السلطة التنفيذية باستقلال القضاء وتدخلها السافر به أن يؤسس لسيادة القانون أو للعدالة الانتقالية. هذا هو فحوى «الدرس البليغ» الجديد الذى قدمه القضاء المصرى، ممثلاً فى محكمة استئناف القاهرة، إلى رئيس الجمهورية بإلغاء قرار إقالة النائب العام السابق والحكم ببطلانه.
درس بليغ جديد، بعد قرار المحكمة الدستورية العليا إعادة قانون الانتخابات (تعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون مجلس الشعب) إلى مجلس الشورى لعدم دستورية بعض مواده.
درس بليغ جديد، بعد قرار محكمة القضاء الإدارى وقف إجراءات الانتخابات البرلمانية التى كان رئيس الجمهورية قد أعلن عنها نظراً لتحايل مجلس الشورى على ضرورة تثبّت المحكمة الدستورية العليا من تعديل مواد قانون الانتخابات التى قضت بعدم دستوريتها.
درس بليغ جديد، يعيد به القضاء التأكيد على ضرورة إزالة كافة آثار إعلان محمد مرسى الاستبدادى فى 21 نوفمبر 2012، الذى حمل عصفاً مباشراً باستقلال السلطة القضائية وتدخلاً سافراً فى أعمالها.
فى الكثير من المجتمعات التى مرت بتغيرات متسارعة بعد ثورات وغابت بها رشادة الفعل عن نخبة الحكم، وعجزت النخبة هذه مع المعارضة عن صياغة شراكة وطنية تضمن قواعد عادلة لإدارة الشأن العام والعملية السياسية على نحو ديمقراطى، وتؤسس لسيادة القانون وللعدالة الانتقالية، تحولت تلقائياً مسئولية الترشيد إلى السلطة القضائية دون أن ينفى ذلك حتمية انشغال القضاء أيضاًً بإجراءات الإصلاح الذاتى.
وواقع الأمر أن الحالة المصرية تتسق مع هذا النمط الذى سبقتنا إليه دول ككينيا وغانا فى القارة الأفريقية، وبيرو والإكوادور فى أمريكا اللاتينية. وفى مجتمعات أخرى، مارس الإعلام الحر، السلطة الرابعة، الدور الترشيدى عبر الرقابة على فعل نخبة الحكم والمعارضة، والضغط المستمر عليهما لإعادة النظر فى توجهاتهما وسياساتهما. وبعض ملامح مثل هذا الدور الحيوى للإعلام حاضرة فى حالتنا المصرية.
هنا، فى دور القضاء فى المقام الأول والإعلام بدرجة ثانية، أكثر من سبب لعدم فقدان الأمل بتجاوز مصر أزماتها الراهنة وترشيد إدارة الشأن العام وقواعد العملية السياسية.