الدقهلية: «بقشيش إجبارى» حسب الطلب.. ولا فرق بين غنى وفقير
صورة أرشيفية
«أصبحت فرض عين على جميع المتعاملين مع المصالح الحكومية»، هكذا أكد عدد من المواطنين الموجودين داخل إحدى الإدارات التنفيذية بمحافظة الدقهلية، وقالوا إن «الإكرامية» أو «البقشيش» أو «الشاى»، وجميعها مسميات للرشوة، لم تعد قاصرة فقط على من يريدون إنجاز مصالحهم سريعاً، أو الذين يجدون صعوبة فى استكمال مسوغات مطلوبة، أو الراغبين فى استصدار أوراق رسمية على غير الحقيقة، وإنما أصبحت «فرض عين» على جميع المواطنين ممن يتعاملون مع المصالح الحكومية، حتى وإن كانت أوراقهم سليمة وتستوفى جميع الشروط التى يحددها القانون، فلا يشفع لهم ذلك فى الإفلات من دفع «المعلوم».
«مقاول»: كل مصالحى تتعطل لو لم أدفع.. وبند الإكراميات ثابت عندى
ويحدد الموظفون فى كثير من الهيئات والأجهزة الخدمية «تسعيرة ثابتة» للرشوة، أو ما يصفه الأهالى بـ«البقشيش الإجبارى»، ولا يفرقون بين غنى أو فقير، ولكن مبلغ الرشوة يختلف بحسب نوعية العمل الذى سيقوم به الموظف لإنهاء المعاملة المطلوبة، وفى حالة إذا ما امتنع أحد المواطنين عن دفع «المعلوم»، فسيكون جزاؤه عدم إنهاء معاملته، ثم يفرضون عليه دفع ضعف مبلغ «البقشيش»، وهو أمر لا يجد كثير من المواطنين مفراً منه.
«إيهاب ع»، محامٍ، قال لـ«الوطن»: «كنت بادفع من 5 إلى 20 جنيهاً لإنهاء مصالحى فى الجهات التى أتردد عليها، لتصوير مستندات أو محررات رسمية، إلا أننى بعد تعويم الجنيه أصبحت أدفع 50 جنيهاً، وأقل من ذلك تقف المصلحة ويغضب الموظف منى، وفى بعض الأحيان يعاقبنى حتى أصلح غلطتى وأدفع 100 جنيه مرة واحدة، تكفيراً عن خطئى فى حق الموظف»، وأضاف: «الموظفون يتعاملون معنا بالطلب وليس جملة، فلو لى عدة طلبات يكون الطلب الواحد بمبلغ 50 جنيهاً، وينسى فى لحظات ما أخذه منى، ليبدأ من جديد طلب مبلغ آخر»، مؤكداً أن «هذا ما يحدث فى جميع المصالح الحكومية بلا استثناء»، بحسب قوله، مشيراً إلى أن «موظفى الخزنة هم الآخرون أصبحوا لا يعيدون الباقى، ويستخرجون إيصالاً بقيمة المبلغ المطلوب فقط، وإذا طلبت الباقى بيكون يوم أسود، ويوصى زملاءه ألا ينهوا مصالحى، ويعتبر ما يتحصل عليه الموظف نتيجة جلوسه فى مكانه دخلاً إضافياً، يضاف إلى مرتبه من الحكومة».
أما «أسامة السيد»، موظف، فقال: «أدفع الإكراميات منذ أن أخرج من منزلى حتى أعود إلى البيت، فعامل محطة الوقود يحصل على إكرامية أصبح متعارفاً عليها وقدرها 3 جنيهات للملاكى، و5 جنيهات للسيارة ربع النقل، و20 جنيهاً للنقل الثقيل، ويقوم بخصمها من كمية الوقود التى يضعها فى السيارة»، لافتاً إلى وجود ما وصفها بـ«إكرامية من نوع آخر»، يحصل عليها أصحاب المستودعات وباعة أسطوانات البوتاجاز، حيث إن الحكومة وضعت سعراً لها بمبلغ 15 جنيهاً، ولكن المستودع يبيعها بـ17 جنيهاً، أما فى حالة توصيلها للبيت فيصل سعرها إلى 20 جنيهاً»، مؤكداً أن «هذا بعلم المسئولين ومفتشى التموين»، وأضاف: «عندما طلبت لجنة شعبية فى إحدى قرى المنصورة سيارة غاز، باعوها لنا بسعر 18.5 جنيه، بالإضافة إلى حصول العمال على مبلغ 200 جنيه، وهذا كله بعلم المسئولين، وكله من دم المواطنين، الذين يدفعون رغماً عنهم، ولا يستطيع أحد أن يعترض».
وتابع «م. ع»، أحد المواطنين قائلاً: «اشتريت سيارة على أساس أنها 1600 سى سى، ودفعت ثمنها كاملاً، وعندما ذهبت لتجديد الرخصة فوجئت بأن السيارة 2000 سى سى، وعندما حاولت إعادتها إلى صاحبها، طلب منى أن أترك 10 آلاف جنيه من ثمنها، كما فوجئت بأن السيارة منذ 12 سنة يقوم صاحبها بترخيصها على أساس أنها 1600 سى سى، وعلمت أنه كان بيمشى أموره مع موظفى إدارة المرور».
كما أكد «محمد عبدالرحمن»، مقاول، أن «جميع تركيبات الشركات الحكومية لا بد أن أدفع للموظف قبل أن يتم التركيب، ومن خلال عملى أتعامل مع موظفى الأحياء، وشركات الخدمات المياه والكهرباء والتليفونات وغيرها، وإذا لم أدفع الإكرامية لن يتم تركيب أى شىء، وتتعطل جميع مصالحى»، وأضاف أن «كل شىء بالنسبة لى رسمى، وإجراءاتى كلها سليمة، ولكن لا يمكن أن يتم شىء إلا بسداد الإكرامية، حتى إنه فى حساباتى أصبح بند موجود وثابت بصورة يومية، وهو بند الإكراميات»، واختتم بقوله: «لا أطلب فعل شىء مخالف، ولكن كل شىء بحساب، والحركة بحساب أيضاً، حتى تحولت إلى أمر شبه رسمى».