سماسرة بيع «الكلى» يتلاعبون بـ«آلام المرضى» و«أحلام الشباب».. وينصبون على الطرفين
السماسرة يصطادون الضحايا من المقاهى الشعبية
على المقاهى الشعبية يتظاهرون بالشهامة و«الجدعنة» ليجذبوا ضحاياهم إلى شراك خططهم المحكمة بكل سهولة ويسر، يبحثون فى كل أنحاء الجمهورية عمن فقدوا وظائفهم أو الذين انقطعت بهم سبل العيش، أو من يعانون من ضوائق مادية، ويعرضون عليهم بيع أعضائهم البشرية مقابل عدة آلاف من الجنيهات، فى الوقت الذى يبتزون فيه المرضى ويستغلون حاجتهم إلى زرع كلى جديدة ويحصلون منهم على مبالغ مالية كبيرة، وقد يتحايلون عليهم فى النهاية، ويقدمون لهم متبرعين لا تنطبق عليهم المواصفات الطبية السليمة لنقل الأعضاء البشرية، فى حالة ما إذا هرب أحد المتبرعين فى الدقائق الأخيرة.
سماسرة بيع الكلى فى مصر هم حجر الزاوية فى شبكات تجارة نقل الأعضاء البشرية، إذ يحققون مبالغ مالية هائلة شهرياً من وراء هذه التجارة الرابحة، ويعملون تحت غطاء مستشفيات خاصة شهيرة، ويغيرون أسماءهم وأرقام هواتفهم المحمولة بشكل مستمر لصعوبة الوصول إليهم.
الضحايا «المنصوب عليهم» يتحدثون عن المواقف الصعبة التى واجهتهم قبل ساعات من إجراء الجراحة
«الوطن» استمعت إلى حكايات أسر المرضى والمتبرعين الذين تم النصب عليهم من قبل السماسرة الذين يعملون بالتعاون مع المستشفيات والأطباء معدومى الضمير.
منى محمد عامر، سيدة ثلاثينية، تقيم بوسط مدينة القاهرة، أصيبت ابنتها «تقى»، صاحبة السنوات العشر، بالفشل الكلوى الحاد منذ 3 سنوات، ما اضطرها للذهاب إلى مستشفى أبوالريش للأطفال لعمل جلسات غسيل كلوى على مدار 3 أيام فى الأسبوع، وظلت عدة شهور على هذا الحال، حتى قررت الأم زرع كلى لابنتها حتى تخفف عنها آلام الغسيل الكلوى الشديدة، وبدأت «منى» رحلة البحث عن متبرع، وقادها حظها العثر للذهاب إلى أحد المستشفيات الخاصة بالدقى، وهو مستشفى له شهرة واسعة فى مجال نقل الأعضاء البشرية.
تقول «منى»: «قمت بزيارة المستشفى واستقبلتنى السكرتارية وهناك عرفونى على سمسار يدعى وليد عز العرب، للاتفاق معه على جلب متبرع من نفس فصيلة ابنتى، وطالبنى المستشفى بدفع مبلغ 32 ألف جنيه، تحت حساب إجراء العملية، بالإضافة إلى الاتفاق مع السمسار على مبلغ آخر يتم دفعه للمتبرع وللفحوصات والتحاليل، وظللت لمدة 7 شهور كاملة أدفع أموالاً كثيرة للسمسار».
تضيف «منى»: السمسار سحب منى فلوس كتيرة جداً طول الـ7 شهور، مرة لتحليل الفصيلة وعمل أشعة، ومرة يقول لى المتبرع عاوز فلوس ومصاريف، ومرة لعمل أشعة وتحاليل لأكثر من متبرع من نفس الفصيلة، لكن عندما ذهبنا لاجتماع اللجنة الثلاثية فى مستشفى عين شمس التخصصى شكيت إن التحاليل اللى معاه «مش مظبوطة»، وإن فصيلة المتبرع مش نفس فصيلة بنتى، وقلت له التحاليل مش صحيحة ومش أصلية، بعدها هرب منى وقفل تليفونه، دوّرت عليه كتير ما لقيتهوش، ولما رحت المستشفى أسأل عليه قالوا ما نعرفوش، مع إنهم هما اللى عرفونى عليه».
