أحمد الطاهرى يكتب عن القادم فى الشرق «2».. مراكز بحثية أمريكية: السعودية فى «قلب الخطر» وعليها أن تنتبه
مسلحو القبائل اليمنية الداعمة للرئيس عبدربه منصور فى حالة تأهب
تحت عنوان «القادم فى الشرق»، كانت البداية فى الإصدار الفائت من صفحة «خلايا التفكير» فى تدبّر مشهد الشرق الأوسط فى العام الجديد.. وتحدّثنا بلغة الأرقام والإحصاء الاستراتيجى والعسكرى عن القوة الدولية التى ستكون صاحبة الحضور السياسى الأكبر فى المنطقة خلال العام الجديد. وقادت كل المعادلات إلى نتيجة واحدة وهى روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين.. وشرحنا أبعاد علاقاته مع القوى الإقليمية صاحبة التأثير ومثلث الثقل، إذا جاز التعبير، الذى يضم الجزائر ومصر وإيران، فضلاً عن امتلاكه خيوط اللعبة فى سوريا.. وبين الإصدار الفائت والإصدار الذى نُقدّمه اليوم حدث ما يُعزّز وجهة نظرنا، وتمثل ذلك فى التطور النوعى على الأرض فى سوريا بسيطرة الجيش العربى السورى على «حلب» وظهور الرئيس السورى بشار الأسد للمرة الأولى منذ ما يقرب من 6 سنوات فى ثوب المنتصر.. ولعل المشهد السورى بعد حسم معركة «حلب» سيكون نقطة بداية ونهاية فى الوقت نفسه لمرحلة سياسية فى الشرق الأوسط وانطلاق مرحلة جديدة لها تأثيراتها على كل الوحدات الإقليمية الكبرى.. وفى مقدمتها المملكة العربية السعودية التى تقول كل المؤشرات، حسب رصد ما يتم تداوله فى بيوت التفكير الغربية، إنها تواجه وضعاً استراتيجياً قد يكون الأصعب منذ تأسيس «المملكة».. وهو الأمر الذى يجدر على «المملكة» الانتباه إليه، لأنها بالفعل فى قلب الخطر.
«واشنطن» تعلق إمداد «الرياض» بالذخيرة بسبب أخطاء عسكرية فى اليمن
1
وحل اليمن.. فشل عسكرى ونزيف اقتصادى
كان من الطبيعى أن تكون بداية الرصد للمشهد الخاص بالمعارك التى تقودها «المملكة» تجاه الحوثيين فى اليمن، وهو الأمر الذى عبّرت عنه «المملكة» منذ أشهر بأنه يمس أمنها القومى بشكل مباشر -وهو بالفعل كذلك- لكن بعد أشهر من العمليات، فضلاً عن الأبعاد الاستراتيجية، التى تنذر بأن الداخل السعودى فى لوحة تنشين المتمردين.. فإن «سايمون هندرسون»، وهو أحد أهم الأسماء الأكاديمية والبحثية المتخصّصة فى الشأن الخليجى والسعودى على وجه الخصوص، قدم تقدير موقف كشف فيه عن أزمة مكتومة بين واشنطن والرياض بسبب الممارسات العسكرية الخاطئة للأخيرة فى اليمن، وهو ما استدعى وقف بيع 16000 من معدات الذخيرة من الولايات المتحدة إلى «الرياض».
