هل كانت تدرك الدكتورة درية شفيق وهى تترجم القرآن الكريم إلى اللغتين الفرنسية والإنجليزية دون حجاب منذ ما يزيد على الأربعين عاماً أنه سيأتى اليوم ويحكم الإخوان مصر ويرمونها بالسفور وإثارة الفتن، ومن ثم محو تاريخها من الكتب الدراسية درءاً لإثارة الشبهات!! أما هدى شعراوى فحتماً لم تكن تتخيل يوماً وهى إحدى رعايا الشمس أن اسمها سيشطب بقلم أسود غليظ ويركل خارج المناهج الدراسية لمجرد أنها امرأة.
ففى الوقت الذى كانت فيه «درية» و«هدى» يواجهان ظلام العالم بعزيمة امرأة مصرية، حيث أثبتت درية فى جامعات أوروبا أن الشريعة الإسلامية منحت المرأة حقوقاً أكبر من أى تشريعات أخرى بينما كانت هدى تكتب بأنامها آخر خطاب لها مذيل بعبارات شديدة اللهجة للأمم المتحدة اعتراضاً على قرار تقسيم فلسطين، كان الإخوان يَرتدون حياة أخرى ويؤسسون ممالك السمع والطاعة تحت رايات كلمة «نعم» ويتلون صلاة مدججة بالدماء والبؤس.
وبدلاً من أن يعلق الإخوان على صورهما باقات الزهور وزينات العيد يقتلعوا وجوههما وأسماءهما من التاريخ بهمجية زعيم قبيلة أول ما يبحث عنه السبايا فى غزوة جديدة، رافضين أن تصنع فتيات المستقبل نموذجاً من الألماس المبهر لهؤلاء الناس يحاذى حدود السماء ويفتح الشهية على الطيران اللامنتاهى نحو الغد، بل أعطوا فى المقابل لكل فتاة كمامة لتراتيل عقيمة وقطعة قماش تمنع الضوء عن الرأس والعقل معاً، ويقصّون اجنحتهن المسافرة بهن نحو الحلم ويكرسون فى مخيلة الصغار تلك النظرة الدونية للمرأة بكل شراسة.
ما ذنب المبدعات المصريات وصانعات حريتهن الأولى إن كان الإخوان لا يدركون حقيقة الورد إذا قال أريد أن أحيا، فبدون أى شعور بالذنب يموت عمر هؤلاء الرائدات مرة أخرى بسبب رجال دخلاء على الحياة يرتدون عباءة الدين ويخبئون عوراتهم فى ذقونهم وسط أعشاب من الشيب لا تخطئها العين.
أى عبث هذا وأى مساخر تلك التى ترتكب فى حق تاريخ مصر، التى لا نملك أمامها إلا أن نضحك ببكاء مرير ونقول لهم «يا نهار ضحك» على شُح النفس و«النفسنة» من ماضٍ لم يكن لهم فيه بصمة سوى أصابع مخضبة بلون دماء معارضيهم وخبايا ماضيهم.
هل بلغت بكم المخاوف أن تحاربوا صورة! وأن تعلنوا الحرب الإسلامية على ملامح امرأة وتسريحة شعرها وهى من صنعت تاريخ أمة لا يمكن أن يختصر فى صورة وكتاب مدرسى، وكأن بصيرتكم لم تتعد بصيرة ضرير سجين ظلامه، إنكم رأيتموها كاشفة عن شعرها بينما العالم يراها مُعرية لظلام العقول وكاسرة لبوابات الجهل وعابرة بالمصريات إلى عتبات الشمس.
ماذا أنتم فاعلون بنا أكثر من ذلك، هل عدم ارتداء درية أو هدى الحجاب -مع أن مصر لم تعرف الحجاب إلا مع منتصف السبعينات، حيث لم تكن تعرفه حتى زوجات وبنات الإخوان أنفسهم قبل تلك الفترة- يعد سبباً لإلقائهن خارج حدود الزمن، أم أن الهدف الحقيقى كان اعتقال تلك الجملة الهاربة إلى العقول بأن درية كان لها الفضل فى حصول المرأة المصرية على حق الانتخاب والترشح فى الدستور لأول مرة، كم أنتم بؤساء يا مزورى عمر مصر الماضى والقادم وكأن الحقد على المصريات بات يمرح فى دورتكم الدموية بلا عناء.
من العار أنهم يريدون قطف نجمتين فى السماء لكى يضعوا بدلاً منهما ذقن مشعث بختم زبيبة صلاة وجلباب قصير يتدلى من العقل ونحن نستسلم ببلاهة.