وتتابع: «قبل هروب السمسار كنا قد اتفقنا مع دكتور كلى ومسالك بولية شهير، عيادته فى أول شارع عباس العقاد بمدينة نصر، على إجراء العملية فى عيادته الخاصة مقابل 90 ألف جنيه، لكنه تراجع بعد هروب السمسار الذى كان يجلس معه بشكل مستمر، وأنكر معرفته به تماماً، وهذا الطبيب بالتحديد أغلقت عيادته أكثر من مرة بتهمة نقل أعضاء بشرية، لكنه كان يعاود فتحها كل مرة بعد خروجه من السجن، وكنت مضطرة أتعامل مع السماسرة لعدم وجود نفس فصيلة ابنتى فى أفراد أسرتنا».
«منى»: «وليد عز العرب أخذ 72 ألف جنيه تحت الحساب وكان هيدخل متبرع فصيلته مختلفة عن بنتى للعمليات»
تشير والدة «تُقى» إلى أن السمسار الذى يُدعى «وليد عز العرب» أخذ منها مبلغاً قيمته 72 ألف جنيه، وتقول: دوّرنا عليه فى كل حتة مالوش أى أثر، وكل الناس إللى كانوا يعرفوا أنكروا تماماً إنهم على أى معرفة به، لكن عشان ننقذ بنتنا من الموت دوّرنا على سمسار تانى، واتفقنا معاه على دفع 70 ألف جنيه فقط، المتبرع أخد 35 ألف جنيه، وهو أخد 35 ألف جنيه، وعملنا العملية فى مستشفى حكومى بالمقطم فى النهاية، مجاناً، والدكتور عمل العملية ببلاش لبنتى، وكانت «تقى» أول مريضة تعمل العملية فى مستشفى حكومى بعد قرار وزارة الصحة بإمكانية إجراء مثل هذه العمليات فى المستشفيات الحكومية بشرط وجود متبرع.
وأضافت «منى»: «المستشفيات الخاصة عاملة تسعيرة حالياً لعمليات زرع الكلى نحو 150 ألف جنيه، وفيه مستشفيات خاصة كتيرة شغالة فى الموضوع دا، منها واحد فى السلام، وواحد فى المقطم، وأكتر من مستشفى فى الدقى والجيزة، السماسرة بياكلوا من الناحيتين، بياخدوا فلوس من المريض والمتبرع وبيضحكوا على الاتنين، وللأسف مفيش حد عارف يمسك عليهم حاجة لأنهم بيغيروا أسماءهم وأرقامهم كل شوية».
يوسف عبدالسميع، شاب ثلاثينى من محافظة الدقهلية، يقضى أوقاتاً طويلة من يومه فى القاهرة، بحثاً عن السمسار الذى نصب عليه، ولم يدفع له إلا 8 آلاف جنيه فقط مقابل بيع كليته.
يقول «يوسف» بنبرة حزن واضحة: أنا خريج جامعة عمالية، اتحبست 6 سنين بسبب شيك كنت ماضى عليه كضامن لواحد زميلى، لكنه هرب للسعودية وأنا اللى اتحبست، وقبل الحبس كنت شغال مندوب مبيعات فى الإكسسوار الحريمى، وبعد خروجى من السجن كنت متدمر، وبدأت أدور على شغل، عشان مكانش معايا فلوس، المهم اتعرفت على واحد اسمه «غريب» على قهوة بمدينة المنصورة، كان لسه متبرع بكليته جديد وورانى مكان العملية وقال لى هعرفك على واحد اسمه مصطفى رجل محترم، وما بيقبلش قرش حرام على نفسه، وماشى بما يرضى الله، وقال لى إنه باع كليته بـ20 ألف جنيه، وبدأ يتصل قدامى بالسمسار كان بيقول له الأول يا زياد، بعد كدا كان بيناديه يا أبوحمزة، ولما قابلته عرفت إن اسمه مصطفى رزق، من حى الأميرية فى القاهرة.
