بدأت أمس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب مناقشة مشروع قانون «التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام»، وهو المشروع الذى طال انتظاره لمعالجة الأوضاع الصحفية والإعلامية وسد الفراغ الذى نتج عن انتهاء صلاحيات المجلس الأعلى للصحافة فى الثالث من يناير الماضى.
وقد جاء المشروع الجديد المقدم من الحكومة إلى البرلمان لوضع نصوص مواد الدستور «211، 212، 213» موضع التطبيق، وذلك عبر إنشاء الأجهزة الإعلامية والصحفية الثلاثة التى نص على إنشائها، وهى:
- المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
- الهيئة الوطنية للصحافة
- الهيئة الوطنية للإعلام
إن السؤال الذى يطرح نفسه هنا: لماذا هذه الضجة التى يحاول البعض افتعالها ضد مشروع القانون الجديد، الذى فصل مواد الهيئات الثلاث عن «مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام»؟
بداية يمكن القول إن الحكومة، ومنذ البداية، أعلنت استجابتها لما ستتوافق عليه الجماعة الصحفية والإعلامية، وأنها ستتقدم بمشرع القانون إلى مجلس الدولة للنظر فى مطابقته لمواد الدستور من عدمه.
ورغم أن صوت الكثيرين قد «بح» منذ البداية، مطالبين بفصل الهيئات عن القانون، لمخالفة ما هو مقدم لمواد الدستور 211، 212، 213 فإن الحكومة صمّت آذانها ومضت فى طريقها وأحالت القانون برمته إلى مجلس الدولة.
وقد كان من رأى أصحاب الاتجاه المعارض فى هذا الوقت، وفق ما نصت عليه مواد الدستور، «أن القانون يحدد إنشاء الهيئات الثلاث ونظام عملها والأوضاع الوظيفية للعاملين فيها»، وهو ما توافر فى النصوص المقدمة من لجنة الخمسين، غير أن المواد الدستورية الثلاث نصت تحديداً على أخذ رأى الهيئات الثلاث فى مشروعات القوانين واللوائح المتعلقة بعملها.
وأذكر فى هذا الصدد أن لقاء جرى بين ممثلين لنقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للصحافة وعدد من رؤساء تحرير الصحف والإعلاميين وكنت من بينهم بدعوة من وزير العدل السابق «أحمد الزند» لمناقشة القانون، وكنت أنا وعدد من الزملاء نميل إلى الفصل، وأيّدنا فى ذلك المستشار الزند والمستشار حسن بدراوى رئيس قسم التشريع بوزارة العدل، إلا أن التهديدات انطلقت من البعض بأن الفصل يمثل اعتداء على لجنة الخمسين، وإهداراً لقانونها.
وبعد التعديلات والحوارات أرسلت الحكومة نص المشروع المقدم من لجنة الخمسين إلى مجلس الدولة لأخذ الرأى النهائى فيه تمهيداً لعرضه على البرلمان، وكان ذلك بتاريخ 7/6/2016، وبعد قيام إدارة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة بمراجعته على مدى الشهور الماضية أرسل خطاباً إلى أمين عام مجلس الوزراء أكد فيه:
أولاً، أن المشروع المذكور سبق عرضه على قسم التشريع بمجلس الدولة فتدارسه واستبان له أن كثيراً من أحكامه تحتاج إلى توضيح من الجهات القائمة على إعداده، وأن هناك عدة مقترحات بتعديلات عليه وردت من كل من المجلس الأعلى للصحافة واتحاد الإذاعة والتليفزيون ونقابة الصحفيين، مما استلزم طلب حضور مندوبين عن الجهات ذات الشأن، فحضر مندوب عن وزارة الشئون القانونية، ووزارة التخطيط، ووزارة العدل، وشاركوا القسم فى مناقشات على مدار عدة جلسات، توافقوا خلالها على بعض التعديلات ثم طلبوا أجلاً لإجرائها وموافاة القسم بمشروع يتضمن ذلك.
ثانياً، أنه وبتاريخ 16/10/2016 ورد مشروع القانون المعدل رفق كتاب السيد المستشار وزير الشئون القانونية، فعُرض على القسم الذى لاحظ تلافى كثيراً مما اعتور المشروع السابق من شبهات عدم الدستورية واستجاب لكثير من مقترحات الجهات الصحفية والإعلامية، فقام القسم بمراجعته وأدخل عليه التعديلات لضبط بعض النصوص التى تضمنت أحكاماً مختلفة لمسائل مشابهة دون مبرر للمغايرة، الأمر الذى قد يجعلها مشوبة بعدم الدستورية لو ظلت على حالها، فلم يتدخل لرفع ما بها من عوار لكونها مرتبطة بأحكام موضوعية يتعين تعديلها بمعرفة الجهة القائمة على إعداد المشروع، وذلك على النحو الذى ورد ذكره فى الخطاب المقدم إلى مجلس الوزراء.
