لم تكن قد مضت بضع ساعات على خبر القبض على نجل الرئيس المعزول محمد مرسى، حتى وقع تفجير الهرم، الذى أسفر عن استشهاد 6 من رجال الشرطة، وإصابة 3 مجندين. هل ثمة علاقة بين الواقعتين أم أن الأمر محض الصدفة؟. حقيقة لا يستطيع أحد أن يتبنى بسهولة أياً من الإجابتين، لعدم توافر معلومات دقيقة تؤيد هذه الإجابة أو تلك. المعلومة الوحيدة المؤكدة تتعلق بالجهة التى أعلنت مسئوليتها عن التفجير. وهى حركة «حسم»، التى أصدرت بياناً أكدت فيه مسئوليتها عن التفجير. ليست تلك هى العملية الأولى التى تتبناها الحركة، فقد سبق وتبنت عدة عمليات أشهرها محاولة اغتيال الدكتور على جمعة، مفتى مصر السابق، ومحاولة اغتيال المستشار أحمد أبوالفتح، الذى ينظر قضايا متهماً فيها الرئيس المعزول محمد مرسى.
تبدو العمليات التى تقوم بها هذه الحركة متنوعة ومتشعبة، داخل عدد من المحافظات، كما يشهد على ذلك سجلها؛ فقد قامت بعملية فى الفيوم، وأخرى فى البحيرة، وثالثة فى القاهرة، ورابعة فى الجيزة. هذه الحركة فى تقديرى تتحرك من قناعة معينة، وتوجه عملياتها إلى الأفراد المنتمين إلى مؤسسات بعينها. فأما القناعة فتتمثل فى «الثأر». فالواضح أن عناصر هذه الحركة من الشباب الذين ملأت الأفكار المتطرفة رؤوسهم، وأصبح لديهم يقين بضرورة الثأر، وهم يبررون سعيهم فى هذا الاتجاه بما يعتبرونه ظلماً وقع عليهم وعلى من يدور فى دائرتهم، سواء بالقتل أو القبض أو السجن أو التنكيل وغير ذلك. فمفردة «الثأر» حاضرة بقوة وغزارة فى العديد من البيانات التى صدرت عن «حسم»، ومن عجب أن نفس المفردة «الثأر» أحياناً ما تُستخدم فى وصف العمليات الموجهة إلى عناصر هذه الحركة، وغيرها من الحركات الإرهابية!.
لو انتقلنا إلى الجهات أو المؤسسات التى توجه لها حركة «حسم» عملياتها، فسنجد أنها تتحدد فى رجال الشرطة، وبعض القضاة، وبعض الأصوات الداعمة للنظام الحالى. وهو أمر طبيعى، فـ«حسم» وما يشابهها لا تعترف بهذا النظام، وهى تعبّر بذلك عن وجهة نظر إخوانية لا تخطئها عين، وكلما تعمّق إحساسها باليأس من التغيير زاد توجهها نحو رفع السلاح واستخدامه فى صراعها مع النظام القائم. وبالتالى فنحن أمام إرهاب تغذيه ممارسات معينة تعمّق فكرة الثأر داخل نفوس عناصر هذه الحركات، ويدعمه أيضاً إحساس باليأس من تغيير ما هو قائم. وفى ضوء حالة الانتشارية التى تتمتع بها عناصر هذه الحركة وغيرها فى محافظات عدة، وعدم قدرة الأجهزة الأمنية على توفير معلومات عن العديد من العناصر الجديدة التى تنضم إلى ركب «دعاة الثأر»، من الوارد أن تتواصل هذه العمليات لفترة طويلة. وأظن أن هذا الجانب من الصورة يهمله دعاة المصالحة، فنحن أمام عناصر، يعمل بعضها خارج نطاق السيطرة. المشكلة أن فكرة «الثأر» أصبحت مسيطرة على مشهد الصراع الحالى فى مصر، حتى فى شقه السياسى. فأطراف عديدة تبحث عن الثأر لنفسها من أطراف أخرى، وكل طرف يحاول أن يمارس لعبة الثأر بالأدوات المتوافرة فى يده.. وذلك خطر لو تعلمون عظيم!.