ويضيف «يوسف»: قابلت السمسار فى القاهرة واتفقنا على إعطائى 20 ألف جنيه، وقال أنا ليا شرط وانت بتعمل أشعة وفحوصات ما تكلمش المريض ولا تطلب منه فلوس ولا تاخد رقم تليفونه، وبدأ يدينى مصاريفى كل يوم، مرة 30 جنيه ومرة تانية 50 جنيه لمدة 3 شهور، لكن وأنا بأعمل أشعة وتحاليل طلب منى أمضى له على «وصل أمانة على بياض». وقال لى «المصاريف إللى بديهالك كل يوم مش هتتخصم من فلوسك، والـ20 ألف جنيه مش هينقصوا جنيه، لكن أنا بأعمل أشعة وتحاليل لك وبأمضى للمريض على وصولات أمانة، عشان كدا انت كمان لازم تمضى»، ومضيت على 3 وصولات، وقبل تنفيذ العملية إدانى 8 آلاف جنيه، وقال لى بعد العملية هديك الباقى... ومن ساعتها ما شفتوش.
«يوسف»: «مصطفى كان مخصص أوضة طافحة فيها المجارى بالأميرية لإقامة المتبرعين ونصب علينا كلنا.. وصرفت كل الفلوس اللى أخدتها من السمسار على العلاج»
يتابع «يوسف» بنبرة حزينة: أنا فى نظر القانون مش ضحية لأنى كاتب إقرار على نفسى فى وزارة الصحة إنى متبرع مجاناً، وأنا بكامل إرادتى وبكامل قواى العقلية، بعد أشعة البطن والحوض، عملت مسح ذرى وأشعة على شرايين الكلى، وعملت تحليل فيروس، وتحليل أنسجة وأخيراً «تحليل الخلطة» مع المريض، ومضيت إقرار الوزارة، وعملت محضر فى قسم قصر النيل إنى متبرع لسيدة تدعى «ماجدة يحيى».
ويشير «يوسف» إلى أنه اتصل برقم المريضة ليحصل منها على بعض الأموال بعد أن ضاقت أحواله المادية بعد تهرب السمسار منه، لكن السيدة قالت له «أنا دفعت 133 ألف جنيه للسمسار والمستشفى، وما تتصلش على الرقم دا تانى»، ساعتها حسيت بالندم الشديد، ودورت على السمسار فى كل حتة مش لاقيه.
وأضاف: «مستشفى (م، د) فى الدقى فيها سمسارة كبيرة اسمها زينب، شغالة فى مستشفى 6 أكتوبر للتأمين الصحى بالدقى، وهى اللى بتشغل «مصطفى» وغيره، قبل إجراء العملية مصطفى كان مقعدنا فى أوضة فى دور أرضى المجارى طافحة فيها، وكان قاعد فيها حوالى 12 واحد تقريباً وكلهم اتنصب عليهم بنفس الطريقة، ومحدش فينا عرف إلا بعد ما عملنا العملية لأن اللى كان بيعمل العملية كان بيروّح على بيته على طول.
ويوضح «يوسف» أنه ذهب إلى نفس الغرفة أكثر من مرة لكنه لم يجد فيها أى شخص، وعندما ذهب إلى أشقاء السمسار قالوا إنه غير موجود فى الشقة، ويضيف: «لما رحت المستشفى وسألت عليه وزعقت قالوا إحنا مالناش دعوة، إنت عملت العملية عندنا وبس، وانت ماضى قرار وزارة إنك متبرع مجاناً، يعنى ملكش حاجة عندنا، ولحد دلوقتى مفيش حد من أهلى يعرف فى المنصورة، ولو شفت مصطفى السمسار هقسمه نصين».
«السيد»: «عندما يهرب المتبرعون فى آخر لحظة يدخل السماسرة مكانهم حتى لو كانت فصيلة الدم مختلفة»
يختتم «يوسف» قصته قائلاً: «صرفت كل الفلوس اللى أخدتها من السمسار على العلاج والهدوم والتليفونات، وطارت لأنها حاجة حرام، كنت متابع مع دكتور باطنة فى المنصورة عرفته إنى اتبرعت بالكلى لكن كدبت عليه وقلت له اتبرعت بها لأمى».