وجاء نص تقدير الموقف الذى قدّمه «هندرسون» على النحو الآتى: فى الثالث عشر من ديسمبر الحالى، أعلن مسئولون أمريكيون أنه سوف يتم حظر بيع نحو 16٫000 من معدات الذخيرة الموجهة إلى المملكة العربية السعودية، بسبب مخاوف من عدم دقة الضربات الجوية المستهدَفة التى تقوم بها «المملكة»، والتى تتسبب فى إيقاع الكثير من الضحايا فى صفوف المدنيين باليمن. وقد جاء هذا الإجراء غير المتوقع على ما يبدو فى أعقاب تجميد مبيعات القنابل العنقودية فى وقت سابق من هذا العام، فضلاً عن التحذيرات التى وُجهت إلى «الرياض» بأن المساعدات الأمريكية «ليست صكاً مفتوحاً». وتجدر الإشارة إلى أن معدات الذخيرة الموجهة من هذا القبيل تُمكّن القنابل من ضرب أهداف بصورة أكثر دقة. وقد انعكس إحباط إدارة «أوباما» -بخياراتها المحدودة- من إنهاء الصراع المستعصى، فى تقارير وسائل الإعلام المتناقضة حول التطورات: فقد جاء فى عنوان صحيفة «واشنطن بوست»، أنه «من خلال إجراء تغييرات صغيرة، تحافظ الولايات المتحدة على مساعداتها العسكرية للسعودية، رغم التوبيخ الذى وجّهته بسبب المجازر فى اليمن»، فى حين كتبت صحيفة «نيويورك تايمز»، أن «الولايات المتحدة تحظر بيع معدات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية وسط مخاوف من حرب اليمن».
وفى الوقت نفسه، وفى الخطاب الرئيسى الذى ألقاه العاهل السعودى أمام «مجلس الشورى» فى 14 ديسمبر، لم يذكر الملك سلمان أحدث تقييد على بيع الأسلحة إلى بلاده. ويتم تعيين أعضاء «المجلس» [من قبل العاهل السعودى]، وهو يمثل محاولة حديثة التولّد تقوم بها «المملكة» من أجل مشاركة سياسية أوسع على الصعيد الوطنى. ومن خلال تنويهه إلى إيران -التى تدعم المتمردين الحوثيين فى البلد المجاور- دون أن يذكرها صراحة، ذكر العاهل السعودى: «نحن فى المملكة العربية السعودية نرى أن أمن اليمن، الجار العزيز، من أمن «المملكة»، ولن نقبل بأى تدخل فى شئونه الداخلية، أو ما يؤثر على الشرعية فيه، أو يجعله مقراً أو ممراً لأى دول أو جهات تستهدف أمن «المملكة» والمنطقة والنيل من استقرارها». كما أعرب عن أمله فى نجاح مساعى الأمم المتحدة «فى الوصول إلى حل سياسى باليمن».
ومنذ بدء التدخل بزعامة السعودية فى مارس 2015، استعادت قوات دولة الإمارات العربية المتحدة مدينة عدن الجنوبية، نيابة عن الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، بينما -حسب نص تقرير «هندرسون»- فشلت القوات السعودية بشمال اليمن فى استعادة الأراضى، وما زال الحوثيون يسيطرون على نحو نصف مساحة البلاد، بما فيها العاصمة والأراضى التى يوجد فيها معظم سكان اليمن الذين يُقدّر عددهم بنحو 27 مليون شخص.
ويكشف الباحث الأمريكى أنه فى محادثات خاصة، انتقد مسئولون أمريكيون أداء الجيش السعودى، الذى تقع مسئوليته على عاتق وزير الدفاع ونائب ولى العهد الأمير محمد بن سلمان البالغ من العمر واحداً وثلاثين عاماً، والابن المفضل للملك سلمان -على حد تعبير «هندرسون»- وفى بداية الحملة، كان الأمير بن سلمان يشعر بالسعادة عندما كان يتم تصويره كمهندس الحرب، أما الآن فينأى بنفسه عن أى لوم.