ثالثاً، إن الرد تضمّن العديد من الملاحظات المقدمة من إدارة التشريع بمجلس الدولة إلى الحكومة المسئولة عن إعداد وتقديم المشروع دستورياً، لكن أخطر هذه الملاحظات التى تضمّنها هو رد إدارة التشريع بمجلس الدولة تقول الآتى حرفياً:
«أوجب الدستور فى المواد أرقام «211، 212، 213» أخذ رأى كل من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام فى مشروعات القوانين واللوائح المتعلقة بمجال عملها، وهى ضمانة دستورية إجرائية، يتعين دوماً إعمالها، وبالتالى فإن الأكثر اتفاقاً مع سياق النصوص الدستورية أن يتم تشكيل تلك الأجهزة وتنظيم أعمالها بقانون أولاً، ثم يتم وضع القوانين المنظمة لشئون الصحافة ووسائل الإعلام، حتى يمكن عرض هذه القوانين على تلك الأجهزة لتبدى رأيها فيها وفقاً للدستور، لا سيما أنه لا يوجد فراغ تشريعى فى شئون الصحافة والإعلام المنظمة بقانونين قائمين».
هذا هو رأى قسم التشريع بمجلس الدولة المرسل رسمياً إلى أمين عام مجلس الوزراء، وهو أمر يجب الاعتداد به عند إصدار القانون، وإلا أصبح القانون مطعوناً عليه بعدم الدستورية حال إصداره، مما يتسبب فى تعطيله واستمرار الأوضاع الراهنة على ما هى عليه.
إن المشروع المقدم من الحكومة يتطابق تماماً مع المشروع المقدم من لجنة الخمسين، فقط تم فصله من سياق القانون الأساسى استجابة لتوصية قسم التشريع بمجلس الدولة، غير أن البعض يطالب بعدم الفصل للأسباب الآتية:
- إن بقاء حالة الشلل الراهنة، بعد انتهاء صلاحيات المجلس الأعلى للصحافة منذ يناير الماضى، تأتى فى مصلحة الإبقاء على رؤساء مجالس الإدارات ورؤساء تحرير المطبوعات الصحفية بالمؤسسات القومية رغم انتهاء مدة البعض منهم فى يناير الماضى والبعض الآخر فى يونيو الماضى.
- أن إصرار البعض على تعطيل إصدار القانون، خاصة بعض قيادات المجلس الأعلى للصحافة، ينطلق من حرص على استمرار المجلس الأعلى للصحافة بوضعيته وتشكيله الحالى، وهو أمر كان يجب أن ينأوا بأنفسهم عنه لوجود شبهة المصلحة فى الاستمرار وتعطيل إصدار القانون الآخر.
- أن إصرار البعض على التمسك بالقانون الموحد، رغم شبهة عدم الدستورية، يؤكد أن هناك من يتعمد تعطيل إصدار القانون من الأساس من خلال الادعاء بحجج واهية، ومعلومات مغلوطة والسعى إلى إثارة الجماعة الصحفية تحديداً بادعاءات كاذبة ولا أساس لها.
- أن هناك من يسعى إلى فرض سياسة الأمر الواقع، وكأنه يريد تجريد البرلمان من مسئولياته وحقه فى التشريع، متجاهلاً صلاحياته الدستورية والقانونية، ولذلك بدأت الحملة ضد مجلس النواب مبكراً جنباً إلى جنب مع الحملة الممنهجة ضد الحكومة وتحميلها مسئولية الفصل بين مشروع قانون «التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام» وبين مشروع «قانون تنظيم الصحافة والإعلام» رغم علمهم بأن الحكومة لم تلجأ إلى الفصل إلا استناداً لتوصية مجلس الدولة وحرصاً على عدم الطعن على دستورية القانون حال إصداره.
وإذا كان الفصل بين مشروعَى القانونين يأتى استناداً إلى النصوص الدستورية كما ذكرت، فإنه أيضاً يستند إلى تفعيل المواد 70، 71، 72 من الدستور والتى تتناول حرية الصحافة والإعلام والضمانات القانونية التى تمنحهما الصلاحيات التى تؤهلهما للقيام بدورهما بما يضمن حق المواطن فى وجود إعلام مهنى ونزيه وفقاً لمعايير الجودة العالمية وبما يتوافق مع دعم الهوية الثقافية المصرية واستقلالية وحرية وحيادية المؤسسات الصحفية والإعلامية المصرية.
