رحلة القانون: البداية أثناء حكم «المجلس العسكرى».. والقرار فى عهد «السيسى»
أكثر الأعمال مشقة أقلها أجراً
أكثر من عامين مرا على تطبيق قانون الحد الأقصى للأجور على العاملين بالدولة، إلا أن الأمر ما زال محل جدل فى كافة الأوساط الحكومية والخاصة المعنية به، حيث عارض العاملون فى بعض الجهات، منها البنوك وشركات البترول، تنفيذه، الأمر الذى وصل بهم لإقامة دعاوى قضائية ضده، فى حين أن البعض الآخر قبل تنفيذ القانون مضطراً، مع استمرار محاولات فئات أخرى الحصول على استثناءات من الخضوع له.
«عيسى»: استثناء بعض القطاعات من الخضوع للقانون أهدر جزءاً كبيراً من فوائد كان متوقعاً تحقيقها.. وبعض رواتب موظفى القطاع العام تصل للملايين
«الوطن» ترصد رحلة القانون منذ بداية التفكير العملى فى وضع حد أقصى للأجور، ثم إقراره كقانون من قبل رئيس الجمهورية، عبدالفتاح السيسى، حيث بدأ التفكير فى إعداد تشريع لوضع حد أقصى للأجور عام 2011 فور تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة الدولة عقب ثورة 25 يناير، وأصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى شهر ديسمبر 2011 مرسوماً بقانون رقم 242 لسنة 2011 يقضى بألا يزيد الحد الأقصى للأجر على 35 مثل الحد الأدنى، الذى تم تحديده آنذاك بحوالى 683 جنيهاً وحدد المرسوم سريان الحد الأقصى للأجور على الحكومة فقط.
المحطة الثانية لـ«الحد الأقصى للأجور» كانت عقب تولى الدكتور كمال الجنزورى رئاسة الوزراء فى ديسمبر 2011، حيث أصدر آنذاك قراراً بتطبيق مرسوم القانون، على أن يبدأ التنفيذ من يناير 2012، وطُبق القانون فى ذلك الوقت على كل ما يتقاضاه سواء كان فى شكل راتب أو مكافأة أو حافز أو أجر إضافى أو بدل أو مقابل حضور جلسات مجلس إدارة أو لجان، سواء فى جهة عمله أو أى جهة أخرى على أن تؤول إلى الخزانة العامة المبالغ التى تزيد على الحد الأقصى وإلزام من تقاضاها بردها إلى جهة عمله 30 يوماً من انتهاء السنة المالية وإلا تعرض الممتنعون عن التنفيذ للغرامة التى يحددها القانون.
«عبده»: القانون يوفر 4 مليارات سنوياً للدولة منذ تطبيقه.. وخطوة مهمة لخفض عجز الموازنة وتحقيق العدالة الاجتماعية تحتاج إلى التفعيل الكامل
المحطة الثالثة، كانت أثناء حكم جماعة الإخوان، حيث أصدر المرسى حجازى، وزير المالية الأسبق، منشوراً سنة 2013 طالب فيه من يتجاوز دخله 35 ضعف الحد الأدنى مع سداد أى مبالغ تزيد على الحد الأقصى فى موعد أقصاه 30 مايو من كل عام.
وفى سبتمبر 2013 طالبت وزارة المالية جميع الجهات الحكومية باتخاذ إجراءات تطبيق الحد الأقصى لدخول العاملين بكل جهة على حدة، وربطه بالحد الأدنى، بأثر رجعى من أول يوليو 2013.
وصدّق حازم الببلاوى، رئيس الوزراء الأسبق، فى شهر نوفمبر 2013 على قرار بتحديد الحد الأقصى للدخل للعاملين فى الجهاز الإدارى للدولة بـ35 مثل الحد الأدنى، بحيث لا يتجاوز 42 ألف جنيه واتخاذ الإجراءات القانونية لتطبيق ذلك ابتداء من أول يناير 2014 وكلف وزراء المالية والتنمية الإدارية بتحديد الآليات اللازمة لتنفيذ ذلك، وخلال هذه الفترة كثرت الدعاوى القضائية من العاملين فى بعض الجهات لوقف تنفيذ هذا القانون.
أما المرحلة قبل الأخيرة لتطبيق القانون فكانت فى عهد المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء السابق، الذى أصدر قراراً بتطبيق الحد الأقصى للأجور فى فبراير 2014 ليشمل جميع ما يتقاضاه الموظف العام من بدلات حضور وانتقال وخلافه، وإلزام مراقبى حسابات المالية والجهاز المركزى للمحاسبات بتنفيذ هذا القرار عليهم، وعلى كل الأجهزة الرقابية الأخرى الإبلاغ عن أية مخالفة مع التشديد على إلزام الحاصلين على من تجاوز دخله الحد الأقصى برده للخزانة العامة للدولة عبر الجهة التابع لها، وكان من المفترض أن يبدأ العمل بالقرار فى 26 مارس 2014.