تجميد مبيعات القنابل العنقودية.. وهندرسون: الضربات الجوية السعودية تفتقد الدقة وأوقعت بالمدنيين.. وباحث: جيش المملكة «نمر من ورق» وأداء القوات البرية سيئ فى حماية الحدود والانتصار الوحيد فى اليمن حققته القوات الإماراتية
ويستطرد «هندرسون» ويقول نصاً: من الناحية النظرية، يُعتبر الجيش السعودى أحد أفضل الجيوش تجهيزاً فى العالم. لكن فى واقع الأمر هو «نمر من ورق» حيث شكّل خيبة أمل كبيرة لمورّديه الأجانب، وأكبرهم الولايات المتحدة. فقد كان أداء سلاح الجو السعودى ضعيفاً جداً، فى حين كان أداء القوات البرية السعودية سيئاً فى حماية المنطقة الحدودية جنوب غرب المملكة. وانهالت «الرياض» باللوم على «طهران» لدعمها المتمردين فى ما يُعد حرباً بالوكالة، لكن فشل «المملكة» فى تحقيق أى ميزة عسكرية ينبع على ما يبدو من قصورها [فى ساحات المعارك] أكثر من تدخل «طهران». وقد انعكست طبيعة الخصومات على التصريحات التى أطلقها وزير الخارجية البريطانى بوريس جونسون الشهر الماضى، حيث قال: «لهذا السبب قام السعوديون، وإيران، والجميع، بتحريك دميتهم وخوض حروب بالوكالة». وقد أكسبته كلماته الدقيقة، لكن القليلة، الحذر دبلوماسياً، فى توبيخ رئيسة الوزراء تيريزا ماى، التى أرادت أن تكون واضحة بأن تلك التصريحات لا تعكس سياسة الحكومة.
وفى السياق ذاته، إن قيام «واشنطن» بإلقاء اللوم على السعودية يبدو شيئاً غريباً على الأرجح للكثير من الحلفاء الإقليميين فى الوقت الذى تسمح فيه إدارة «أوباما» لـ«طهران» بأن تطلب تزويدها بطائرة «بوينج» جديدة، التى يمكن أن تستخدم لدعم العمليات العسكرية الإيرانية فى المستقبل، وليس هناك شك بأن الحلفاء يشعرون بالسخط أيضاً من عدم اتخاذ الإدارة الأمريكية إجراءات ملموسة، رداً على سقوط ضحايا مدنيين سوريين بأعداد ضخمة فى «حلب»، تلك الكارثة الإنسانية التى وقعت بتحريض من القوات التى تعمل بالوكالة عن إيران وتشكّل الإشارة الأخيرة للملك سلمان حول التوصل إلى حل سياسى فرصة دبلوماسية يجب على واشنطن تشجيعها، لكن يبدو أنه لا يمكن للقنابل أو التصريحات أن تصيب الأهداف الصحيحة فى الوقت الحالى.
إلى هنا، انتهى تحليل وتقدير الموقف الخاص بالمشهد السعودى فى اليمن، الذى قدمه سايمون هندرسون، مدير برنامج الخليج والطاقة بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.
2
تراجع على كل الجبهات
فى مطلع العام، أجرت «الإيكونوميست» المطبوعة الاقتصادية الأشهر على مستوى العالم التى تلعب السياسة من عصب الاقتصاد، حواراً مطولاً مع الأمير محمد بن سلمان، ولى ولى العهد، ولفت نظر المحررين أنه طوال مدة إجراء الحوار، التى استغرقت 5 ساعات.. لم يذكر الأمير الشاب والده الملك سلمان إلا مرة واحدة، ولم يذكر اسم ولى العهد على الإطلاق، وتحدث كأنه الرجل الأول فى المملكة العربية السعودية.
