عزت إبراهيم يكتب لـ"الأهرام": جونسون وترامب.. والتغيير في الغرب
جريدة الأهرام
قال الكاتب الصحفي عزت إبراهيم في مقال نشرته جريدة "الأهرام" أمس تحت عنوان "جونسون وترامب.. والتغيير فى الغرب"، إن "روما - صعد بوريس جونسون إلى المسرح حاملا أوراقه بين يديه منهمكا في مطالعتها ثم بدأت الجلسة في منتدي المتوسط بمداعبة منه لأمين عام الجامعة العربية السفير أحمد أبو الغيط لم ينس قبلها أن يعرب وزير الخارجية البريطانية عن إتفاقه مع معظم ما قاله ابو الغيط بشأن حالة الإرهاب وتوصيفه للوضع في سوريا ثم اكتسبت وجهه علامات الجدية الشديدة وهو يخاطب الي جواره نائب رئيس المفوضية الأوروبية ثم يقذفه بعبارة حادة عن علاقة بريطانيا بالكيان الموحد قائلا له بحدة “نحن ندفع لكم” عندما سمع منه جملة “ننتظركم من جديد لو اعدتم التفكير!”- في إشارة إلى إمكانية أن تعيد بريطانيا النظر في قرار الخروج من الوحدة الأوروبية."
وأضاف إبراهيم أن "بوريس جونسون يمثل تيارا لم يصل إلي قمة عنفوانه بعد في السياسة الأوروبية لكنه في طريقه الي تصدر المشهد في اكثر من دولة محورية في صناعة القرار وعندما يكتمل وصول هؤلاء الي السلطة سيكون هناك شكل آخر للسياسات الأوروبية التي لو توحدت مع أفكار الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب سيكون الخليط مبهرا وجديدا لم يحدث في السياسات الغربية منذ الحرب العالمية الثانية. كنت أتحدث إلي خبير أمريكي بارز في منتدي روما عن دلالة المحادثة الأولي من نوعها بين رئيس أمريكي منتخب ورئيس تايوان منذ عام 1979 فقال الرجل أن ترامب يحاول أن يقول للصينيين والعالم أنه ليس أوباما وان سياسة التوجه إلى آسيا دون إبراز عضلات السياسة الأمريكية لن تكون مفيدة ولكنها ستكون عبئا علي الدولة الأقوى عالميا. من ناحية أخري، يري المخالفون لتيار الشعبوية الجديد أن ترامب وجونسون وغيرهما من اليمين الصاعد في السياسات الغربية لن يمكنهم الوفاء بكل ما يطلقونه من تصريحات، فقد قال واحد من أبرز خبراء واشنطن وأكثرهم رصانة أن ترامب لن يمكنه الوفاء بما يقول بشأن التعاون مع الدول المعتدلة في المنطقة ولن يستطيع حسم الحرب علي الإرهاب ولن يمكنه توفير دعم كاف لمصر مثلما هو متوقع منه. قلت لصاحب تلك الكلمات، وهو من الشخصيات الأقل إنحيازا لأي طرف في واشنطن، أننا نعلم من السياسة الأمريكية في المنطقة أنه لا يوجد صديق دائم أو عدو دائم للولايات المتحدة، لكن كلمات ترامب عن الجماعات الإرهابية ونقطة الإلتقاء مع الروس في ضرورة محاربة تلك الجماعات دون تفرقة يعتبر تطورا غير مسبوق وإذا لم تبني عليه مصر والدول الراغبة بصدق في التصدي لظاهرة الإسلام السياسي ستكون فرصة مهدرة".
موضحا أن "نسيت أن أقول أنني واجهت مسئولا حاليا في الإدارة الأمريكية عن السلوك الغريب للإدارة الحالية في عدم الإكتراث بدعوات إصلاح الخطاب الديني التي تصدر عن مصر وعدم تقدير مطالبات الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة تقديم خطاب عصري يوقف استغلال الدين في لعبة السياسة. جاء رد المسئول الأمريكي-رفض الإفصاح عن هويته- أن ”إدارة باراك أوباما لا تصدق الأقوال التي تصدر عن القيادة السياسية في مصر لأنها مصرة علي احتجاز أعضاء جماعة الإخوان وبالتالي لا معني للحديث عن تصحيح الخطاب الديني” (!) حقيقة الأمر أسقط في يدي ولكني بحكم معرفتي بكثيرين في الإدارة الحالية أتفهم حجم الغضب السائد داخل مجموعة الديمقراطيين الذين يتعاملون مع جماعات الإسلام السياسي بمعزل عن الأفكار التي شكلت الإخوان وغيرهم ويتعمدون النظر إليهم بإعتبارهم فصائل سياسية تملك الحق في الوصول إلي السلطة بغض النظر عن النتائج التالية لتلك الخطوة، من واقع أعمال المنتدي الرفيع المستوي في روما والذي ينظمه المعهد الإيطالي لدراسات السياسة الدولية مازالت أوروبا تغازل الإسلاميين علي طريقة الإدارة الأمريكية وهو ما ثبت أنه يجلب علي الحكومات متاعب جمة في التعامل مع الشارع، فالمزاج الأوروبي لم يعد متسامحا مع تلك التيارات بعد الهجمات الدامية التي ضربت عمق فرنسا وبلجيكا وألمانيا ويريد الشارع صيغا جديدة للتعايش المشترك بين أصحاب الديانات دون ترك الباب علي مصراعيه أمام تمدد تلك الجماعات ولو حسبنا حجم الغضب من السياسات الإقتصادية التي تهدد حكومات بالسقوط سنجد أنها يكاد يكون متساوياً مع الغضب من مسألة تدفق المهاجرين ومن الإنكشاف أمام ضربات الإرهابيين. ومن علامات التغير، طريقة تفاعل الصحفيين الإيطاليين مع حديث وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أمام المنتدي حيث كان حماسهم لكلامه عن الإرهاب ووقف التعامل مع الجماعات المسلحة الإرهابية في سوريا واضحا وأكثر حماساً من تفاعلهم مع كلمات جون كيري وزير الخارجية الأمريكي، في أخر خطاب له في اوروبا علي ما يبدو، حيث كان التفاعل فاتراً مع كلمات فاترة مستهلكة لا تقدم ولا تؤخر ولا تعترف بخطأ ما إرتكبته إدارته ولكن فقط مواعظ وتذكرة لأصحاب الأديان السماوية أن يعملوا معاً من أجل السلام!:".
مختتما "هذا التهافت والتناقض في الخطاب السياسي الأمريكي ومن يتبعه في القارة الأوروبية هو المحرك لكل التغيرات الراديكالية علي الساحة السياسية في الغرب، فلم تعد مسألة الغاية تبرر الوسيلة صالحة علي طول الخط.. فلكل قاعدة إنتهازية شواذ آيضا!".