والمرحلة الأخيرة لتطبيق وتنفيذ «الأقصى للأجور» على أرض الواقع كانت فى شهر يوليو 2014 حيث أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى قراراً بقانون بتحديد الحد الأقصى للعاملين بأجر لدى أجهزة الدولة سواء فى الحكومة ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة والقومية الخدمية والاقتصادية وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة والعاملين بقوانين وكادرات خاصة بمبلغ 42 ألف جنيه شهرياً، بما يعادل 35 ضعفاً من الحد الأدنى 1200 جنيه.
وأكد خبراء اقتصاديون أن قرار الحكومة تطبيق الحد الأقصى للأجور ساهم بلا شك فى تخفيض عجز الموازنة العامة للدولة، لأنه خفض جانب الأجور فى الموازنة العامة للدولة، كما أنه يصب فى جهود الحكومة نحو تحقيق عدالة اجتماعية فى المستوى العام للدخول، فيما رأى بعضهم أن حصول بعض القطاعات على استثناءات من الخضوع للقانون لم يحقق أهداف القانون بشكل كامل.
وقال الدكتور فخرى الفقى، نائب المدير التنفيذى السابق لصندوق النقد الدولى، إن الدولة اتجهت إلى تطبيق الحد الأقصى للأجور كخطوة ضمن خطواتها لتخفيض العجز المالى فى الموازنة العامة للدولة، خاصة بعد أن تخطى الحد الآمن للعجز وفقاً للقواعد الاقتصادية، كما أن ذلك من شأنه تحقيق عدالة اجتماعية.
وقال رضا عيسى، الخبير الاقتصادى، إنه بعد مرور نحو عامين على تطبيق الحد الأقصى للأجور يمكن القول إن الحكومة نجحت نسبياً فى تحقيق وفورات مالية للموازنة العامة للدولة عبر تخفيض المخصصات الخاصة بالأجور، لكن ذلك فيما يتعلق بالعاملين فى الجهاز الإدارى للدولة فقط، لكن حصول بعض القطاعات الاقتصادية والفئات على استثناءات من الخضوع للقانون أهدر جزءاً كبيراً من الفوائد التى كان متوقعاً أن تحققها الدولة والخزانة العامة للدولة جراء تطبيق قانون الحدين الأدنى والأقصى للأجور من قبل الحكومة.
وأضاف «عيسى»: «قرار «الأقصى للأجور» لم يطبق على البنوك وشركات تابعة للقطاع العام، ومنها شركات البترول التى تقدر رواتب العاملين بها بالملايين، خاصة بعد أن حصلوا على حكم القضاء الإدارى باستثنائهم، لكن هذا الأمر ضرب الهدف الخاص بتحقيق العدالة الاجتماعية، الذى كان أحد أبرز الأهداف التى روجت لها الحكومة عند إعلانها عن تطبيق الحدين الأدنى والأقصى للأجور، وشدد على أن استثناء بعض الجهات كالبترول والقضاء والبنوك من تطبيق قرار الأقصى للأجور كان أمراً خاطئاً ويخل بمبدأ المساواة الذى نص عليه الدستور، مطالباً الحكومة بتعديل القانون كى يندرج تحته جميع الهيئات القضائية والبنوك وشركات القطاع العام خاصة العاملة فى قطاع البترول.
وقال الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادى، إن تطبيق الحدين الأقصى والأدنى للأجور كان بمثابة خطوة مهمة على طريق العدالة الاجتماعية وتخفيض عجز الموازنة العامة للدولة، خاصة أن تطبيق الحد الأقصى للأجور وفر للخزانة العامة نحو 4 مليارات جنيه سنوياً بعد تطبيقه على جميع الأجهزة والهيئات التابعة للدولة.
وأوضح أن الثغرة التى شابت القانون هى حصول بعض الفئات على استثناء من الخضوع له، لافتاً إلى أن التطبيق الكامل لقانون الحد الأدنى والأقصى للأجور من شأنه توفير نحو 20 مليار جنيه.
وأضاف: «علينا الاعتراف بأن تطبيق الحد الأقصى للأجور كان خطوة مهمة من جانب الدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع العاملين بالجهاز الإدارى والهيئات التابعة للدولة، كما أنه بداية تطبيق مواد الدستور، علماً بأن إقرار الحد الأقصى للأجور من شأنه تحقيق عائد تستخدمه الدولة فى تمويل تطبيق الحد الأدنى للأجور لرفع الدخول المتدنية للعاملين بالدولة».