إدارة «ترامب» لم تتخلَّ عن نبرتها تجاه الحليف السعودى وفى الأدراج قانون «جاستا» يحركه لوبى التعويضات
لكن المثير أن «الإيكونوميست» لم تودع العام إلا بتقرير لافت عن الإخفاق السعودى، ونشرت قبل أيام، قائلة: فى يناير الماضى، وضع ولى ولى العهد ووزير الدفاع السعودى الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلى للمملكة العربية السعودية، حداً «لغيبوبة» السياسة الخارجية لبلاده، وصمّم على مواجهة إيران.. وبدا أن المعارضة السورية التى يدعمها لن تُهزم أبداً فى «حلب».. وتحدّث جنرالاته عن السيطرة الوشيكة على العاصمة اليمنية صنعاء من أيدى المتمردين الحوثيين الذين استولوا عليها.. ومنع إيران والميليشيا التابعة لها، حزب الله، من فرض اختيارهما للرئيس فى لبنان.
وتحدث مسئولون عن إفلاس إيران بتشبّع السوق من النفط، بغض النظر عن رغبات شركاء منظمة «أوبك»، حتى ذهب السفير السعودى إلى بغداد للمرة الأولى منذ 25 عاماً.
لكن فى نهاية العام، وجدت «المملكة» نفسها تتراجع على جميع الجبهات.. فقد سحبت سفيرها من العراق، هرباً من سيل إهانات سياسيين شيعة يتطلعون إلى التقرب من إيران.. وتحت قصف من القوات الحكومية الإيرانية والروسية والسورية، أصبحت المعارضة قاب قوسين أو أدنى من الهزيمة -نُشر هذا التقرير قبل هزيمة المسلحين فى «حلب» على يد الجيش العربى السورى- وأقر السعوديون بالرئيس اللبنانى الذى تُفضّله إيران. وخلال اجتماع منظمة «الأوبك» فى 30 نوفمبر الماضى، وافقت على تحمّل النصيب الأكبر من خفض إنتاج النفط، فى محاولة لاستعادة الأسعار المرتفعة، فى حين تركت إيران ترفع إنتاجها إلى مستويات ما قبل العقوبات.. وفى اليمن، بدا الحوثيون مصرين على منح الأمير محمد خروجاً مشرّفاً، وذلك بشنّ غارات متكرّرة عبر الحدود، وأعلنوا الأسبوع الماضى عن حكومة جديدة تابعة لهم، بدلاً من الاتفاق على تشكيل حكومة برئاسة الرئيس المنفى عبدربه منصور هادى، كما يريد الأمير. وقال مسئول إيرانى متهكماً: «اليمن ستكون فيتنام السعودية.. هذه المعركة ستستنزف الهيبة العسكرية والدبلوماسية السعودية». وأضاف: «إذا وافقت (الرياض) على مغادرة باقى دول المنطقة، ستسمح لها إيران بالوجود فى البحرين، الدولة الصغيرة التى يربطها جسر بالساحل الشرقى السعودى». يأتى هذا التراجع بالتزامن مع نجاحات الدعم العسكرى الإيرانى لقادة شيعيين وحلفائهم فى العالم العربى، مثل قوات الرئيس السورى بشار الأسد، وقوات الجيش، والقوات شبه العسكرية فى العراق، وحزب الله فى لبنان.
انتصار «الأسد» فى «حلب» غيّر المعادلة و«المملكة» أصبحت محاطة بالميليشيات
وقال أحمد عسيرى، مستشار وزير الدفاع السعودى الأمير محمد بن سلمان: «إنهم يحيطوننا بالميليشيات».