ويقول متبرع آخر يُدعى محمد السيد (34 سنة) من القاهرة: «أخطر عمليات نقل الأعضاء اللى بتتم خارج نطاق وزارة الصحة، بنسميها العمليات الشمال، لأن الدكاترة إللى بيعملوها ما بيكونوش جراحين متخصصين وبيعملوها فى مستشفيات تحت بير السلم وعيادات غير مؤهلة، والأخطر أيضاً أنهم ينقلون أعضاء من فصيلة مختلفة عن فصيلة المريض وبالطبع الجسم هيرفض العضو بعد زراعته، وقد يموت المريض فوراً، لكن كل هم السماسرة الفلوس وخلاص، وفيه مستشفيات كتير فى الدقى والمهندسين شغالة فى الموضوع دا، لكن محدش عارف يمسك عليهم حاجة».
ويضيف «السيد» قائلاً: «السماسرة بتقول للمتبرعين لو جبت حد تانى غيرك هتاخد عليه 3 آلاف جنيه عمولة، وهما دول أكتر ناس بيقنعونا لأنه بيكونوا جربوا قبلنا، وبيورونا مكان العملية، وبيقولوا إن الإنسان ممكن يعيش بربع كلية كمان، لكن بعد ما عملت العملية كنت بحس بصداع رهيب وارتفاع فى ضغط الدم ودوخة».
ويقول عمرو أحمد، مقيم بمحافظة القاهرة: «والدى كان تعبان جداً، وعنده مشكلة فى شرايين القلب، وأنا كنت تعبان من الشغل فى مخبز العيش بسبب شدة الحرارة ورحت اشتغلت قهوجى فى قهوة فى الأميرية واتعرفت على سمسار كان بيقعد على طول فيها، كان جدع وشهم، وإذا كان حساب المشاريب 30 جنيه كان يدينى 50 جنيه، كان شكله ابن ناس، وكان بيقعد معاه ناس كتير، كان شكلهم غلابة، قلت له شغلنى معاك، قال حاضر الأسبوع الجاى، وطلب منى أسيب القهوة وبدأ يدينى فلوس كمصاريف لحد ما عدى أسبوع، وقال تعالى بقى أقول لك هنعمل إيه، قال فيه ناس مريضة وبتموت من الفشل الكلوى، انت لو شايف واحد بيموت قدامك هتديله كليتك ولا هتسيبه يموت قلت لو كليتى هتحييه هديهاله طبعاً، وقال لى هديك 20 ألف جنيه، قلت له كدا انت عاوزنى أبيع كليتى.. قال لى فكر براحتك».
«عمرو»: «بعت كليتى عشان أعالج أبويا.. ولما مراتى سألتنى عن الجرح قلت لها حادثة.. وندمان على اللى حصل.. ولو شفت السمسار ممكن أضربه لأنه نصب عليا وأخد كليتى بتراب الفلوس»
ويتابع «عمرو» قصته قائلاً: «فضلت أفكر أسبوع وقلت لنفسى كبر دماغك، وكان فى نفس الوقت بيدينى مصاريف لأنى كنت قاعد من الشغل، ولما رجعت القهوة تانى لقيتهم جابوا واحد تانى، أبويا تعب أكتر وبقيت مضطر أعمل العملية اتصلت بيه، وقلت له أنا جاهز، وقلت لمراتى أنا هاشتغل فى قهوة بعيدة، وبعد شهر واحد عملت العملية وأخدت 8 آلاف قبلها و3 آلاف بعدها، ومن ساعتها ما شفتش السمسار تانى، لما تعبت جامد رحت كشفت، وأبويا وإخواتى وأمى عرفوا وزعلوا لأنى بعت كليتى، لكن مراتى لحد دلوقتى ما تعرفش إنى عملت العملية، ولما سألتنى عن الجرح قلت لها حادثة، طبعاً أنا ندمان جداً على اللى حصل ولو شفت السمسار دا ممكن أضربه لأنه نصب عليا وأخد كليتى بتراب الفلوس، وهو أخد لوحده 70 ألف جنيه».