ليت كان لدى الرأى العام، وبعد صمت رئاسى طال، حصيلة أوسع من مجرد حوار واحد لرئيس الجمهورية ومع قناة «الجزيرة» ذات الانحيازات المعروفة والمرتبطة بمصالح قطر؛ الدولة الممولة لها.
فحوارات وأحاديث الموظف العام الأول فى مصر، وبغض النظر عن تأييده أو معارضته، تمكّن الرأى العام من التعرف بموضوعية وبصورة مباشرة (دون وسطاء من جماعته أو حزبها) على مواقفه ودوافع سياساته وقراراته.
ليت رئيس الجمهورية، مجدداً لمصلحة الرأى العام، تعامل مع حوار «الجزيرة» كفرصة لإخبار المصريات والمصريين بحقيقة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما يراها، وبجهوده لتجاوزها.
إلا أن الدكتور مرسى تحدث عن أزمة الاقتصاد، فعمم ولم يفصح ولم يحدد موقفه من الاختيارات الكبرى المطروحة الآن والمرتبطة بالاقتراض الخارجى والمحادثات مع صندوق النقد الدولى وبرنامج حكومته للحصول على قرض الصندوق وتداعياته على المجتمع.
تناول الرئيس القضايا الاجتماعية، فقلل من أهمية الأوضاع الأمنية المتدهورة ونفى وجود توترات طائفية أو أحداث عنف طائفى أو ممارسات تمييزية ضد الأقباط.
وتمادت الممارسة الإنكارية للدكتور مرسى، فأعاد إنتاج خطاب النسيج الوطنى الواحد والتماسك الوطنى بين مسلمى مصر وأقباطها، وكأن كنائس لم تهاجَم خلال العامين الماضيين وكأن أُسراً لم تهجّر من أماكنها، وكأن صناعة التطرف والكراهية لم تغزُ مساحات مجتمعية واسعة، وكأن عنفاً لم يقع أمام الكاتدرائية المرقسية.
تحدث الرئيس موظفاً الصور النمطية للمجتمع المتماسك، ولم يشر من ثم إلى عزمه الالتفات إلى رمزية التماسك هذه بزيارة إلى الكاتدرائية أو إلى نيته توظيف صلاحياته لوضع حد للممارسات التمييزية والقضاء على الطائفية.
أجاب رئيس الجمهورية عن أسئلة السياسة دستوراً وحكومة وانتخابات وعلاقة مع المعارضة وعلاقة مع السلطات العامة والإعلام، فعمم هنا أيضاً الحالة الإنكارية.
فالدستور سيُنظَر بأمره، والحكومة تنتظر التعديل وليس تغييراً شاملاً. أما الانتخابات فقادمة، والدكتور مرسى دون إشارة إلى غياب القواعد العادلة للعملية الانتخابية يتمنى مشاركة الجميع. والعلاقة مع المعارضة قائمة والاستماع لأطرافها يستمر، مجدداً دون إخبار الرأى العام بهوية من يتحاور معهم الرئيس وهم فى المجمل وكما نعلم من حلفائه ومؤيديه. والقضاء يُحترَم والدكتور مرسى، الذى عين نائبه العام عصفاً باستقلال القضاء، لا يتدخل فى أعمال السلطة القضائية، ولا شأن له بمطالبات جماعته وحزبها بتطهير القضاء. فقط يؤيد قانون السلطة القضائية الذى سيعرض على مجلس الشورى قريباً! والإعلام لا قيود عليه ومسئولية الدولة حماية كافة المنشآت العامة والخاصة، بذكر مجمع التحرير قبل مدينة الإنتاج الإعلامى، ومنع الاعتداء عليها أو محاصرتها. أما تعقب ممارسى المهنة الإعلامية وأصحاب الرأى والفكر الذى تمارسه جماعة الرئيس وجماعات اليمين الدينية الأخرى، أيضاً داخل الجامعات، فلا إشارة له على الإطلاق. وأما انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة دون مساءلة أو محاسبة، فإنكارها وعدم التطرق إليها هو نهج رئاسى التزاماً بـ«الإنكار هو الحل» الأثيرة لدى الرئيس وجماعته وحزبها. ثم توج الرئيس المنتخب الحالة الإنكارية التى سيطرت عليه فى حوار «الجزيرة» بملاحظتين. الأولى هى أن شعبيته ترتفع، والثانية هى أنه قادر على ممارسة النقد الذاتى كما أظهر بتعديل «إعلانه الدستورى» فى 21 نوفمبر 2012 بـ«إعلان» 8 ديسمبر 2012. والحقيقة هى أن الشعبية تتراجع، وأن آثار إعلان نوفمبر ما زالت قائمة.