3
محور حزب الله نحو السعودية والخليج
لم يبالغ مستشار وزير الدفاع السعودى عندما قال إن «المملكة» باتت محاطة بالميليشيات.. المعنى نفسه قدّمه ماثيوليفيت، الباحث المتخصص فى الشئون الاستخباراتية، فى ورقة بحثية تحدثت عن محور حزب الله فى المنطقة، والموجه تجاه دول الخليج، وعلى الأخص المملكة العربية السعودية. وقال نصاً، حسب الورقة، التى نشرها فى أغسطس الماضى: «تراجعت مكانة (حزب الله) فى العالم العربى السنى الأوسع بصورة حادة منذ وصلت إلى ذروتها قبل عشر سنوات بعد حرب لبنان عام 2006. وفى أعقاب ذلك الصراع، ركب (حزب الله) موجة من التأييد الشعبى فى جميع أنحاء المنطقة». وبعد عقد من الزمان، أدرج «مجلس التعاون الخليجى» «حزب الله» كجماعة إرهابية، كما اتخذت دول الخليج إجراءات صارمة ضد أنصار الحزب ومموليه داخل حدودها، بالإضافة إلى ذلك، أصدرت جامعة الدول العربية و«منظمة التعاون الإسلامى» بيانات تدين «حزب الله»، الأمر الذى أدّى إلى اندلاع حرب كلامية بين الحزب ومسئولين خليجيين. وفى يناير 2016، أصدرت الحكومة السعودية تقريراً عن «الإرهاب الذى ترعاه إيران»، ركز بشكل كبير على «حزب الله»، وشمل الأنشطة القتالية للحزب الممتدة من ثمانينات القرن الماضى، وحتى الوقت الحاضر.
لكن العلاقات المتوترة على نحو متزايد -والسياق الإقليمى الأوسع للحرب بالوكالة بين إيران، حامية «حزب الله» وراعيته، ودول الخليج بزعامة المملكة العربية السعودية- قد تُحوّل الآن هذا الانقسام من الأقوال إلى الأفعال، الأمر الذى يُهدّد بممارسة المزيد من العنف العلنى بين «حزب الله» وحلفائه الشيعة من جهة ودول الخليج وشركائها السنة من جهة أخرى. ففى يوليو، تحدث الأمير السعودى تركى الفيصل فى أحد المؤتمرات عن الجماعة المتمردة الإيرانية المنفية «مجاهدى خلق». وبعد أيام، ادعى مسئول إيرانى كبير أن لديه معلومات استخباراتية تربط السعوديين بمخططات إرهابية تستهدف إيران، وحذّر بقوله: «رسالتنا إلى السعوديين من اليوم هى أنه إذا غضبنا، فلن نترك أى أثر للسعوديين على وجه الأرض». كما أن الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله كان لاذعاً تجاه السعوديين، باتهامه «الرياض» بتشجيع التطرّف والطائفية فى المنطقة. ففى يناير، وبعد إعدام رجل الدين الشيعى السعودى الشيخ نمر باقر النمر، قال نصر الله: «آل سعود يريدون إثارة الفتنة بين السنة والشيعة. هم الذين أشعلوها من قبل، ويفعلون ذلك فى كل جزء من العالم».
لقد تغيّر الكثير منذ حرب لبنان عام 2006 عندما ألحق الحزب خسائر فادحة بالقوات الإسرائيلية، وأعلن «النصر الإلهى» كأول جيش عربى لم يُهزم تماماً فى حرب مع إسرائيل. فقد نشرت الصحف المصرية ملاحق خاصة وصوراً لـ«نصر الله»، امتدت على صفحة كاملة مع عناوين مثل «نصر الله: على خُطى عبدالناصر» و«ناصر 1956 - نصر الله 2006: سنقاتل ولا نستسلم». وظهر «نصر الله» نفسه فى مقابلة على قناة «الجزيرة»، فى مقطع تم بثه عدة مرات، حيث قال بصوت تعلوه الثقة: إن «(حزب الله) [يحارب] من أجل مصلحة جميع المسلمين. هزيمتنا هى هزيمة الأمة الإسلامية بأجمعها». وفى الشارع العربى، كان «نصر الله» ومقاتلوه أبطال العالم العربى.