يتضمن المشروع المقدم من الحكومة «89» مادة مقسمة على ستة أبواب تتناول التعريفات والمواد المتعلقة بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام والعقوبات والأحكام الانتقالية.
وقد حدد القانون مهام المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام فى تلقى الإخطارات بإنشاء الصحف ومنح التراخيص لإنشاء وسائل الإعلام المسموع والمرئى والرقمى، ووضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام هذه المؤسسات بالقواعد والمعايير المهنية بالتنسيق مع النقابة العامة وغيرها من الصلاحيات.
أما الهيئة الوطنية للصحافة فاختصاصاتها، وفقاً لمشروع القانون، تتحدد فى إبداء الرأى فى مشروعات القوانين واللوائح المتعلقة بمجال عملها والرقابة على الأداء الاقتصادى والإدارى للمؤسسات القومية والإشراف عليه من خلال آليات عملية للرصد والمتابعة، وتعيين رؤساء مجالس إدارات المؤسسات الصحفية القومية ورؤساء تحرير المطبوعات الصادرة عنها، بالإضافة إلى اعتماد قرارات مجالس الإدارة بالمؤسسات الصحفية القومية بمد السن بالنسبة للإداريين والعمال.
أما الهيئة الوطنية للإعلام، والتى ستحل محل الإذاعة والتليفزيون، فإن أهدافها تتركز فى تنمية أصول المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة وضمان التزامها بمقتضيات الأمن القومى وحماية حق المستهلك فى الحصول على خدمات إعلامية بأجود المعايير وأفضل الشروط، وضمان التزام المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة بتطبيق معايير وضوابط المحتوى الإعلامى التى يضعها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
ويخصص الباب الخامس من مشروع القانون للعقوبات التى تضمّنها المشروع المترتبة على مخالفة أحكامه.
أما عن الفترة الانتقالية التى تضمن الانتقال الصحيح من الوضع الحالى إلى الوضع الجديد وفقاً لما تضمّنه مشروع القانون المقدم من الحكومة فإنه ينص على سريان أحكام قانون العمل على العاملين بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لحين صدور القانون المنظم لشئونهم.
ونفس الأمر بالنسبة للهيئة الوطنية للصحافة، والتى ستحل محل المجلس الأعلى للصحافة، فسوف يؤول إليها ما له من حقوق وما عليه من التزامات، وينقل العاملون بالمجلس إلى الهيئة بذات درجاتهم وأقدميتهم ويحتفظ لهم بالمرتبات والبدلات وسائر الحقوق على أن يستمر العمل بذات اللوائح السارية إلى أن يصدر القانون المنظم لشئون العاملين بالهيئة.
وتحل الهيئة الوطنية للإعلام محل اتحاد الإذاعة والتليفزيون ويؤول إليها ما له من حقوق، وأوضاع العاملين تبقى كما هى إلى أن يصدر القانون المنظم لشئون العاملين بالهيئة.
أما عن التشكيلات المقدمة من الحكومة فى مشروعها فهى تنص على أن يشكل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بقرار من رئيس الجمهورية ويضم ممثلين من الإعلاميين والصحفيين ومجلس الدولة وجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية والشخصيات العامة من ذوى الخبرة يختارهم مجلس النواب وأيضاً ممثل عن المجلس الأعلى للجامعات.
أما الهيئة الوطنية للصحافة فهى أيضاً، وفقاً لمشروع القانون المقدم، سوف تشكل من ثلاثة عشر عضواً ممثلين للصحافة القومية وأصحاب الخبرات ومجلس الدولة ووزارة المالية والمجلس الأعلى للجامعات والعاملين بالمؤسسات القومية.
أما الهيئة الوطنية للإعلام فيتضمن المشروع المقدم تشكيل مجلس إدارتها ليضم ممثلين من الإعلاميين ومجلس الدولة ووزارة المالية والجهاز القومى لتنظيم الاتصالات وأساتذة الإعلام والاتحاد العام للنقابات الفنية والشخصيات العامة وذوى الخبرات، على أن يقوم رئيس الجمهورية باختيار رئيس الهيئة.. تلك هى أهم الأبواب التى تضمّنها قانون «التنظيم المؤسس للصحافة والإعلام»، وهى فى مضمونها تأتى متوافقة مع مطالب الجماعة الصحفية والإعلامية التى ملّت وضجّت من تجميد الأوضاع لحساب البعض، بينما كشفت المرحلة الماضية عن هؤلاء الذين يرفعون شعارات عن الديمقراطية واحترام القانون بينما هم أبعد من ذلك بكثير.