وبعد عشر سنوات من حرب عام 2006، تدهورت وجهات نظر العالم السنى العربى تجاه «حزب الله». فبعد إدراج الحزب كتنظيم إرهابى من قِبَل دول «مجلس التعاون الخليجى»، أصر «نصر الله» على أن معظم العالم العربى رفض تلك التسمية، ولا يزال يدعم الحزب، لكن بيانات استطلاع الرأى من سبتمبر 2015 ترسم صورة مختلفة، حيث لدى 86 فى المائة من الأردنيين وجهة نظر سلبية حيال «حزب الله»، بينما تتراوح شعبيته من 13 إلى 15 فى المائة فقط فى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
لقد كان «حزب الله» ناشطاً لفترة طويلة فى الخليج، وبالتالى هناك تاريخ من التوتر بين الحزب ودول الخليج السنية.. لكن الموقف الناشط لـ«حزب الله» فى المنطقة اليوم، فى أماكن مثل العراق واليمن، وسوريا على وجه الخصوص، قد وضع الحزب فى موقف المواجهة المباشرة مع دول الخليج أكثر مما كان عليه الحال فترة طويلة.
4
«ترامب» و«المملكة»
القادم ليس سهلاً
تُعد المملكة العربية السعودية حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة الأمريكية طوال عقود، لكن هذه العلاقة مرشحة بقوة للتبدّل إذا قمنا بترتيب عدد من العناصر لنحصل على معنى واضح ومفيد للمشهد السعودى - الأمريكى.
فى يناير المقبل سيتسلم حكم الولايات المتحدة رئيس منتخب جديد هو دونالد ترامب.. جمهورى متشدّد جاء من خارج المنظومة السياسية، وأتت به الرأسمالية الأمريكية إلى سدة الحكم.. يحمل هو وفريق إدارته توجهات مغايرة تماماً لإدارة باراك أوباما. لا داعى فى هذا المقام إلى تكرار التصريحات المسيئة التى أدلى بها «ترامب» أثناء المناظرات الرئاسية، التى تحمل نظرة أقل وصف لها بالعدائية تجاه المملكة العربية السعودية.
«ترامب» الذى تبدو ميوله انعزالية فى السياسة الخارجية، ولا يريد أن يقدم شيئاً مجانياً لأى حليف مهما كانت أهميته، وفى المقابل يأتى بتوافق استثنائى بين أى ساكن فى البيت الأبيض والكرملين الروسى ورئيس روسيا فلاديمير بوتين، الذى تقول أنباء عن اختياره صديق «بوتين» ليكون وزيراً للخارجية الأمريكية، وأعنى هنا ريكس تيلرسون، المدير التنفيذى لعملاق النفط «أكسون موبيل».
أضف إلى ذلك وجود الجنرال مايكل فيلن، كمستشار للأمن القومى، ولديه الكثير من الملاحظات عما جرى فى سوريا.
تتسلم هذه الإدارة ولديها جدول أعمال إقليمى، وداخل أدراجها قانون «جاستا»، الذى لم يتمكن «أوباما» من منعه، وبمقتضاه تتحمّل المملكة العربية السعودية عبء ما جرى فى تفجيرات سبتمبر الإرهابية، وهو القانون الذى ما زال يثير عاصفة من الجدل، لكنه أصبح قانوناً وتشريعاً يُحركه لوبى التعويضات داخل الولايات المتحدة، وهو أمر ليس بالهين.
5
استخلاصات للمشهد
ما قدمناه من عرض لأبعاد عسكرية وسياسية واقتصادية وطائفية فى مجمله يشكل مخاطر حقيقية تواجه المملكة العربية السعودية فى العام الجديد.. على «المملكة» أن تواجهها بقدر عالٍ من الحرص والتدقيق فى كل تحرك، وأن تعيد ترتيب أوراقها مجدداً، وتراجع سياستها الإقليمية التى أثبتت عدم جدواها، والاستمرار فى المضى بها على النحو نفسه يعنى أن «المملكة» اتخذت قراراً ذاتياً باستنزاف قدراتها العسكرية والاقتصادية وتراجع تأثيرها إقليمياً، ومحاصرتها داخل إطار ضيق قد يُكلفها أثماناً باهظة.